من ذا الذي يجرؤ على القول بوجود بديل عمّا أعطى الله عز وجل المرأة من حقوق؟
إذا ما كنا نسلم بأن من لا يدين بدين الإسلام قد يجرؤ على القول بوجود بديل عمّا أعطى الله عز وجل المرأة من حقوق ،فإننا لا نتصور أو لا يخطر ببالنا أن بعض من يدينون بهذا الدين يمكن أن تكون لهم مثل هذه الجرأة . والمؤسف أن هؤلاء ممن يصرحون بإسلامهم وفي نفس الوقت ينتسبون إلى العلمانية أو إلى غيرها من التوجهات التي تنادي بتجاوز شريعة الإسلام في شتى الأمور بشكل فيه بعض التمويه أحيانا ، وفي أحيان أخرى بشكل جلي لا غبار عليه .
ومعلوم أن كل من يريد الخوض في موضوع حقوق المرأة بمناسبة يومها العالمي من وجهة نظر إسلامية ، وهي الوجهة التي تعنينا، لأن وجهات النظر الأخرى لا تعنيننا في شيء ، يجب عليه أن يستحضر أولا أن القرآن الكريم باعتباره آخر ما نزل من الكتب السماوية هو رسالة الله عز وجل الخاتمة والعالمية ، وهو ما يؤكده قول الله عز وجل : (( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا )) ، ومن ثم فإنها استوفت من شروط التمام والكمال ما جعلها كذلك ، الشيء الذي يعني أنه لا مجال للاستدراك عليها أو القول بتجاوز شرعها أو قصوره أو ما شابه ذلك مما يروجه له أصحاب شرائع الأهواء.
وحري بمن يصرحون بانتمائهم إلى دين الإسلام أن يلزموا أنفسهم بالتزام شريعته دون أدنى شك في عدالتها المستمدة من رب العزة جل جلاله الذي تنزهت ألوهيته وربوبيته على الظلم ، وقد حرمه على ذاته المقدسة وجعله محرما بين عباده ، وتوعد من يقع فيه بأشد العذاب يوم يبعث ويعرض الناس بين يديه .
ونظرا لعدالة شريعة الإسلام ، فلا يمكن الحديث عن ظلم فيها قد يلحق أحد الجنسين أو هما معا .وأول ما يدل على هذه العدالة هو تكريم الله عز وجل للإنسان وتفضيله على كثير ممن خلق تفضيلا ، واستخلافه في الأرض بجنسيه اللذين يعودان إلى نفس واحدة ،الشيء الذي ينفي التفاضل بينهما على مستوى الخلق والطبيعة .
وعندما يقال إن الله عز وجل قد كرم الإنسان ، فهذا يعني أنه كرمه في صورته الذكورية ، وفي صورته الأنثوية على حد سواء تكريما متساويا، الشيء الذي يعني المساواة في الحقوق والواجبات، فالجنسان معا يمتحنان نفس الامتحان في العاجلة ، ويحاسبان ويجازان نفس الحساب ونفس الجزاء في الآخرة ، وليس بعد هذا ما يدعو إلى القول بمظلمة نسائية أو بمظلمة رجالية .
والصفات التي وصف بها الله عز وجل الجنسين في القرآن الكريم تؤكد المساواة بينهما ، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :
ـ (( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ))
ففي هذا النص القرآني بيان واجبات الذكور والإناث على حد سواء وهي : الإسلام، والإيمان، والقنوت، والصدق، والصبر، والخشوع ،والتصدق، والصيام ،وحفظ الفرج ،وذكر الله الكثير ، كما أن فيه بيان حقوقهم وهي: المغفرة ،والأجر العظيم . فهل يمكن بعد هذا البيان الحديث عن عدم المساواة بينهم في واجبات أو في حقوق ؟
ـ (( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم )) ، هذا نص آخر فيه بيان واجبات الجنسين وهي : الإيمان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة ،وطاعة الله عز وجل وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن فيه بيان الحقوق وهي : رحمة الله عز وجل . فهل بعد هذا يمكن الزعم بوجود عدم المساواة بينهما ؟
ولا يقتصر الأمر في كتاب الله عز وجل على المساواة بين الجنسين في الصفات الإيجابية فقط بل هناك مساواة في الصفات السلبية أيضا نذكر منها ما يلي :
ـ (( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم )) ، ففي هذا النص القرآني بيان المساواة في المعاصي بين الذكور والإناث ، وهي : النفاق، والأمر بالمنكر، والنهي عن المعروف ، والبخل ، ونسيان الله عز وجل ، وفيه أيضا بيان المساواة في العقاب وهو : اللعنة ،والعذاب المقيم في نار جهنم .
ومثل هذا قوله تعالى : (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ))
وقوله تعالى : (( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله )) ، ففي هذين النصين بيان المساواة في الجرم وهو في النص الأول الزنا ، وفي النص الثاني السرقة ، كما أن فيهما بيان المساواة في العقاب الدنيوي وهو في النص الأول الجلد ، وفي النص الثاني قطع اليد . فهل بعد هذا يثار موضوع اختلال المساواة بين الجنسين ؟
وهل يعقل أن يسوّي الله عز وجل بين الجنسين في الجزاء في حالي الإحسان والإساءة عاجلا وآجلا ، ومع ذلك يزعم البعض تجاسرا على الذات الإلهية أن قسمته سبحانه وتعالى للتركة بينهما فيها حيف وظلم ؟ تنزه وتعالى سبحانه عما يصفون علوا كبيرا .
والمرأة المؤمنة حقا هي التي ترى أن قسمة الخالق عز وجل (( للذكر مثل حظ الأنثيين )) هي قسمة عادلة ، وإن بدت للخلق عكس ذلك، لأن الخالق سبحانه يعلم ما لا يعلمه الخلق ، وأن أوامره جل شأنه إنما هي للتنفيذ لا للمناقشة .
والجرأة على القول بوجود بديل عما أعطى الله عز وجل المرأة من حقوق توقع القائل في ذنب عظيم ، لأنه ما قدر الله عز وجل حق قدره إذ ادعى للخلق ما لا يحق وما لا ينبغي له وما لا يستطيع .
وأخيرا يجب على المرأة المؤمنة أن تتخذ من مناسبة اليوم العالمي للمرأة فرصة لشكر الله عز وجل الشكر الكثير على ما أعطاها من حقوق مساوية لحقوق الرجل في ظل شريعته الغراء ، وأن تعتز بذلك أيما اعتزاز ، وأن تحذر الانزلاق مع شرائع الأهواء التي تقدم لها كبديل عن شرع خالقها الذي كرمها وفضلها على كثير ممن خلق تفضيلا .
وسوم: العدد 867