هلا بالخميس.. حي على الصلاة!
في الوقت الذي تتنافس فيه المختبرات العالمية على الظفر بشرف اكتشاف دواء أو لقاح يقي البشرية التبعات الكارثية لانتشار فيروس كورونا المستجد على الصحة العامة والاقتصاد وحرية الأفراد، لم يجد محمد بن زايد وأذرعه المختلفة، من اللجنة العليا للأخوة الإنسانية أو وزارة التسامح أو الفنانين والفنانات، غير دعوة الناس كافة إلى ما أسموه "صلاة الخميس" خلاصا للبشرية من وزر تبعات الفيروس التي تلاحقها في كل مكان.
لم تلق الاهتمام المنشود
يبدو أن الإمارات تسعى للتطهر مما اقترفته أيديها من دمار وشقاء في كثير من البلدان بالتخفي وراء دعوات دينية كانت هي أول من حمل لواء الحرب ضدها أينما ظهر جنوح للتدين على مقاس لا يعجب "أنبياء دين أبو ظبي الجديد".
افتتح أنور قرقاش المزاد التطهري بالإعلان عن أن المرحلة القادمة ستطبعها استراتيجية اللا تصعيد واللا مواجهة على المستوى الخارجي، وهو اعتراف بتدخلات الإمارات في شؤون الغير ما دام التصعيد الحالي متحاشيا أي احتكاك لفظي أو عملي في اتجاه محتل الجزر الإماراتية الثلاث. الغريب أن وزارة التسامح أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الصلاة والدعاء مطلوبان "عن بعد"، كما تفعل بالضبط الطائرات المسيرة الإماراتية وهي تقصف المنشآت المدنية بليبيا واليمن وغيرها، مستجلبة دعوات المقهورين ضدها وضد قادتها.
الدعوة الإماراتية بما تمثله من إذعان واستسلام من دولة لم تكف عن الترويج لصورة مفترضة عنها تعتمد مفردات الحكومة الإلكترونية والمدن الذكية وغيرها من مفاهيم الحداثة والعصرنة والاهتمام بالعلم والتكنولوجيا، لم تلق الاهتمام المنشود من أية مؤسسة دينية دولية أو إقليمية غير ما سقط من توابع أبو ظبي. ولسوء حظ القائمين عليها، أعلنت منظمة الصحة العالمية يوما فقط قبل إقامتها أن الفيروس قد يصبح متوطنا وقد لا يختفي أبدا، بصلاة الخميس الإماراتية أو دونها.
تجسيد معاصر لمسيلمة الكذاب
ولأن الموسم موسم مزايدات، فلا بأس من إقامة الصلاة بقراءة "السور" التي ابتدعتها مخيلة عدد من الباحثين عن الجدل والشهرة وإثارة الصراعات المفتعلة كل شهر رمضان من قبيل المدونتين التونسية آمنة الشرقي و"سورة كورونا" أو الجزائرية سناء بن ديمراد وما ابتدعته من "سور" مشابهة. فالبدعة لا تكتمل إلا بالتحالف مع بدع مماثلة. وكما سخر كثيرون، فليكن الوضوء بالمعقمات فلسنا أقل من الأمريكان الذين دعاهم دونالد ترمب لشربها. تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
يبدو أن الإمارات تسعى للتطهر مما اقترفته أيديها من دمار وشقاء في كثير من البلدان بالتخفي وراء دعوات دينية كانت هي أول من حمل لواء الحرب ضدها أينما ظهر جنوح للتدين على مقاس لا يعجب "أنبياء دين أبو ظبي الجديد".
اتهم كثيرون المدونتين بأنهما مجرد تجسيد معاصر لمسيلمة الكذاب اعتقادا منهم أن في ذلك قدحا وانتقاصا. نسي هؤلاء أن مسيلمة صار "شخصية عظيمة" منذ رمضان الفائت على قناة "أم بي سي" الممولة من ميزانية السعودية الحاضنة للحرمين. سياسة التشكيك في الثوابت الدينية أو الشعائر ليست بدعة جديدة بل هي مسلسل تتوزع حلقاته زمانا ومكانا وقنوات.
إبراهيم عيسى الذي أبعده السيسي عن "جنة" الانقلاب، كما كثير من زملائه المبشرين بالانقلاب، يواصل غزواته الدونكيشوطية سعيا للنيل من الرموز والشخصيات الإسلامية بمعية زميله في "الجهاد" وفي القناة إسلام البحيري، الذي طهره السيسي من تهمة ازدراء الأديان. فبعد الانتهاء من "أسطورة" البخاري، تحول الهجوم إلى الصحابة الذين حكموا كالـ"ملوك"، وهم الذين كانوا جواسيس على النبي محمد صلى الله عليه وسلم حسب زميل آخر على قناة أخرى قبل شهور، وإلى صلاح الدين الأيوبي الذي سفك دماء العرب والمسلمين للوصول إلى السلطة والتفرد بها في وقت يتواصل فيه مسلسل التطبيع الإعلامي على أشده بموازاة التشكيك في إيمان الشعوب بفلسطين قضية محورية لها.
