ماذا وراء مقتل قاسم سليماني ؟
أثارت عملية مقتل قائد ما يُسمى فيلق القدس .. وما هو إلا فيلق القتل والإجرام .. على يد الجيش الأمريكي صباح الجمعة 3/1/20 ردود أفعال واسعة ، لدى مختلف فئات الناس في العالم ، بين مؤيد لها ، وفرح ، ومبتهج ومسرور ، وبين مندد لها وحزين ، ومستنكر ومهدد ، ومتوعد بالانتقام الساحق الماحق لقتلته ..
ففي البلاد العربية التي عانت من جرائمه الكثيرة ، ولا تزال تعاني ، طوال أربعين سنة من حكم الرافضة المجوس لإيران ، وتدثرها بدثار الإسلام ، للخداع والتضليل .. ثم احتلالها رسمياً لأربعة عواصم عربية ، كانت اثنتان منهما دمشق وبغداد ، عواصم الدنيا لأكثر من ستة قرون ..
فرح الناس أيما فرح ، وشفى الله صدور قوم مؤمنين ، وشفى غليل قوم مستضعفين ، مات آباؤهم وأبناؤهم وإخوانهم على يد ذلك السفاح .
لماذا تم قتل سليماني الآن ؟
من المعروف أن قادة إيران كلهم ابتداءً من الخميني ومروراً بالخمئيني وانتهاءً بهذا الهالك سليماني .. عبارة عن زبانية وعملاء لدى أمريكا ..
وأصلاً ما كانت الثورة الخمينية الرافضية لتنجح في عام 1979 ، لولا الدعم الأمريكي اللامتناهي لها ، وتخليها عن عميلها الذهبي .. الشاه محمد رضا بهلوي ، الذي كان متميزاً في علاقته الحميمية العضوية ، مع أمريكا من بين كل العملاء ..
ومع ذلك تخلت عنه ، واستبدلته بعميل أقوى منه ، وأقدر على تقديم خدمات لأمريكا ، بشكل أكثر ، وهو الخميني ..
ومن هنا يتبين لنا بشكل جليٍ ، وواضح ، طبيعة العلاقة الأمريكية مع عملائها .. ومن ثم يتضح الجواب على السؤال المطروح أعلاه ..
طبيعة العلاقة بين أمريكا وعملائها والعالم أجمع
تتصف الطبيعة الأمريكية ، - منذ أن ظهرت على سطح الأرض – بالغرور والاستعلاء ، والجبروت والغطرسة ، وحب السيطرة والهيمنة على الآخرين ..
ولذلك حينما تولى الرئاسة هاري ترومان في أوائل عام 1945 ..
وكان يتصف بالعقلية الجبروتية المفرطة ، والنزعة الدموية القاتلة ، والرغبة الجامحة لإبادة الشعوب ، والتعطش الشديد إلى سفك الدماء ، مما جعله يُسمى بأبي القنبلة الذرية ، وأبي المخابرات !!!
وكانت الحرب العالمية الثانية في أوج أوارها وضرامها ، وكان يتوقع لها أن تستمر سنة أو أكثر ..
ولكن لم تمض سوى أشهر قليلة ، على استلامه الحكم ، حتى أصدر أوامره العدوانية ، الهمجية ، الطاغوتية ، الوحشية لجيشه المقدام ، باستخدام السلاح النووي ضد خصمه اليابان ، فانطلقت الطائرات الأمريكية ، محملة بالقنابل الذرية ، تشق عباب السماء ، لتلقي القنبلة الأولى على هيروشيما في 6/8/1945 ، والقنبلة الثانية على ناغازاكي في 9/8/1945 ..
مما أدى إلى استسلام اليابان فوراً وبدون شروط !!!
لأنها أدت إلى كارثة إنسانية ، ودمار رهيب ، في لحظات قليلة ، لم يسبق في تاريخ البشرية ، أن حدث مثلها!!!
