التفسير الصحيح ، لما يجري على مسرح الأحداث ، هذه الأيام
إن ما يجري على خشبة مسرح الأحداث .. على هذه الأرض ، من مشاهد .. تتغير ، وتتبدل بشكل سريع كالبرق الخاطف .. مما تجعل الإنسان العادي .. يقف مذهولا ، ومندهشا ، ومتحيرا لما يراه من صور متحركة .. وأشكال متقلبة ، وأحداث متتابعة ، وراء بعضها البعض .. بسرعة رهيبة .. فيحتار في أمره .. من يصدق ، ومن يكذب ؟؟؟!!!
بل الأنكى من ذلك .. أن نفس الأحداث .. تعود للظهور بأشكال مختلفة ، وببيانات ، تكذب الأحداث السابقة .. أو تنفيها ، ثم تعود مرة ثالثة ، للظهور بأشكال مختلفة أيضاً .. وسرد وقائع مغايرة للأولى ، وللثانية !!!
وتنطلق بين الفينة والأخرى .. صيحات من مسؤولين حكوميين ، أو دبلوماسيين ، أو وزراء ، أو إعلامين .. بأن طبول الحرب .. قد بدأت تُقرع .. وساعة الصفر ، لبدء المعارك الضارية .. بين الدولة الفلانية ، والفلانية .. أو بين عدة دول .. قد حانت .. واقتربت عقارب الساعة .. من الوصول إلى اللحظة الحاسمة .. فتقوم وزرات الخارجية في بلد ، أو بلدان ما ، بنصح رعاياها .. بمغادرة ذلك البلد .. أو تلك البلاد سريعاً .. وحالا .. وعدم السفر إليه أو إليها بتاتاً .. لتمرير الخديعة على الناس ، وإشعارهم بأن الأمور في غاية الجدية .. ومنتهى الخطورة !!!
ثم ينطلق التهديد ، والوعيد ، وعظائم الأمور ، والعنتريات من حكام من هنا ، ومن هناك .. وبأنهم سيبيدون كل من يتصدى لهم .. ويجعلونه حصيداً .. كأن لم يغن بالأمس .. أو أثراً بعد عين !!!..
وتمضي الأيام ، والليالي ، والشهور ، والسنوات .. وتذهب كل هذه العنتريات .. وكل هذه التوقعات .. والتنبؤات .. والتصريحات الجوفاء .. أدراج الرياح !!!
وفي غمرة هذه الأحداث الملتهبة ، المعدة ، والمصنوعة في مطابخ السياسة ، والمكر ، والخديعة ..
وفي هذه الأجواء المشحونة بالأكاذيب ، والأضاليل ..
ينبري أساطين الفكر ، والسياسة ، والإعلام .. لتحليل ، وتشريح ، وتفسير ما يجري على خشبة مسرح الزمان .. من أحداث .. تجعل الحليم حيران !!!
فيقولون : إن ثمة خلافات ، أو صراعات ، أو تنافسات على سيادة العالم .. بين أمريكا وروسيا ، أو بين أمريكا والصين ، أو بين أمريكا وكوريا الشمالية ، أو أن إيران تريد السيطرة على المنطقة العربية ، أو أن الكيان الصهيوني .. يريد القضاء على التوسع الإيراني في المنطقة العربية .. وعلى أذنابه من ميليشيات شيعية .. كحزب الله وسواه .. او تغير توازنات ، واستراتيجيات بين الدول !!!..
كَبُرت كلمة تخرج من أفواههم .. إن يقولون إلا كذبا ، وإفكاً مبيناً ..
ولكن – للأسف – أكثر الناس لا يعلمون .. فيصدقون ما يسمعون ، وما يشاهدون !!!
إن ما يجري من أحداث .. على هذا الكوكب الصغير .. يشبه تماما ما يجري على خشبة المسرح .. حينما يقف السحرة .. أمام النظارة .. فيلقون بعصيهم ، وحبالهم .. فيُخيل إليهم من سحرهم .. أنها تسعى !!!
إنه خداع البصر ، والعقول ، والألباب .. فيصدق دهماء الناس .. وغوغاؤوهم .. ما يجري على خشبة المسرح .. بأنه حقيقة – وما هو بحقيقة - ..
وما يزيد في خداعهم أكثر .. أنه حتى أساطين ، وأساتذة التحليل السياسي ، والإعلامي .. يصدقون هذه المسرحيات الهزلية المضحكة .. ويدعون العامة إلى تصديقها !!
لأن عقولهم ، وقلوبهم .. خاوية من التواصل مع خالق السماء والأرض .. والذي يعلم السر وأخفى ..
( وَمَا تَسۡقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعۡلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡأَرۡضِ وَلَا رَطۡبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ ) الأنعام 59 .
