محاربة التدين الصحيح بدين الإسلام تنتج التطرف لدي الجاهلين به وتفسح المجال واسعا أمام المارقين منه
لقد خاض دين الإسلام صراعات كثيرة مع منكريه ومخالفيه منذ أن أذن له الله عز وجل أن يكون هو الدين الوحيد في المعمور ، وقد كلف بتبليغه رسله وأنبياءه الكرام صلواته وسلامه عليهم أجمعين الذين سجل القرآن الكريم إسلامهم أجمعين.
ولئن أطلقت نعوت على الإسلام وهو دين توحيد الله عز وجل لتمييز بعض الفترات التاريخية التي كان ينزل فيها الوحي المتعلق به على المرسلين ، فإنه لا دين سماوي إلا هو وإن اختلفت أزمنة وألسنة المرسلين .
وما أنكر على الإسلام عبر تاريخ البشرية الطويل وإلى غاية نزول آخر رسالة سماوية وهي القرآن الكريم ، وسيبقى هذا الإنكار مستمرا إلى قيام الساعة هو توحيد الخالق سبحانه وتعالى وتنزيهه عن الشركاء من مخلوقات وأوثان وأصنام . ويترتب عن عقيدة التوحيد تخصيص الواحد الأحد بالتشريع دون سواه .وإنكار التوحيد مهما كان شكله أو أسلوبه إنما هو إنكار التشريع المترتب عنه .
وصحة التدين بدين الإسلام إنما تحصل بصحة التوحيد ، فكلما خالط التوحيد ضرب من الشرك الجلي أو الخفي المتعمد أو غير المقصود انحرف التدين عن مساره ، وعلى قدر درجة الشرك تكون درجة الانحراف .
ولا يحارب التدين الصحيح بدين الإسلام إلا من أشربوا في قلوبهم نوعا من الشرك، وهو أنواع وأشكال يختلف من عصر إلى عصر ، ومن بيئة إلى أخرى . ولا شك أن الشرك الغالب على البشرية اليوم هو تأليه الإنسان نفسه من خلال إرخاء العنان لها للخروج عما شرع لها خالقها والميل مع شرائع أهوائها، وقد بلغ بها الأمر حد إنكار الخالق سبحانه وتعالى إما تصريحا بوقاحة أو تلميحا بمكر وخبث . وإنكار شرع الخالق هو إنكار ضمني له تعالى عن ذلك علوا كبيرا .
ومحاربة التدين الصحيح بدين الإسلام ينتج عنها إما صناعة متدينين منحرفي التدين ومتطرفين فيه وناكبين عن صراطه السوي أو مارقين منه مروق السهم من الرمية .
أما النكوب عن صراطه عند المحسوبين على الإسلام يعرف ويقاس بمدى زيغهم عن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، فمن زاد عنهما أو نقص كان من الناكبين .ومن علامات النكوب ظهور جماعات متعددة بمختلف التسميات والنعوت كلها يدعي الاستقامة على الصراط ، وواقع حالها يكذب ذلك ، فبعضها يحصل نكوبه بنوع من الشرك يصدر عنه كقول الشيعي الرافضي على سبيل المثال : " يا علي أو يا حسين "ّ أو كقول الطرقي : " يا سيدي فلان يا ولي الله " أو ما شابه ذلك ، وهو نداء طلب أو سؤال حاجة لا يمكن أن يوجه إلا إلى الواحد الأحد الذي لا شريك له في قرار أو عطاء أو قضاء . وحين ينكر على هؤلاء شركهم بهذه الطريقة سواء من تعمد ذلك منهم أو من لم يقصد ذلك لتأثره عن طريق التقليد الأعمى لمن يعتقد فيهم الصواب دون إعمال عقل يرددون عبارة المشركين الواردة في قول الله عز وجل : (( ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه مختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفّار)). فمن نحا نحو هؤلاء في القول شمله حكمهم وإن ادّعوا الانتساب إلى دين التوحيد الذي يقوم أساسا على نفي الشركاء لله تعالى ، ولا معنى للتقرب إليه زلفى تقربا لا تدعو إليه ضرورة أو حاجة والخالق سبحانه أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، سميع بصير، لا تأخذه سنة ولا نوم، حي لا يموت ، قادر ، قوي ....إلى غير ذلك من صفاته المثلى جلا جلاله ، والتي لا يشاركه فيها أحد من خلقه . وإذا كان من ينادى نداء استغاثة أو طلب مخلوقا ميتا لا قدرة له ليجيب أو يستجيب ، ولا يملك ضرا أو نفعا ولا يملك موتا أو حياتا ....، وهو فضلا عن ذلك يخضع بدوره للمحاسبة أمام خالقه ، فمن العبث أن يتوجه إليه بنداء أو بسؤال حاجة .