وهذا مما أدى إلى أن تضع الحرب أوزارها ..
وبعد أن انتهت الحرب العالمبة الثانية في عام 1945 .. وخرجت أمريكا منها منتصرة ، انتصاراً باهراً مع حلفائها ..
أخذ ترومان يفكر في إنشاء أجهزة مخابرات ، لتجنيد جواسيس وعملاء لها في شتى بقاع العالم !!!
بقصد السيطرة والهيمنة على العالم ، ولمنافسة خصمها اللدود ، الاتحاد السوفياتي ، وللتجسس عليه ، وعلى بقية دول العالم ، ولمنع أي تهديد للأمن القومي الأمريكي ..
ففي عام 1947 أنشأ وكالة المخابرات الأمريكية المركزية CIA .. وهي تتبع لوزارة الخارجية .. وتقوم بمراقبة جميع حكام العالم ووزرائهم والتنصت على مكالماتهم ..
وفي عام 1952 وبأوامر من ترومان أيضاً ، أنشئت وكالة الأمن القومي NSA .. وهذا الجهاز مختص بالتنصت على المكالمات الهاتفية ، والاتصالات بمختلف أنواعها في جميع أنحاء العالم ..
وكذلك أطلق عليها اسم ( الأذن الكبرى ) BIG EAR ..
وهناك أيضاً جهاز المباحث الفدرالي FBI ، الذي أنشئ بنفس الفترة ، وبأوامر من ترومان أيضاً ..
وهذا الجهاز رهيب جداً ، ومجالات عمله واسعة ، ومتداخلة مع الأجهزة الآنفة الذكر .. ويقوم بجمع المعلومات الاستخباراتية ، داخل وخارج أمريكا ، والقبض على المطلوبين أينما كانوا ، وبالتنسيق مع الجهازين السابقين ..
وحينما تقوم هذه المخابرات بتجنيد شخصٍ ما في العالم ، سواء كان مركزه رئيساً ، أو ملكاً ، أو رئيس وزراء ، أو وزيراً ، أو قائداً في الجيش ، أو حتى ضابطاً ، أو جندياً ، أو رجل أعمال ، أو أي صفة أخرى ، فإنها تستخدمه كعميل لها ، وتابع لأوامرها ، وتحدد له مساراً معيناً ، يجب عليه سلوكه ، دون أي انحراف ، ولو بضع مليمترات.
وتبدأ باستهلاكه ، واستخدامه لتنفيذ خططها ، القاضية بالسيطرة ، والهيمنة شبه المطلقة ، على البلد التابع له ، حسب مركزه ، مع إعطائه هامشاً من الحرية ، يتجول ويتحرك ضمن نطاقه !!!
كما تعطيه هامشاً من التصريحات ، وإطلاق الشعارات المبهرة مثل : الموت لأمريكا وإسرائيل وأخواتها .. وإلقاء الخطب النارية ، ضد الامبريالية ، والاستعمار ، والرجعية ، والإرهاب وأخواتها ..
وتسمح له بمهاجمة أمريكا ، وسبها ، وشتمها ، ووصفها بأقبح الأوصاف ، لكي يخدع شعبه ، ويحوذ على ولائه له !!!
وتستمر في مص دمه ، حتى آخر قطرة ، بدون أي رحمة أو شفقة ، فهي لا تعرف هذه المشاعر ، والعواطف الإنسانية ، والقيم الخلقية على الإطلاق .. فقلبها قُدَ من صخر !!!
فإذا حاول هذا العميل ، أن ينحرف ، أو يخرج عن السوار الذي وُضع فيه ، فإنها تهدده وتتوعده ، بالقتل أو النفي ، أو أي عقوبة تجدها مناسبة له !!!
وقد تصبر عليه زمناً معيناً ، طويلاً أو قصيراً ، حسب حالته ، وحسب الانحراف الذي شط به عن السبيل .. فإذا لم يرعوِ ، وركب رأسه ، وتمرد على الأوامر ، وأصر على خروجه عن السوار .. فإنها تقتص منه وتنهي حياته ، بالطريقة التي تجدها مناسبة له ..
