كيف نواجه الوباء: بالتعاطف الإنساني أم بالعنصرية؟
حصل تداول واسع لشريط فيديو قصير بالانكليزية تحت هاشتاغ «أنت تصفق لي الآن»، وذلك على شبكات التواصل ووسائل الإعلام والمنتج على خلفية الفعاليات الشعبية الرائعة التي يمثلها انتشار رسوم قوس قزح المعلقة على شبابيك المنازل، والتصفيق والطرق على أدوات حديدية في ساعات معينة كل أسبوع لإظهار تعاطف سكان البلاد، مع الواقفين على خط مجابهة فيروس كورونا المستجد من العاملين والعاملات في «هيئة الصحة الوطنية»، والذين سقط منهم الكثيرون ضحايا لهذا الوباء نتيجة لتخبط السياسات الحكومية وبطئها في تسليم مستلزمات الوقاية الشخصية لهم.
يظهر الشريط عددا من العاملين والعاملات في الصحة والخدمات العامة يرددون ما يشبه الشعارات التي يرددها اليمين المتطرف والعنصريون عن «شيء قذر جاء من الخارج وأخذ وظائفنا وجعل المشي في الشوارع خطرا وأنهى الأمّة العظيمة»، ويتوالى كثير من المشاركين على الترديد «هذا ليس بسببي فأنتم تصفقون لي وتشجعونني على ما أقوم به»، وتقول سمراء محجبة: «نحن نذرع المشافي جيئة وذهابا لأجلكم»، ويقول شخص يبدو من أصول أفريقية: «لسنا غزاة أجانب»، ويتابع شخص ذو معالم آسيوية: «أنا مسعف ينقذ الأرواح»، ويتابع آخرون: «لا تقل اذهب إلى بلادك»، «لا تقل هذا لا يحصل هنا»، «صرت تعرف كيف يغدو الوطن سجنا» «تعرف ماهية العيش في خوف».
يقدّم هذا الشريط عيّنة من المفارقات الكبيرة التي يعيشها ملايين البشر، ليس في أمريكا وأوروبا فقط، بل في كل العالم، وذلك بين الإحساس بالامتنان والاعتراف بالجميل للتضحيات التي يقدّمها أبناء الأقليات القادمين من عروق وأديان وأصول مختلفة والذين وضعتهم ظروفهم ليخدموا ضمن الأعمال الأساسية المحافظة على الحياة، التي غدت الحاجة الأثمن في العالم حاليا، وبينهم الأطباء والممرضون وسائقو سيارات الأجرة والعمال من كل نوع، وبين نزعات العنصرية المكشوفة والتي شارك فيها قوس واسع يبدأ من رئيس أكبر الدول الديمقراطية في العالم، دونالد ترامب، الذي لم يكفّ عن أشكال التعبير العنصريّ منذ بدء انتشار الوباء، وتعبّر عنه سياسات رسميّة استهدفت، على سبيل المثال، السود في الصين، والمسلمين في الهند، والعمّال الآسيويين والأفارقة في السعودية، وسجّلت منظمات حقوق الإنسان أشكالا عديدة من انتهاكات حقوق الإنسان في مصر وميانمار، وكان هناك كثير من الأنباء عن استهداف أقليات ولاجئين في كل مكان.
كشف انتشار وباء كوفيد ـ 19 التصّدع الكبير الذي يعيشه العالم بين المبادئ الأممية والشرع الدولية والانحطاط الكبير الذي تنحدر إليه السياسات المحلية والعالمية، لا في الأنظمة المستبدة فحسب، بل كذلك في الأنظمة الديمقراطية العريقة، وفي اللحظة نفسها التي كانت فيها أنظمة العالم تهاجم بعضها بعضا، وتتهم الآخرين بالمسؤولية عن الفيروس، وتتخذ إجراءات إقفال الحدود ومنع السفر واستعادة مواطنيها وإعادة مواطني الدول الأخرى، كان كثير من قادة هذه الدول نفسها، بمن فيهم زعماء أمريكا والصين وروسيا وفرنسا، يعلنون عن الحاجة إلى «تحالف عالمي» لمجابهة الجائحة، ويطالبون الآخرين بمساعدتهم، ويحاولون استيراد (وأحيانا سرقة) المعدات الطبيّة من أي مكان، وخصوصا من الصين، التي كانت البؤرة الأولى لإعلان تفشي الوباء!
في المقابل، وبعيدا عن جو العنصرية البغيض، والاتهامات المتبادلة، وتناقض ذلك مع الحاجة لخبرات الآخرين ومساعدتهم والتحالف معهم، فقد شهدنا تبرعات من دول صغيرة كفييتنام، التي قامت بإرسال مئتي ألف كمامة لخصمها التاريخي أمريكا مؤخرا، ورأينا كيف قامت قطر بإيصال مساعدات لفلسطين ولبنان وبلدان أخرى، وكذلك بتنظيم رحلات جوية لإعادة آلاف المسافرين العالقين خارج بلدانهم، وساهم ذلك في عودة الآلاف إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وقامت السفارة الفرنسية في سيدني بنشر صور لمواطنيها وهم يرفعون شارات النصر لدى توجههم للطائرة القطرية من بيرث إلى باريس، أما دولة الإمارات، فقد تنطعت، لإجلاء السياح الإسرائيليين في المغرب، متجاهلة طلب ذلك من البلد المضيف، مما تسبب في توتر دبلوماسي بين البلدين!
وسوم: العدد 873