وتوجد أشكال أخرى من النكوب عن صراط التدين الصحيح ، يكون بسبب فساد في الاعتقاد أو بسبب سوء فهم أو قلة علم وجهل أو قصور أو غفلة . وعلى غرار من يقعون في شرك من شيعة رافضة أو طرقية ضالة يقع غيرهم من الناكبين عن صراط التدين الصحيح في أخطاء في العبادات أو في المعاملات غير منضبطين بشرع الله عز وجل كتابا وسنة ، ومن هؤلاء من يلتبس عندهم العنف بفريضة الجهاد ، فيبررون عنفهم أو إجرامهم بأنهم يجاهدون في سبيل الله ، وأنهم يحسنون صنعا ، وواقع الحال أنه ضل سعيهم وهم ناكبون عن صراط التدين الصحيح بسبب جهل مفض إلى سوء فهم ، وسوء تطبيق . وهؤلاء بقدر ما يسيئون إلى التدين الصحيح بدين الإسلام ،يقدمون خدمة مجانية للمارقين من الدين الذين يقيمون عليه الحجة بما يأتونه من أفعال مخالفة لتعالميه وهو براء منها .
والخطأ الذي يقع فيه من يحاربون التدين الصحيح بدين الإسلام سواء كانوا من الأمم الغربية العلمانية التي ترفع شعار محاربة ما تسميه " الإسلام السياسي " أو ممن يسايرونهم في ذلك من المحسوبين على الإسلام وهم مارقون منه هو أنهم من جهة يصنعون التطرف الذي يزعمون أنهم يحاربونه ويغذونه ، ويمدونه بأسباب وظروف الوجود والاستمرار ، ومن جهة أخرى يخدمون المارقين من الدين ويمدونهم بالدعم لتلاقي مصالحهم ، ذلك أن مصلحة الغرب العلماني هي حجب التدين الصحيح بدين الإسلام ، وهو حجب يراد به أن تسود علمانيته وتسيطر وتهيمن على مناطق نفوذ الإسلام وهي مصلحة تلتقي مع مصلحة المارقين منه ممن يحسبون عليه بحكم وجودهم في دائرة نفوذه ، وهم في الحقيقة جبهة علمانية متقدمة أوطابور خامس لها .
وهذه المغامرة التي يقدم عليها الغرب العلماني، وهي غير محمودة العواقب بالنسبة إليه قبل غيره ، تجعله يسري عليه القول المشهور : " انقلاب السحر على الساحر " حيث صارت مناطق نفوذه معرضة لخطر الناكبين عن التدين الصحيح بدين الإسلام ،ذلك أنه لم يثبت أن من يمارسون العنف الأعمى فيها باسم الإسلام لهم معرفة صحيحة أو تلقوا علما صحيحا به ، أو تخرجوا من معاهد إسلامية مشهود لها بالتخصص ، وإنما هم من خريجي الأنفاق المظلمة بالجهل ، ولا يكاد مستوى الواحد منهم يتجاوز محو الأمية .
ومعلوم أن سعي الغرب العلماني ومن ينحون نحوه من المحسوبين على الإسلام من شركائه في العلمانية ،يبذلون قصارى جهودهم لتعطيل عمل المعاهد العلمية الإسلامية التي هي صمام أمان التدين الصحيح ، وصدق فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة حين سأله السفير الأمريكي عن رأيه فمن كان وراء أحداث الحادي عشر من شتنبر، فأجابه بأنه الذي أغلق جامعة القرويين لأن بإغلاقها منع العلم ، وفسح المجال واسعا للجهل ، وسيّان جهل الناكبين عن صراط التدين الصحيح بدين الإسلام وجهل المارقين منه .
وسوم: العدد 854