كل العقائد والقضايا والشخصيات "مختلف عليها" لدى إبراهيم وربعه باستثناء السيسي الذي أرسل مهديا منتظرا لتحسين أحوال الأمة وتجديد خطابها الديني. وهو خطاب حول غزوة بدر إلى مجرد معركة "وطنية" لا نعرف فيها الوطني من المعتدي، في محاولة يائسة لإعادة كتابة التاريخ وتأسيس المفاهيم. ألم يعتبر الفنان محمد عبده ذات يوم أن الرسول الكريم مجرد مواطن "سعودي"؟
دافع كثيرون عن المدونتين بزعم الدفاع عن حرية التعبير مع دعوة الحكومات إلى الاهتمام بمحاربة الإرهابيين بدل متابعة "الأحرار". في فرنسا صار التهديد بالبصق قابلا للتكييف، في زمن كورونا، كتهديد إرهابي كما يحدث اليوم في قضية شخص هدد إيريك زمور عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالبصق في وجهه، وهو الذي لا يتوقف منذ أشهر عن البصق في أوجه المهاجرين والمسلمين كل ليلة عبر برنامجه التلفزيوني. إن كان البصق تهديدا إرهابيا فكيف يمكن وصف الاعتداء السافر على معتقدات الناس والسخرية منها؟
الوباء لم يغير نظرتهم للإسلام
في ذات فرنسا، أصدرت السلطات قرارها بإلزامية ارتداء الأقنعة مخافة التعرض لغرامات، لا تزال النساء المسلمات المرتديات للنقاب عرضة لغرامة مالية بسبب ارتدائهن لـ"القناع". سقط القناع عن القناع ببلد الحريات وتبين أن القانون الفرنسي المنظم لتغطية الوجه بالأماكن العامة على أساس أن في ذلك انتهاك لقيم الجمهورية، مجرد سيف مسلط على المسلمات توجسا من ديانة "حيوية" في مواجهة "انحسار" المسيحية وتقهقرها.
فرنسا اليوم كلها تمشي بقناع وتجري بقناع ككثير من البلدان، ولا عزاء لمن حاربوا لباس الجري "الإسلامي" قبل أشهر وأجبروا شركة ديكاتلون على سحبه من الأسواق بذريعة اعتدائه على حرية النساء.
كان منتظرا أن يغير الوباء وما خلفه من مآس إنسانية طريقة تعاطي الساسة مع الزي الإسلامي، سواء اعتبروه فرضا أو موضة أو مجرد عادة اجتماعية. لكن ما تتعرض له الإيطالية سيلفيا رومانو، الرهينة المحررة في الصومال، من تنمر وعنصرية وتهديدات بعد إعلانها اعتناق الإسلام تنسف أي حديث عن تضامن إنساني أو نبذ للاختلافات هي أساس الدعوة الإماراتية لصلاة الخميس العابرة للأديان. سيلفيا مجرد إرهابية جديدة حسب أحد الساسة اليمينيين. يحدث هذا في إيطاليا التي "قتلها" الوباء أو يكاد.
سيلفيا اختارت عائشة اسما لها تيمنا بالسيدة عائشة زوجة الرسول الكريم، لكن قناة جزائرية لم تجد غير الاستهزاء من السيدة خديجة ونعتها بوصف قدحي خدمة للسياق الدرامي لعمل تلفزي أثار كثيرا من الاستهجان.
فرنسا اليوم كلها تمشي بقناع وتجري بقناع ككثير من البلدان، ولا عزاء لمن حاربوا لباس الجري "الإسلامي" قبل أشهر وأجبروا شركة ديكاتلون على سحبه من الأسواق بذريعة اعتدائه على حرية النساء.
وعند الجيران، بالمغرب، وبعد اختفاء الدعوات الموسمية إلى الإفطار العلني والاحتجاجات على غلق المقاهي ككل رمضان، كان لا بد من اختلاق "معركة" أخرى لا تخرق حالة الطوارئ الصحية لأنها مدعاة للعقوبة السجنية، فقرر أحمد عصيد أن يلبس جبة الفقيه المتدثر بـ"أبحاث" الأطباء ليدعو المغاربة كافة إلى الإفطار على يديه والابتعاد عن الخطاب الديني الشعوذي. فيروس كورونا يهاجم الحلق وإبقاؤه جافا يؤدي إلى الإصابة بالمرض، والأولوية في هذه الظروف لصحة المغاربة أما الصيام فتداركه في الإمكان. هكذا أفتى عصيد الذي لم نعرف عنه اهتماما بالطب وهو الذي تحول إلى مجرد حامل حطب يفتي في كل القضايا، وتستحضره المواقع الباحثة عن الجدل في كل المناسبات ودونها، فتراه يطلق العنان للسانه خوضا في الدين والسياسة والاقتصاد والتربية والفن باستثناء الفلسفة والفكر اللذين يدعي التخصص فيهما.
صام المغاربة ومعهم المسلمون في العالم، ولم يثنهم ذلك عن مواجهة كورونا والتضرع إلى الله ليرفع عنهم الجائحة دونما حاجة لفتاوى عصيد ولا صلاة الخميس الإماراتية و"سور" المبتدعين وخزعبلات "المجددين" الدينيين.
اللهم نجنا من شر البلاء والمحن، وارفع عنا الوباء والسقم، واحفظنا من كل مكروه يا الله.
هلا بالخميس....
وسوم: العدد 879