بن زايد… إسرائيل وكورونا

كل الشكر لدولتي الكويت وقطر على مساعداتهما الطبية السخية للفلسطينيين، لمواجهة فيروس كورونا المستجد، الذي ابتلانا الله به، والذي يعصف بالعالم ويهدد بتغيير وجه منطقة الشرق الأوسط، هذا الوباء الذي كما يبدو ليس له حل قريب ولا خلاص منه في المستقبل المنظور. وفي حالتي فلا حل له حتى في المستقبل البعيد نسبيا، وهذا ما أكدته رسالة إلكترونية تلقيتها على جهاز الآيفون الخاص بي، بعثت بها دائرة الصحة البريطانية، تطالبني بسبب ظرف صحي، ألا أغادر المنزل، ليس لثلاثة أسابيع كبقية الخلق في بريطانيا، بل لثلاثة أشهر قابلة للتجديد، حسب توصيات الأطباء.

وعلى أي حال فوباء كورونا ليس موضوع مقالي لهذا الأسبوع. مع أنني لم أشكر نظاما عربيا قط من قبل، واعدا بان تكون هذه هي المرة الأولى والأخيرة، ولكن الغرض من توجيه هذا الشكر للكويت وقطر، لأجد مبررا لتقديم الشكر نيابة عن «إسرائيل» لدولة الإمارات العربية المتحدة وشيخها محمد بن زايد، على الدعم الطبي غير المسبوق الذي وفرته لدولة الاحتلال، لمساعدتها على مواجهة وباء كورونا، وقد

كشف جهاز «الموساد» عن نقل أولى دفعات تلك المساعدات، قبل أيام قليلة. وفرضت الرقابة العسكرية بداية، حظرا على الكشف عن هوية الدولة الخليجية، التي قدمت هذه المعدات الطبية لإسرائيل، التي شملت نحو 100 ألف جهاز للكشف عن فيروس كورونا، وقال مكتب نتنياهو، «إن الموساد والوكالات الأخرى، يقصد بذلك جهاز الأمن القومي، جلبت المعدات الضرورية والمهمة للغاية من الخارج للمساعدة في الأزمة المتعلقة بكورونا».

لكن هذا الحظر لم يمنع مسؤولين إسرائيليين آخرين عن كشف، أن الموساد استطاع الحصول على هذه الأجهزة، التي تكشف حالات الإصابة بفيروس كورونا من دولة محمد بن زايد. وهل هناك أكثر كرما وإنسانية من محمد بن زايد أزاء دولة الاحتلال، لكن حقيقة لا أدري إن كانت الإمارات قد باعت هذه الأجهزة وقبضت ثمنها؟ أم أنها تبرعت بها، ولكن في النهاية وكما يقول المثل «ما فيش بين الخيرين حساب».

عن كرم بن زايد مع «ابناء أعمامه»، ينسجم مع طلب للجنرال ميخال ميليشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب، بمقايضة أي مساعدة طبية، تقدم لسكان قطاع غزة، على الرغم من أن ذلك يخالف القانون الدولي، كون إسرائيل هي القوة القائمة بالاحتلال حسب الأمم المتحدة، وهي المسؤولة عن تقديم الخدمات الطبية للفلسطينيين. وقال الجنرال في مقال له «إن الجهد الذي تقوم به إسرائيل لمواجهة أزمة كورونا، يجب أن تحصل مقابله على ثمن من حماس، وتحقيق مصالح استراتيجية لها، لاسيما إنهاء أسر الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى الحركة في غزة، وتحقيق مصالحها الأمنية». وقال إنه في حال زادت الطلبات الإنسانية والصحية من غزة، فلا مانع من أن تزيد إسرائيل في قوائم مطالبها بخصوص جنودها الأسرى في غزة، إلى جانب الطلب من حماس بفرض سيطرتها على باقي الفصائل، لمنع قيامها بخروقات أمنية بين حين وآخر بإطلاق الصواريخ، والتوقف عن توجيه العمليات العسكرية في الضفة الغربية.