والأمثلة كثيرة جداً في التاريخ .. لا مجال لذكرها في هذه المقالة القصيرة السريعة ، ويكفي مقتل سليماني لأن يكون أكبر مثل على ما ذكرناه .. فهو عميل أمريكي بامتياز ، منذ قيام الثورة الخمينية ، إضافة إلى كل قادة إيران من الخميني إلى أصغر موظف فيهم ..
وقد تلجأ المخابرات الأمريكية ، إلى طريقة ثانية لنبذ العميل ورميه في سلة المهملات ، حينما تعثر على عميل آخر دسم ، يحقق لها خدمات أكثر منه ، ولديه قدرة أكبر على إفادتها ..
وأوضح مثال : تخليها عن شاه إيران بهلوي ، لقاء دعمها الخميني وأتباعه ..
العلاقة بين أمريكا وإيران
العلاقة بين أمريكا وإيران حميمية ، وعضوية ، وفيها كل الصفاء ، والود اللامتناهي !!!
فكلاهما أصدقاء وأحباب إلى أبعد الحدود ..
وقد وجدت أمريكا ضالتها المنشودة في إيران لتحقيق حلمها الكبير .. كما أن الأخيرة وجدت ضالتها المنشودة في الأولى ، لتحقيق حلمها الكبير ..
فكلاهما ، يهوى القضاء على الإسلام والمسلمين ، والحفاظ على الكيان الصهيوني في فلسطين ..
والأولى : تتطلع إلى معركة هرمجدون ، ونزول المسيح الدجال ، كي يقضي على المسلمين ، وينتصر لليهود وأعوانهم !!!
والثانية : تتطلع إلى خروج المهدي المغيب في السرداب ، كي يقضي على المسلمين ، وينتصر للمجوس والرافضة !!!
وكل ما يشاع في الإعلام .. من وجود اختلاف بينهما ، هو : محض افتراء ، ووهم ، وخيال ، وتدبير كيد ساحر ، للتضليل والخداع !!!
الفائدة من مقتل سليماني
من يظن ، أن عملية اغتيال المجرم سليماني اللعين .. الذي قتل مئات الآلاف ، من المسلمين في سورية والعراق واليمن ..
هي ضد إيران ، وأن طبول الحرب ، قد أخذت تُقرع بين أمريكا وإيران ..
فهو مخطئ ، وجاهل لطبيعة العلاقة الوجدانية ، العضوية بينهما ..
بل هي بالعكس تماماً ..
القصد منها تقوية إيران !!!
وتحريض حلفائها الداخليين والخارجيين ، أمثال المليشيات الشيعية في المنطقة بأسرها ، بما فيها المليشيات الفلسطينية ، للتلاحم مع إيران ..
والهدف الثاني : تقويض ، وزعزعة ، وخلخلة المظاهرات العراقية ، وتفريق صفها .. وتشتيتها ..
وما يُشاهد في وسائل الإعلام ، من تصريحات ، وتهديدات بالويل والثبور ، والانتقام من قتلة سليماني .. ليس إلا عمل ساحر ، وشعبذات ، وشعوذات ، لخداع البسطاء ، والدهماء ..
والهدف الثالث : تحريض المليشيات الشيعية ، على الانتقام لسليماني ، ظاهرياً من الأمريكيين ، وباطنياً وفعلياً من المسلمين في العراق وسورية .. والقضاء على الثورة في كليهما ، وتمكين الرافضة الإيرانية من زيادة السيطرة ، والتحكم في كليهما ..
المراجع :
1- أسطورة الوهم محمد الحكايمة
2- المخابرات الأمريكية ، أخطبوط تمتد أذرعه إلى الوطن العربي ..... اللواء مهند العزاوي
3- الموسوعة السياسية ج6
وسوم: العدد 860