لا حياة ولا كرامة للعراقيين ما دام الأميركيون في بلادهم
ما إن طلب البرلمان العراقي من حكومة تصريف الأعمال برئاسة عادل عبد المهدي العملَ على إخراج الأميركيين وسائر قوى التحالف من العراق ؛ حتى انهالت التهديدات الأميركية قذائف مسددة إلى الدولة العراقية والشعب العراقي : تهديد بتدفيع العراق ثمن قاعدة جوية كبيرة ، وتهديد بالاستيلاء على الأرصدة العراقية في المصارف الأميركية المقدرة ب 35 ملياردولار ، وتهديد بحصار أشد ضررا وخطرا من حصار إيران . كل هذه التهديدات اعتداء جائر غير مشروع على السيادة العراقية ، وتلاها تهديد أوقح في الاعتداء على تلك السيادة ، ونقصد به التهديد المتصل بنية العراق شراء صواريخ س 400 الروسية . وكل التهديدات تؤكد أن أميركا تعامل العراق بصفته خاضعا لاحتلالها ، وأن حديثها عن سيادته بعد انسحاب القسم الرئيس لقواتها في 2011 وإبقاء 5200 جندي وفق اتفاق جديد بين البلدين ؛ ليس إلا تضليلا ومخادعة . البلد المستقل ذو السيادة لا تقيم أي قوات في أرضه إلا بموافقته ، وهو حر في إخراجها متى شاء . وبان بعد طلب البرلمان العراقي انسحاب القوات الأميركية وغيرها من القوات الأجنبية ، وبعد معارضة أميركا لصفقة صواريخ س 400 أن الحال ليست هكذا في العراق . فأميركا تعامله على أنه بلد خاضع لها خضوعا مباشرا كاملا ، ويجب أن يتصرف تبعا لهذا الخضوع ، ولا مشكلة لديها في الكلام الزائف المخادع عن استقلاله وحرية إرادته . فما عسى أن يفعل العراقيون لمواجهة التهديدات الأميركية الخطيرة الجادة ؟ ! ما عساهم أن يفعلوا ذودا عن استقلالهم وحياتهم وكرامتهم الوطنية والإنسانية ؟!
مقتدى الصدر ، زعيم التيار الصدري ، دعا لمظاهرة مليونية ضد الوجود الأميركي ، وتابعه فورا حزب الله العراقي معلنا عن ملحمة شعبية تشارك فيها عشائر الأنبار والموصل لمواجهة الاحتلال الأميركي ، وفي الخارج ، تعمل إيران وحزب الله اللبناني على إخراج أميركا من العراق ، وبعض القواعد التي " تستضيف " جنودا أميركيين مثل قاعدة التاجي هوجمت بصواريخ الكاتيوشا . وكل هذا ليس كافيا لإقناع أميركا أو إرغامها على الانسحاب من العراق ، ويزيد من عدم كفايته وجود قوى عراقية مذهبية وعرقية لا تريد هذا الانسحاب ، ويقول بومبيو وزير الخارجية الأميركية : " إن كل القادة العراقيين أخبروه في مجالس خاصة أنهم يؤيدون الوجود العسكري الأميركي في بلدهم " . وهذا التباين الحاد في مواقف القوى العراقية من الانسحاب يسهل على أميركا البقاء في العراق ، ويفتح الطريق لاحتدام نزاعات ربما تكون دامية بين هذه القوى ، ويغذي فاعلية نشاط خصوم إيران من العراقيين ، ويغري أميركا بإحياء عمليات داعش في العراق وتوسيعها ، فهي التي اختلقتها وقوتها مع إسرائيل والنظام السعودي . العراق فعلا يواجه مشكلات كثيرة مفتوحة على توقعات خطيرة ، إنما لا مفر من طرد الأميركيين منه ، فلا حياة ولا كرامة للعراقيين ما دام الأميركيون فيه ، ولننظر حال أفغانستان مع وجود الأميركيين وبعض حلفائهم الأوروبيين فيها . حتى الألمان حلفاء أميركا في الناتو يشكون من سوء معاملة سفراء أميركا للمسئولين الألمان ، وأحد هؤلاء المسئولين قال عن السفير الأميركي الحالي إنه يعاملهم كأنه ضابط في قوة احتلال . وصفحات التاريخ توضح أنه ما من قوى وطنية رحبت بالغزاة إلا جلبت الخراب على شعبها ووطنها ، وما من قوى وطنية استبسلت في مقاومة الغزاة إلا فتحت لشعبها ووطنها طريق الحياة الحرة الشريفة ورفعة القدر بين شعوب العالم . إسرائيل التي تتنفس الهواء بأنف أميركي تصر على حرية قرارها ، وعندما اقترح الرئيس الأميركي رونالد ريجان بعد الغزو الإسرائيلي للبنان في 1982" حلا " للصراع الفلسطيني الإسرائيلي خاطبه بيجن رئيس وزراء إسرائيل صارخا : " هل نحن جمهورية موز ؟! " . ثقافة الحياة الحرة الشريفة ورفعة القدر اختفت من العالم العربي ، ولعلها تعود انطلاقا من العراق بمؤازرة القوى العربية والإسلامية . دائما كان العراق منطلقا لكل ما هو عظيم في التاريخ والحضارة العربية والإسلامية ، ولدوره هذا استهدفته أميركا والغرب وإسرائيل بالعدوان والتخريب وتحطيم مقومات سيادته الوطنية .
وسوم: العدد 860