ويذكر أيضا أن إسرائيل التي اتجهت للإمارات العربية المتحدة للمرة الثانية، للحصول على معدات لمواجهة «كورونا»، تواصل خطواتها القمعية والتعسفية تجاه الأسرى الفلسطينيين، وتحرمهم من العلاج اللازم لأمراضهم، وتمنع حصولهم على أي مواد تعقيم لزنازينهم، ضمن الخطوات الوقائية من كورونا. ويتم ذلك كله رغم غياب العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الإمارات وإسرائيل، لكن العلاقات بين الطرفين قطعت في السنوات القليلة الماضية شوطا طويلا، تجاوز العلاقات الدبلوماسية إلى علاقات أهم، هي العلاقات الأمنية التي يحصل بن زايد بموجبها على أجهزة تجسس على مواطنيه، والمقيمين، وطبعا هناك الشركات الأمنية الإسرائيلية التي تحرس المنشآت والمصالح الحساسة في الدولة، ومثالا على قوة النفوذ الأمني الإسرائيلي اغتيال محمود المبحوح أحد قادة حماس في عملية للموساد، في أحد الفنادق المعروفة في قلب دبي، قبل نحو عشر سنوات. وقد عرف أمن دبي عملاء الموساد بالاسم والصورة، من خلال الكاميرات الأمنية المنتشرة؛ في أنحاء دبي وغيرها من الإمارات لا سيما أبو ظبي، ولكنه اختار ألا يفعل شيئا، وربما تمت العملية بالتنسيق!

هذه العلاقات انعكست أيضا في زيارات عديدة قام بها مسؤولون إسرائيليون كبار للعاصمة أبو ظبي ودبي، وشاركوا فيها بمؤتمرات ولقاءات كثيرة، وفي مقدمة هؤلاء ميري ريغيف وزيرة الرياضة والثقافة في حكومة نتنياهو، المعروفة بعنصريتها ضد العرب. وهي الوزيرة التي قامت بحركة غير أخلاقية بيدها، ضد دولة الإمارات، عندما رفضت قبل نحو عامين عزف النشيد الوطني في مناسبة رياضية. وتلقنت الإمارات درسا لم تنسه في مناسبات رياضية أخرى.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن إمارة دبي، تجاوزت كل الخطوط وكسرت كل القيود، وبدأت التطبيع والسلام الاقتصادي والتكنولوجي، مع دولة الاحتلال، كما أراد رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، خلافا للمبادرة العربية، واتخذت خطوة متقدمة بدعوتها، ولأول مرة، إسرائيل للمشاركة في أكسبو دبي 2020 للاختراعات التكنولوجية والإلكترونية، في اكتوبر/تشرين الأول المقبل، بجناح خاص بها. ليس هذا فحسب، بل سمحت مع هذا المعرض للإسرائيليين بدخول أراضيها ومطاراتها بجوزات سفرهم الاسرائيلية، ومن دون حاجة إلى تأشيرات، وبهذه المعاملة الخاصة من يحتاج إلى سفارات؟! وإذا كانت إسرائيل متطورة بالاختراعات التكنولوجية والإلكترونية، فإن دولة الإمارات وشيخها محمد بن زايد، تفوقها بالاختراعات والإنجازات العديدة الأخرى التي تدخلها موسوعة غينيس العالمية، وآخر هذه الاختراعات المرحاض الذهبي المرصع بـ 40.815 ماسة، بلغ حجمها 334 قيراطًا، بقيمة 1.28 مليون دولار، وتم تسجيله في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. وحصل صحن المرحاض على شهادة أصالة، من ممثلي موسوعة غينيس لأكبر عدد من الماس على مرحاض. والشيء المثير أن هذا المرحاض ليس من صنع الإمارات، وقد أضيف هذا «الاختراع الإبداعي» إلى متحف دبي، الذي لا توجد فيه قطع أصيلة واحدة وكل القطع الموجودة فيه أو معظمها مستورد.

واختتم بالقول إن من حق الإمارات أن يكون لها تاريخ كغيرها من الدول، بما أنها دولة حديثة النشأة نسبيا، وإذا أرادت أن تلحق بركب الدول المتقدمة فعليها أن تستخدم ثرواتها النفطية في شراء تاريخ لها، مدركة أن الكبير سيرحل وأن الأجيال القادمة لن تتذكر.

وسوم: العدد 870