وسام السيسي وفضيحة أوبرا الصابون
تتوالى الانتكاسات التي تتعرض لها أجهزة النظام المصري في سياق محاولاتها المتعاقبة لتبييض صفحة عبد الفتاح السيسي أمام الرأي العام العالمي، وتنقلب إلى ضدها الجهود الحثيثة لطمس صورة الحاكم الانقلابي المستبد والفاسد، وتجميلها بصفات صانع السلام والاستقرار في مصر ومحيطها، وراعي الفنون وحقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني. وكان المكتب الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة قد أعلن تأجيلاً، إلى موعد غير مسمى كما يبدو، لمؤتمر دولي سبق أن قرر عقده في مصر تحت موضوع «تعريف وتجريم التعذيب في التشريعات العربية»، وذلك بعد أن سارعت منظمات حقوقية دولية عديدة إلى الاحتجاج بشدة على منح هذا النظام فرصة احتضان مثل هذا المؤتمر تحديداً. ولقد استند المعترضون إلى سجلّ السلطات المصرية الأسود في انتهاكات حقوق الإنسان عموماً، وممارسة التعذيب على نطاق واسع في المعتقلات المصرية خصوصاً. وأما الانتكاسة الأحدث فهي الملابسات التي اكتنفت قرار أوبرا درسدن الألمانية منح وسام القديس جورج إلى السيسي لأنه «يدافع في مصر عن الاستقرار وبناء المجتمع، ويعد أيضاً صوتاً ممثلاً عن أفريقيا بصفته رئيسا للاتحاد الأفريقي». فبعد أن سارعت أجهزة النظام المصري والمؤسسات الإعلامية الدائرة في فلك السلطة إلى التطبيل للوسام وتضخيم معانيه ورموزه ودلالاته، جاءت الصدمة سريعة من الجهة ذاتها مانحة الوسام، والتي تراجعت عن القرار واعتبرت أنه «كان أمراً خاطئاً، وما كان له أن يحدث»، وذلك بعد احتجاجات عارمة صدرت عن شخصيات ألمانية بارزة، ضمت فنانين وكتاباً ونشطاء حقوقيين ونواباً في البرلمان وصحافيين وعمدة درسدن نفسه. وليس مدهشاً أن أجهزة السيسي التي أطنبت في تضخيم واقعة منح الوسام سكتت تماماً عن تتمة الحكاية المتمثلة في اعتذار إدارة الاوبرا عن قرارها وسحب الوسام عملياً، فليس من المعتاد أن يلجأ إعلام الاستبداد إلى نقل الحقيقة أو تصويبها أو حتى التعليق عليها من باب الدحض مثلاً. كذلك فإنها تواصل السكوت عن تأجيل مؤتمر التعذيب، وكأن الناطق الرسمي باسم الأمم المتحدة لم ينطق حول أسباب التأجيل، مؤكداً اعتراض المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية على عقده في القاهرة. ومن جانب ثان فإن الملامة لا تقع فقط على عاتق أجهزة السيسي في تجميل صورة رئيسها، فهذا ليس جزءاً لا يتجزأ من وظائفها فحسب، بل هو أيضاً أحد أبرز مبررات وجودها ضمن منظومة الاستبداد المترابطة. اللوم يقع بالتساوي، وربما أكثر، على إداريي جهة مرتبطة بمجتمع مدني ديمقراطي مثل أوبرا درسدن، أو مسؤولي مؤسسات أممية مثل المكتب الإقليمي لحقوق الإنسان، في منح أجهزة السيسي فرصة تلو أخرى لتلميع الدكتاتور، ومن زوايا تتجاوز التناقض والمفارقة إلى إضافة الإهانة على جراح ضحايا الاستبداد. فكيف، بالفعل، يمكن لمندوبين في مؤتمر دولي أن يناقشوا التعذيب، وصرخات المعتقلين في السجون المصرية على مبعد أمتار منهم وتكاد أن تبلغ أسماعهم؟ وكيف يكون السيسي ضامناً لاستقرار مصر، وهو العسكري الانقلابي المستبد الذي سنّ تشريعات تكفل له الحكم مدى الحياة؟ وأي أفريقيا هذه التي يصنع لها السلام، هو الذي يصبّ الزيت على نيران الحرب الأهلية لدى جيرانه في ليبيا؟ وإذا كانت أجهزة السيسي الإعلامية لا تتقن إلا إنتاج أوبرا الصابون في تمجيده، فما الذي كرمته به أوبرا درسدن التي تعرض أعمال فاغنر وموزارت وروسيني وفردي؟
وسوم: العدد 862