فيجهل هؤلاء المساكين .. حقيقة الأحداث .. ويجهلون من يصنعها .. ومن ينتجها .. ومن يخرجها .. بحبكة فنية ، غاية في التعقيد .. لا يفهمها ، ولا يدركها .. إلا أولوا الألباب .. من المؤمنين الصادقين القانتين . . الموصولين مع الله تعالى ..
والذين يعلمون .. تنبؤات رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول :
( سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ) .. سنن ابن ماجه.
وَفِيهِ " وَحَتَّى تَرَوُا الْجِبَالَ تَزُولُ عَنْ أَمَاكِنِهَا " أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ ..
وهنا مربط الفرس !!! ..
يا ترى ما هو التفسير الحقيقي والصحيح لهذه الأحداث ؟
حتى نعرف الحقيقة كاملة .. علينا أن نعرف جذور الأحداث ، وأسبابها ، ومنابعها .. ونستكشفها كما يفعل الطبيب الحاذق ، الماهر .. في تحري أسباب المرض .. كي يعالجه ، ويقضي عليه قضاءً مبرماً .
علينا أن نرجع إلى الوراء 1441 سنة هجرية أو 1397 ميلادية .. حينما ظهرت دولة الإسلام الأولى في المدينة .. بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها .. والتي كان يسكنها طوائف عديدة من اليهود .. وكانوا يعلمون من كتبهم ، ومن التوراة أنه سيبعث رسول من العرب .. وهو خاتم المرسلين .. وكانوا يتوعدون الأوس والخزرج .. ويهددونهم به .. وبأنهم سيؤمنون به ، ويتحالفون معه ضدهم ..
وقد أشار القرأن إلى هذا المعنى بقوله :
( وَلَمَّا جَآءَهُمۡ كِتَٰبٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ وَكَانُواْ مِن قَبۡلُ يَسۡتَفۡتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِۦۚ فَلَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ ) البقرة 89 .
فكتب الرسول صلى الله عليه وسلم حالما وصل المدينة .. وثيقة تحالف ، وعقد اجتماعي معهم .. للمشاركة في العيش الآمن جميعا ، والدفاع عن المدينة جميعاً .
ولكنهم نقضوا العهود ، والمواثيق ، وحرضوا المشركين ، وتعاونوا ، وتحالفوا معهم ضد المسلمين .. نابذين حلفهم مع المسلمين ..
فأخرجهم الله ورسوله والمؤمنين من بيوتهم من المدينة .. قبيلة وراء قبيلة .. على حسب نقض كل واحدة منها حلفها مع المسلمين .. ابتداءً من بني قينقاع ، ثم بني النضير ، ثم بني قريظة .. والذين تجمع بعضهم في خيبر .. وبدؤوا يكيدون الدسائس .. ويشجعون مشركي قريش .. على قتال المسلمين ..
فتم طردهم من خيبر .. وأخرجوا من الجزيرة العربية بشكل كامل ..
وهنا بدأت قلوب اليهود المتبقين في الجزيرة العربية .. تتقد بالحقد ، وتتأجج صدورهم بالكراهية للمسلمين ، وتشتعل جوانحهم كالمرجل .. بحب الانتقام ، والثأر لأصحابهم ..
ولا يخفى .. أنهم شياطين الإنس .. في المكر ، والخديعة .. لا يضاهيهم أي قوم آخر ..
فظهر رجل منهم .. أصله من يهود صنعاء في اليمن .. يُدعى عبد الله بن سبأ .. وكانت أمه حبشية ..
فلذلك دعى أيضاً بابن السوداء .. أظهر للمسلمين أنه أسلم – وهو كاذب - في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ..
وجاء إلى المدينة .. وأخذ يعلن معارضته له ، ويهجوه ، ويؤلب عليه ضعاف الإيمان .. ثم خرج إلى مصر وحشد حوله السوقة ، وحديثي الإسلام .. الذين لم يتمكن الإسلام من التغلغل في قلوبهم ..
كما خرج إلى العراق .. وفعل نفس الشيء .. فجمع خليطاً من الناس .. شحنهم بالكراهية ، والبغض لعثمان رضي الله عنه .. وحرضهم على قتله ..
ثم بعد ذلك أصبح من شيعة علي رضي الله عنه ، ومن الغلاة في مولاته .. بل وتأليهه !!!
وكان هو المحرض الرئيسي .. لإفساد الصلح .. الذي تم بين أم المؤمنين عائشة وعلي رضي الله عنهما .. في وقعة الجمل .. فأشعل هو وجماعته .. في ليل بهيم .. فتنة هوجاء ، خرساء .. بين جيشهما .. أدت إلى استشهاد عشرة آلاف من الصحابة في يوم واحد ..
ومن ثم .. وضع النواة الأولى لتأسيس ما يسمى الشيعة ، الرافضية ، والسبئية التي لا تزال تنمو ، وتتكاثر ، وتتفاخر بعداوتها للإسلام ، والمسلمين ، ولعن الصحابة ، وأمهات المؤمنين ، مع تسترها برداء الإسلام .
