لماذا تعتبر الأنظمة إحراق علم إسرائيل جريمة؟
قضت محكمة بحرينية، السبت الماضي، بالسجن 3 سنوات على شخص أحرق العلم الإسرائيلي خلال تظاهرة لمناصرة القضية الفلسطينية، وهو ما أثار جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي فتساءل البعض كيف وصلنا اليوم إلى تجرؤ حاكم عربي على «تجريم إحراق علم العدو»، فيما تساءل آخر عن معنى أن يزاود القضاء البحريني على المحاكم الإسرائيلية في البطش بمناصري القضية الفلسطينية، واعتبر ثالث الأمر انحداراً وذلة غير مسبوقين.
يعيد الحكم الأخير تذكيرنا بحدث إنزال قوات الأمن المصرية علم فلسطين الذي رفعه شاب مصري في استاد القاهرة خلال مباراة المنتخب المصري الأولمبي مع نظيره من جنوب أفريقيا في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وكان لافتاً حينها أن الجمهور المصري صار يهتف بعد إنزال العلم «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين» فتحمس الشاب مجدداً ورفع العلم فتكاثر عليه عناصر الأمن واعتقلوه، وقامت النيابة العامة بعدها باتهامه بـ«تمويل الإرهاب»، وتشابهت تعليقات المصريين حينها على الحدث فاعتبرت واحدة أن العرب يعيشون «حقبة من الصعب على المؤرخين وصفها» و«يمكن أن يبصق علينا التاريخ»، فيما سخر آخر من زعم بعض المسؤولين أن السماح برفع علم فلسطين سيسمح لشخص آخر برفع علم إسرائيل، وخلص آخر إلى أن حكومة مصر «لا تختلف كثيراً عن جيش الاحتلال الإسرائيلي».
يجري هذا في الوقت الذي يتباهى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن الإسرائيليين «في أوج عملية تطبيع مع عدد كبير جداً من الدول العربية والإسلامية» وبأن سلطات الاحتلال، في الوقت نفسه، «تعمل على تحويل الضفة إلى جزء لا يتجزأ من إسرائيل»، محتفلاً بأن طائرة إسرائيلية خاصة عبرت الأجواء السودانية التي صارت مفتوحة بعد لقائه برئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان.
تسجّل هذه الأحداث الرمزيّة الطابع مرحلة كانت خلالها علاقات الأنظمة العربية مع القضية الفلسطينية تتحكّم فيها معادلة ما بين العداء والخصومة (الفعليّة أو الشكليّة) لإسرائيل، وبالتالي، بين الدعم والتعاطف (الفعلي أو الشكلي) مع الفلسطينيين، ومرورها بمرحلة ثانية بدأت مع أحداث أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن، ثم أحداث الحرب الأهلية في لبنان منذ عام 1975 وصولاً إلى عام 1982 الذي احتلّت فيه إسرائيل أجزاء كبيرة من لبنان، حيث قامت بإخراج المقاومة من بيروت في العام نفسه، فيما تكفّل النظام السوري بإخراجها من طرابلس وشمال لبنان في عام 1983.
شهد العالم والمنطقة العربية بعدها أحداثاً كبرى فسقط الاتحاد السوفييتي، واحتل العراق الكويت وتبعه اجتياح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها للعراق، وفرضت موازين القوى العربية والدولية على الفلسطينيين القبول باتفاق أوسلو عام 1993 فانتهت انتفاضة الحجارة الفلسطينية التي بدأت عام 1987، وظهرت سلطة وطنية على جزء من الأرض الفلسطينية وبذلك تمكن الفلسطينيون من تشكيل إطار قانوني لكيانهم السياسي معوّضين عن فقدانهم للعواصم العربية.
تشكّل المرحلة التي نعيشها تشكيلاً سياسياً هرميّاً تقبع فيه إسرائيل، بمعناها الاحتلاليّ والاستيطاني، وبقوّتها الماليّة ونفوذها الدولي، على رأس منظومة عربيّة متهالكة حاولت ثورات 2011 العربية وما بعدها أن تضعضعها، وحين فشلت، انتقلت الأنظمة إلى مرحلة انتقام هائلة، ليس ضد جماهيرها فحسب، بل ضد أي إمكانية حقيقية للتحرك ضد هذه المنظومة.
عقاب من يحرقون علم إسرائيل (أو يرفعون علم فلسطين)، بهذا المعنى، هو عقاب على التجرؤ على رمز المنظومة العربية الذي يجمع بين قطبي الاحتلال والاستبداد.
وسوم: العدد 864