حفتر يحقّر الأمم المتحدة: القذافي باق ويتمدد؟
اعتمد مجلس الأمن الدولي مساء الأربعاء الماضي قراراً يطالب بـ«وقف دائم لإطلاق النار» في ليبيا وكان رد ميليشيات القائد المتمرد خليفة حفتر على الأمم المتحدة ومجلس الأمن واضحا حيث تابعت هجماتها على مواقع جنوب العاصمة طرابلس، كما تابعت رشق المدينة بالصواريخ العشوائية، وبعد يوم من إعلام البعثة الأممية عن منع قوات حفتر لرحلاتها الجوية إلى العاصمة، والأسوأ من ذلك أن غطرسة حفتر تمنعه حتى من المراوغة فقد خرج ناطق باسم قواته ليقول إنه «لن يسمح للأمم المتحدة باستخدام المطار الوحيد العامل في طرابلس» وأن على البعثة الأممية أن تستخدم مطارات أخرى تحت سيطرته، واستمر في استهدافه لمطار معيتيقة في العاصمة مما أدى لتعليق الرحلات وتوقف حركة الملاحة الجوية في المطار، كما تابعت قواته إغلاق موانئ وحقول نفط منذ 18 كانون الثاني/يناير الماضي بحيث تراجع إنتاج النفط في ليبيا تراجعاً حاداً تسبب بخسائر بقيمة 1.4 مليار دولار.
يبدو هذا التصعيد نتيجة منطقية لظهور حفتر المفاجئ في المشهد الليبي منذ 21 أيار/مايو 2014 عبر الدعم الذي حصل عليه من الإمارات العربية المتحدة والنظام المصري مما سمح له بتجميع بقايا جيش العقيد معمر القذافي تحت مسمّى «الجيش الوطني الليبي» وبدئه معركة «قطاع خاص» منفصل عن الدولة المركزية رافعا شعار «مكافحة الإرهاب»، وهو ما أدى طبعا إلى تدخل الحكومة المركزية في طرابلس ضده، ودخول الأمم المتحدة وقوى إقليمية في دعم حكومة السراج.
لم يكن غريبا والحالة هذه تزامن الحملة العسكرية التي شنّها حفتر بدءاً من الرابع من نيسان/ابريل 2019 مع وجود الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ليبيا برفقة المبعوث الأممي غسان سلامة، وكان لتناظر الهجوم مع محاولات غوتيريش وسلامة ترتيب مؤتمر جامع للأطراف العسكرية والسياسية الليبية معنى واحد وهو إعلان الاحتقار الكبير لمساعي الأمم المتحدة والاتكال على الأطراف الإقليميين لإنهاء وجود الحكومة المركزية وإعلان حكومة انقلاب عسكرية مركزية تتلقى أوامرها من أبو ظبي والقاهرة وتنفذ مجازر ضد كل العناصر والقوات التي شاركت في إنجاح الثورة الليبية، وبالتالي الانتقام لسقوط نظام القذافي وإعلان استمرار وتعاضد منظومة الاستبداد العربي.
لعقد مقارنة حقيقية بين القذافي وجنراله المهزوم في تشاد علينا استذكار عناصر شخصية الأول وأفعاله، فالقذافي أدخل بلده في مآزق هائلة، من إسقاط طائرة لوكربي المدنية، إلى دخوله مشروعا نوويا مكلفا ثم تسليمه مفاتيحه للدول الغربية لاحقا، إلى قمعه الهائل للاتجاه السياسي الإسلامي، وعمليات الإعدام الجماعي للمعتقلين في السجون، إلى مغامراته العسكرية في دول الجوار وتدخلاته في العالم، والتي ما زال أثرها موجوداً في فرنسا وبلدان أخرى، إلى نزعته الاستعراضية المثيرة للسخرية، كل هذه المظاهر رهنت البلد للعقوبات ودفعته ثمنا باهظا من أمواله وسمعة أبنائه.
يمكن بسهولة نسج خيوط التشابه بين الشخصيتين، فالجنرال الذي جاء من الهزائم والعلاقات المشبوهة بأنظمة استخبارات، يتصرّف بالضبط مثل القذافي كما لو كان حاكم ليبيا الأوحد، وفي الوقت الذي يتصرّف كأنه نظير للرؤساء والزعماء العالميين، ويتحدى الأمم المتحدة بصلافة ما بعدها صلافة، ولا يتردد في الوقت نفسه عن الاستتباع لمصادر «القوة» في العالم، من أمريكا وفرنسا وإسرائيل إلى روسيا والصين، مروراً بمصر والإمارات والسعودية، بحيث يبدو في الصور الملتقطة له «خليفة» فعليا للقذافي وخير وريث له في تدمير البلاد والعباد.
وسوم: العدد 864