شرع الله عز وجل فوق ما يسمى منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية

جريا على عادته في انتقاد حزب العدالة والتنمية وحركته الدعوية ،كتب العلماني سعيد لكحل مقالا تحت عنوان :" لا تفاخر بما ليس لك فضل فيه سي العثماني "

وسبب كتابته هذا المقال هو انعقاد المؤتمر العالمي الخامس للمدن والمساحات العامة الآمنة الذي تناول موضوع : " المساواة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة " . وقد حمل كاتب المقال  كعادته على رئيس الحكومة لأنه فاخر بما لا يحق له الفخر به بخصوص موضوع حقوق المرأة أمام المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة متهما إياه بمعارضته هو وحزبه وحركته الدعوية ووزراء من حزبه ما سماه إنجازات  المواثيق الدولية لفائدة المرأة  المغربية .

 ما يعنينا مما قاله هذا العلماني هو الإسلام وليس خلافه الإيديولوجي والحزبي مع رئيس الحكومة وحزبه وحركته الدعوية ، وهو ما يدخل ضمن حملة انتخابية قبل الأوان انطلقت منذ مدة طويلا تمهيدا لخلافة أحزاب التيار العلماني للحزب الحاكم وترجيحا لكفتها مع استغلال فرصة استياء الشعب من أداء الحكومة الحالية  مع أن هذ الأخيرة لا يوجد فيها حزب رئيس الحكومة فقط  بل تتحمل معه المسؤولية أحزاب أخرى  ولكنها لا تتعرض للنقد الذي يتعرض له حزبه  ،والسبب واضح لأن التيار العلماني يستهدف الحزب الذي يصرح بمرجعيته الإسلامية ليركب ظهره من أجل معارضة شرع الله عز وجل بذريعة الخلاف الحزبي والسياسي معه .

والعبارة التي تستوقف في مقال العلماني سعيد لكحل  وهو ينتقد رئيس الحكومة هي : " فعقيدتكم الإيديولوجية متناقضة مع منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية سواء تعلق الأمر بحقوق النساء أو الأطفال أو حتى الرجال "

إن ما يعنيه هذا العلماني بالعقيدة الإيديولوجية لرئيس الحكومة هي ما يصرح به حزب هذا الأخير من مرجعية إسلامية ، بينما يقصد بمنظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية عقيدته الإيديولوجية العلمانية ، ذلك أن منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية إنما هي صناعة الغرب العلماني  المهيمن على  العالم ، وهي مفروضة على الدول الضعيفة خصوصا العربية والإسلامية تحت الضغوط الاقتصادية المتعلقة بقروض صندوق النقد الدولي وبجدولة الديون  وأمور أخرى لا يتسع المجال هنا  للإفاضة في الحديث عنها .

 و ما يقصده سعيد لكحل بحقوق المرأة التي نسبها إلى منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية إنما هي تلك القوانين التي تحاول سلخ المرأة المسلمة من هويتها لتعطيها هوية علمانية بديلة يصير لها بموجبها الحق في التمرد ورفض الشريعة الإسلامية والمطالبة بتعطيلها واستبدالها بشرائع العلمانية الغربية .

ولهذا تثار قضية المساواة بين الرجل والمرأة  وهي قضية محسومة في دين الله عز وجل بنصوص القرآن الكريم والحديث الشريف ،منها قول الله عز وجل :  (( هو الذي خلقكم من نفس واحدة  وجعل منها زوجها  ليسكن إليها ))  وقوله أيضا : (( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ))  ، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"النساء شقائق الرجال " ، فخلق الإنسان ذكر وأنثى من نفس واحدة دليل على المساواة ذلك أن شيئين يجمعهما أمر واحد يكونان بالضرورة متساويين ، والتساوي في الخلق يترتب عنه التساوي في كل الأمور المتعلقة به عند الذكور والإناث على حد سواء . ولا يوجد اختلالا في المساواة بين الجنسين في شرع الله عز وجل سواء تعلق الأمر بالتكليف وهو الواجبات أو بالحقوق المترتبة عنها . والجنسان معا سواسية في العبادات شهادتان، و صلاة، وصياما ،وزكاة ،وحجا . وما يكون في هذه العبادات من رخص تشمل الجنسين معا ،ذلك أنه إذا رخص للمرأة بحكم طبيعتها الفيزيولوجية ألا تصلي وتصوم وتحج وهي حائض أو نفساء ، والحيض والنفاس حكمهما حكم العلة والمرض ، رخص للرجل أيضا مثل ذلك إذا ما أصابته علة  حسب وضعيته الصحية. ولا يمكن أن تكون المساواة بهذا الشكل في العبادات وشأنها أعظم عند الله عز وجل لأنها مناط طاعته وعبادته ، ولا تكون  كذلك في المعاملات وهي التي توجهها العبادات وتضبطها .

ويجعل العلمانيون من  جزء فقط  من قسمة الميراث وهي : "للذكر مثل حظ الأنثيين" قضية  ويعتبرونها مخلة بالمساواة بين الجنسين دون النظر إلى باقي أجزاء قسمة الميراث، علما بأن المرأة في أكثر من حالة ترث ما لا يرثه الرجل ، ومع ذلك لا يمكن أن تعتبر تلك الحالات اختلالا في قسمة  الإرث ،لأن المقسّم هو الله عز وجل، ولا يوجد عدل فوق عدله سبحانه وتعالى .

