لبنان: نقمة النفط والغاز قد بدأت
مبشّراً الشعب اللبناني بانطلاق حملة التنقيب عن ثروات النفط والغاز، ودخول لبنان نادي الدول المنتجة للنفط وقرب حلول عهد الازدهار، قال الرئيس اللبناني إن هذه الخطوة ستشكّل حجر الأساس في تحوّل اقتصاد البلاد من اقتصاد ريعي نفعي إلى اقتصاد منتج يشارك فيه جميع اللبنانيين.
مثل هذه المقدمة المراد توظيفها في مكاسب سياسية فارغة كفيلة بأن تنسف أي تفاؤل بقرب انتهاء المشاكل التي يعاني منها لبنان، وهي إن دلّت على شيء فإنما تدل على دخول البلاد نادي الدول المفلسة والمنهارة، بفضل رداءة الطبقة السياسية الموجودة والمتحكّمين الحقيقيين بالدولة داخل الأجهزة الرسمية وخارجها أيضاً.
بيان الرئيس اللبناني مليء بالمغالطات العلمية، وليس أقلّها إعلانه عن دخول لبنان نادي الدول المنتجة للنفط وهو ليس كذلك، والتبشير باقتصاد منتج في الوقت الذي تعتبر فيه معظم الدول النفطية ريعية، هذه الادعاءات مؤشّر جدّي على أنه لا أفق لدى الطبقة السياسية الحاكمة للخروج من الأزمة الحالية.
لكن وبالعودة إلى النفط والغاز، من غير المعروف حتى هذه اللحظة حجم ما يمكن أن يتم إيجاده قبالة الساحل اللبناني من هذه الثروات بشكل مؤكّد، وعمّا إذا كانت الكميات ذات جدوى اقتصادية أم لا، إذ على الأرجح أن تكون العمليات مكلفة وصعبة، ناهيك عن الخلاف الناشئ مع إسرائيل على بعض المساحات، لا سيما قبالة جنوب لبنان، وهو الأمر الذي دفع السلطات إلى البدء بالتنقيب من المناطق البحرية المواجهة لشمال البلاد.
فضلاً عن ذلك، يحتاج لبنان المتأخر أكثر من عقد من الزمن في هذا المجال، مقارنة بجيرانه إلى تشريعات وقوانين قادرة على ضمان استثمار مثل هذه الثروة إن وُجِدت، وليس إلى تصريحات انتهازية وبيع للأوهام، لكن إذا ما افترضنا جدلاً أنه قد تمّ تأمين ذلك، وأن الكميات ذات جدوى اقتصادية، هذا لا يعني أن لبنان سيكون بالضرورة قادراً على استثمار هذه الثروة الآن.
هناك حاجة على الأقل إلى حوالي 10 سنوات أخرى، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن لبنان مفلس وأن البنية التحتية اللبنانية مهترئة بالكامل، فسيكون من الصعب تصور كيفية توظيف الغاز، فضلاً عن الكلام المتكرر عن تصديره! لبنان لا يستطيع أن يصدّر الغاز من تلقاء نفسه، ولا عبر إسرائيل، وهو ليس عضواً كذلك في منتدى غاز شرق البحر المتوسط.
الميزة الوحيدة لثروة النفط والغاز في أعين القوة الحاكمة في لبنان، هي أنه من الممكن أن تخضع للمحاصصة، وتُوظّف في استكمال النهب الحاصل لثروات البلاد، وفي إطالة عمر الطبقة السياسية الحاكمة، التي عادة ما تتشاطر نهب الثروات بطريقة أو أخرى.
باختصار، فإنّ النفط والغاز سيكون بمثابة لعنة على لبنان في هذه المرحلة، لأنه سيعقّد من جهود الإطاحة بالنظام القائم، الذي سيكون لديه الآن ما يتمسك من أجله بالسلطة لسنوات مقبلة، لا خطوات جذرية ستحصل ولا إصلاح وتغيير بالتأكيد، ومن غير المعلوم كم من الممكن للبنان أن يبقى قائماً في ظل الأهوال التي لا تزال تضربه بسبب فساد السلطة الحاكمة وحلفائها، لكن الأكيد أن الإفراط في التفاؤل لن يحول دون انهيار البلاد.
وسوم: العدد 866