لا وجود لكلمة أو عبارة في كتاب الله عز وجل فيها إهانة للناس إلا الذين أهانوا أنفسهم بالخروج عن طاعة خالقهم جل في علاه
مهزلة أخرى ينشرها الموقع الإعلامي الذي ندب صفحاته لنشر الفكر العلماني المتجاسر على دين الله عز وجل ، وهو تجاسر ازدادت وتيرته بشكل ملحوظ منذ مدة ، ذلك أنه لا يمر يوم دون أن يطالعنا عنوان على هذا الموقع فيه إساءة لمشاعر الشعب المغربي المسلم . ويتناوب العلمانيون على نشر إساءاتهم في تبادل للأدوار فيما بينهم، لكنهم جميعا يعزفون نفس اللحن على نفس الوتر .
ومهزلة أمس الأول عبارة عن مقال ورد فيه أن أحدهم احتج على تسمية عقد الزواج بعقد النكاح لأن هذا الأخير فيه إهانة للمرأة على حد زعمه ، وكأن قائل هذا الكلام لم يفتح المصحف أبدا، ولم يقرأ قول الله عز وجل : (( وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح )) ،ففي هذه الآية واضح وضوح الشمس ضحى في سماء صافية أن عقدة النكاح هي عقدة الزواج ، وأن الذي اختلط على من اعتبر النكاح إهانة للمرأة هو ذهاب فهمه إلى أن النكاح هو المسّ كما جاء في الآية الكريمة بعد ذكر الطلاق، وهو الجماع أو الوقاع . وكأن هذا الذي يزعم أن كلمة نكاح فيها إهانة للمرأة لم يطلع أبدا على قوله تعالى أيضا : (( فانكحوهن بإذن أهلهن )) ، أو كأنه أغير على عرض المرأة من غيرة نبي الله شعيب عليه السلام على عرض بنتيه ، والذي حكى الله عز وجل كلامه في قوله تعالى : (( قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين )).
أليس في ما ذهب إليه فهم هذا الذي سقط القناع عن جهله المركب أو مكره الخبيث مهزلة مثيرة للسخرية والضحك ؟ فلو كان أميا لا يقرأ ولا يكتب وجدنا له عذرا ، ولكنه محسوب على الطبقة المثقفة التي انتدبت نفسها للدفاع عن المرأة لتخرجها من إهانة القرآن الكريم على حد زعمها إلى تكريم العلمانية .
ومثل هذا الفهم لكتاب الله عز وجل فهم الجهّال حكاه عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في كتابه الأيام وهو يتحدث عن أحد شيوخه الذي كان يفسر قول الله عز وجل : (( وقد خلقكم أطوارا)) بأن الأطوار هم الثيران . ومثل هذا شهدته ذات يوم في سوق حيث امتدت يد شيخ إلى صندوق سمك، فالتقط حبة منه جعل يتفحصها ويشمها الشيء الذي أغضب بائع السمك، فنهره بشدة ، فابتسم الشيخ قائلا صدق الله العظيم إذ يقول : (( ولا تكن كصاحب الحوت )) . ومما سمعته أيضا من والدي رحمه الله تعالى حين غضب يوما من أحدهم، فسألته عن سر غضبه قال : "إنه كلما مر بي نظر إلي بعين الإعتبار " وقد فهم رحمه الله من كلمة الاعتبار مثل ما فهمه صاحبنا من كلمة نكاح ،ولكن إذا التمس عذر للشيخ مع بائع السمك ،ولوالدي مع الذي كان ينظر إليه شزرا لأميتهما ،فلا عذر للذي يقرأ ويكتب ،ومع ذلك لم ترق به قراءته وكتابته في فهم دلالة النكاح إلى ما فوق فهم الأميين .
ولئن كان صاحبنا على بينة من دلالة كلمة نكاح وهو الغالب ، ومع ذلك ذهب إلى ما ذهب إليه ، فإنه يكون قد اعتقد الغباء في النساء المغربيات وفيهن عالمات أعلم منه بكتاب الله عز وجل وبمصطلحه ، وفيهن عدول أيضا انتدبن لتحرير عقود النكاح دون أن يجدن في ذلك الإهانة التي وجدها صاحبنا في كلمة نكاح .
ومعلوم أن كتاب الله عز وجل لا توجد فيه لفظة أو عبارة تتضمن إهانة للإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى واستخلفه في الأرض ، وإذا ما وردت إهانة لنوع من البشر فلتمردهم على خالقهم وخروجهم عن طاعته ، أما المؤمنون فلا يذكرهم الله عز وجل في كتابه الكريم إلا بأحسن الأوصاف جزاء لهم على طاعتهم وحسن عبادتهم واستقامتهم على سراطه المستقيم .
ولا ندري بماذا كان الله عز وجل سيصف العلمانيين لو أنهم وجدوا زمن نزول الوحي وقد جاوزوا حدود كل من ناصبوا الإسلام العداء ، وكادوا له كيدا غير مسبوق ؟
ولن نستبعد مستقبلا أن يقول بعضهم ما قاله منتقد لفظة نكاح ، فتقال عن الصلاة أنها مهينة للناس بركوعها وسجودها ، ويقال عن الحج أنه مهين أيضا بطوافه ، وسعيه ووقوفه ، ويقال عن الزكاة أنها ابتزاز ، ويقال عن الصيام أنه حرمان من حق الطعام والشراب والوقاع ... وذلك غير مستبعد ، وقد قيل عن فاحشة الزنا أنها حرية فردية ورضائية يجب أن يرفع عنها التجريم ، وقيل عن قسمة الإرث بالنسبة للأنثى أنها جائرة . أما الجهاد فقد كان أول ما انتقد أشد النقد فقيل عنه أنه إرهاب وعنف وإجرام .
وفي الأخير نختم بالقول المشهور : "آفة الرأي الهوى ".
وسوم: العدد 853