وإن خمدت السبئية في أزمان عز الإسلام ، وقوته .. إلا أنه بقي أتباعها .. يحملون في كوامنهم .. ذكريات طرد أجدادهم من المدينة .. ومن الجزيرة العربية كلها .. ويتحينون الفرص .. للظهور ، والسيطرة ، والعلو..
فظهر في القرن التاسع عشر .. شخص شبيه بابن السوداء .. في مكره ، ودهائه ، وخبثه .. يُدعى هرتزل .. إلا أنه يعلن صراحة .. أنه يريد تأسيس مملكة لليهود .. في أرض فلسطين .. لاستعادة أمجاد داود وابنه سليمان عليهما السلام ..
فأخذ بالتواصل مع زعماء اليهود في العالم .. وخاصة أوروبا ، وأمريكا .. ودعاهم إلى عقد المؤتمر الأول للصهيونية في بازل بسوسرا في 29-8-1897 .. وتأسيس الحركة الصهيونية .. للعمل جديا على تأسيس الوطن القومي لليهود .. بعد خمسين سنة .. مع الاستمرار في التواصل مع الحكام .. للحصول على دعمهم .. عن طريق تقديم الأموال السخية لهم .. والتي بدؤوا جمعوها بوسائلهم الخسيسة المعهودة .. منذ كانوا في يثرب ، وغيرها .. بالربا ، والاحتيال ، والخداع ..
ومن ضمن من تواصلوا معه أيضاً .. السلطان عبد الحميد الثاني .. الذي عرضوا عليه .. أموالاً طائلة .. لقاء السماح لهم بالسكنى رسميا .. في فلسطين .. لكنه رفض ، وأبى ..
فكان جزاؤه .. أن دبروا له مكيدة .. فعزلوه عن العرش في عام 1909.
ومن بعدها .. أخذ نفوذهم يزداد ، ويقوى ..
واحتلوا فلسطين في 15-5-1948 .. وأنشأوا لهم فيها دولة .. أطلقوا عليها اسم نبيهم إسرائيل عليه السلام .. ليس افتخاراً ، واعتزازاً بالانتساب إليه .. ولكن .. لكي تأتيه الشتائم ، واللعنات من أهل الأرض .. الذين تظاهروا عليهم بالإثم ، والعدوان .. وأخرجوهم من ديارهم .. وشردوهم في بقاع الدنيا المترامية الأطراف..
والآن .. بلغوا ذروة علوهم وفسادهم الأول .. الذي قضاه الله عليهم :
( وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ) الإسراء 4 .
وهنا نصل إلى لب الجواب الشافي .. عن أسرار هذه الأحداث الجارية منذ سقوط الاتحاد السوفياتي ..
فانطلاقا من الكراهية الشديدة ، والحقد الدفين في نفوس اليهود ، وكل من يواليهم .. من النصارى ، والعرب ، والفرس ، والهنود ، والصينيين المتصهينين .. ضد الإسلام ، والمسلمين ..
وانطلاقاً من العلو ، والجبروت اليهودي .. الذي بلغ ذروته .. وهيمن على العالم أجمع .. اقتصادياً ، وسياسياً .. وأخضع القوى الدولية كلها – بما فيها أمريكا – لسلطته وإرادته .. مما مكنه من التحكم فيها كيفما يشاء ..
وانطلاقاً من تأسيسه .. مراكز استشعار الخطر الإسلامي عن بعد ، ومراكز الاستخبارات ، التي تتجسس على الناس .. وتراقب تحركاتهم ، وأنشطتهم .. وتترصد أي حركة إسلامية .. تود أن تظهر ..
فتعمل مباشرة .. على تجييش الإعلام ضدها .. ووصفها بالوصف المخيف ، المرعب للناس .. وهو : الإرهاب .. لإجهاضها ، وتأليب الناس عليها ، وتشويه سمعتها ، وتنفير الناس منها ..
وبناء على هذه المنطلقات :
فإنه هو الذي يغير المشاهد على المسرح ، ويبدلها على حسب المعلومات الواردة إليه .. من المراكز الآنفة الذكر .. مشابها في ذلك .. لما كان يفعله قديما .. قبل ظهور السينما .. محرك الدمى ، والعرائس المربوطة بخيوط موصولة إلى يديه .. وهو يقف وراء الستار .. مما يجعل الناس يتخبطون ، ويتيهون في ضلال مبين .. ولا يدرون ماذا يجري وراء الأستار .. ويظنون ما يظهر من تهاوش ، وتناحر بين الدول .. وخاصة بين إيران وأمريكا ، أو إيران والاحتلال الصهيوني .. على أنه حقيقة .. وما هو بحقيقة ..
وإنما خداع بصر !!!
وسوم: العدد 854