وثورة العلمانيين لا تقف عند حد تعطيل قسمة الإرث بالنسبة للمرأة بل تتعدى ذلك إلى أمور تعد خروجا عن طاعة وعبادة الله عز وجل ، ذلك أن الله تعالى تعبد الجنسين معا بعلاقة نكاح ، بينما يريد العلمانيون أن تكون هذه العلاقة سفاحا يسمونه علاقة رضائية ، فيستبيحون ما حرم الله عز وجل باسم الحرية  المبيحة لعلاقة الزنا بين المسافحين والمسافحات ،لأن الإيديولوجية العلمانية تتعارض مع الإسلام ، ولا تقر بألوهية الله عز وجل بل تؤله الإنسان ، وتعطيه حق التشريع مع الله سبحانه وتعالى ، ومن هنا يرى  العلماني سعيد لكحل أن الإسلام الذي سماه الإيديولوجيا العقدية لحزب رئيس الحكومة تناقض ما سماه منظومة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية النابعة عن الإيديولوجيا العلمانية .

 ولم تقف العلمانية عند حد  ما سمته علاقة رضائية بل صارت تطالب و تدافع عما تسميه العلاقة المثلية ، ولا ندري أي حق هذا الذي ستحصل عليه المرأة أو سيحصل عليه  الرجل في هذا النوع من العلاقة الشاذة  ، وقانون الطبيعة الذي وضعه الله عز وجل هو التزاوج بين الجنسين عند كل المخلوقات لا بين الجنس الواحد ، وكل علاقة من هذا النوع  بين الجنس الواحد إنما هي مخالفة لهذا القانون الطبيعي ، ومن ثم هي عبث و شذوذ ومرض يجب أن يحال من يقول به أو يعمل به على العلاج ليستعيد توازنه العقلي والنفسي .

ومعلوم أنه مما سماه العلماني لكحل مواثيق دولية هذه العلاقات الجنسية الشاذة رضائية ومثلية، وهي التي يتحفّظ عليها وعلى ما يشبهها المغرب باعتباره بلدا يدين بدين الإسلام .

ومن المثير للسخرية أن ينفخ العلمانيون فيما يسمونه المواثيق الدولية ويرفعونها فوق شرع الله عز وجل ، ويحاولون إلزامه بالخضوع لها وكأن إرادة  من وضعها من البشر فوق إرادة الله عز وجل ، وهذا منتهى سوء الأدب معه جل في علاه .

وجريا على عادة العلمانيين في جعل الحبة قبة عندما يتعلق الأمر بشرع الله عز وجل  ، فإنهم يجعلون من زواج المرأة دون سن الثامنة عشرة قضية مثيرة للجدل  مع أن الذي يحسم في أمر هذا الزواج هو شرع الله عز وجل الذي يعتبر سن البلوغ سن تكليف يفرض على البالغين ذكورا وإناثا  واجبات العبادات والمعاملات على  حد سواء . والزواج علاقة شرعها الله عز وجل بين الجنسين عند البلوغ لأن المقصود به هو المحافظة على وجود النوع البشري الذي وجد خصيصا لطاعة وعبادة خالقه جل وعلا ، فمتى تهيأت الأسباب والظروف لهذه العلاقة لا يمكن تعطيلها أو التضييق عليها تحت أية ذريعة مهما كانت .

 ومعلوم أن شرع الله عز وجل لا يلزم المرأة بالزواج عند بلوغها مباشرة بل أعطاها الحرية في ذلك متى شاءت  تزوجت ، ولكنه في المقابل لا يمنع من ذلك إن هي أرادت الزواج عند بلوغها حسب ظروفها الخاصة بها . و إذا  ما تعذر زواج المرأة دون سن الثامنة عشرة في بعض الأحوال  ، فهذا لا يعني أنه بالضرورة متعذر بالنسبة  لكل البالغات ممن  هن دون هذه السنة ، والواقع يشهد على هذا لأن ليس كل النساء سواء دون سن الثامنة عشرة . ولست أدري لماذا لا تثار مثل هذه الضجة بالنسبة للرجل دون تلك السن ، ولا يعتبر قاصرا أيضا يعتدى عليه إذا ما زوج كما يعتبر زواج المرأة في مثل سنه اعتداء على الطفولة؟

ولا يخفى أن الذين يقولون بقصور المرأة البالغ دون سن الثامنة عشرة هم أنفسهم الذين يطالبون بما يسمونه التربية الجنسية ، وبالعلاقة الرضائية ، وباستعمال العازل الطبي ... وما إلى ذلك مما له صلة بالعلاقة الجنسية التي يحرمونها حين تكون زواجا ، ولا يرون فيها بأسا حين تكون سفاحا وشذوذا .

وأخيرا نقول للعلماني سعيد لكحل ليست لا أنت ولاعقيدتك العلمانية ولا رئيس الحكومة الذي حاول إرضاء المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة مفتخرا أمامها بالتزام المغرب بما سنته ما سميته  مواثيق دولية كما وصفته في مقالك أوصياء على الشعب المغربي المسلم الذي اختار أن يدين بدين الإسلام ،كما نقول له عليك أن تخوض حملتك الانتخابية  قبل الأوان كما تشاء  ، وتنال من رئيس الحكومة وحزبه كما تشاء أيضا ، ولكن بعيدا عن  كل أسلوب مكشوف يهدف إلى النيل من دين الله عز وجل.

وسوم: العدد 866