هل أعلنت منظمة التعاون الإسلامي الحرب على الإخوان؟
كان المأمول من الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي أن يكون داعية للحوار وتعزيز الاستقرار في المنطقة العربية، وهو الذي وضع برنامجاً في المنظمة لإدارة الحوار بين الجماعات والفئات المختلفة من كافة الأطياف والملل والديانات، لإحلال السلام وتعزيز الاستقرار وإرساء أسس التعايش بين مكونات المجتمعات في الدولة الواحدة أو بين الدول، بدلاً من أن يتصدر لإثارة المزيد من الفتن في المنطقة ويقرع طبول حرب جديدة ضد الإخوان المسلمين، ويطالب بوضع استراتيجية محكمة للقضاء عليهم.
الهجمة الشرسة التي قام بها مؤخراً الأمين العام للمنظمة د. يوسف أحمد العثيمين، في بعض وسائل الإعلام، ضد الإخوان المسلمين، أثارت الكثير من الدهشة والاستغراب، حول الدوافع والتوقيت والأسباب التي تقف وراءها، فهل تكون هذه الهجمة مؤشراً على نية المنظمة الدعوة إلى تبني قرار يلزم الدول الأعضاء ويدفع الدول الغربية إلى اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية؟ أم أنها إيذان بحملة تعسفية جديدة عليهم؟ أم أنها صرف لأنظار الناس عما لا ينبغي أن تدركه أنظارهم؟
محاور الهجوم
كان مقرراً لهذا المقال أن يتناول صناعة الاستبداد والدعائم التي يقوم عليها، ولكن أهمية حديث د. العثيمين والمخالفة الكبيرة لموقعه باعتباره الأمين العام للمنظمة من جهة، ولميثاق المنظمة وأهدافها وبرامج عملها من جهة أخرى، جعلتني أسارع في تأجيل مقالي المقرر وتناول هذا الموضوع، ليس دفاعاً عن الإخوان المسلمين أو هجوماً على الأمين العام، فالأمر الآن في المنطقة العربية أكبر بكثير، وأدعى من أي وقت مضى إلى توحيد الكلمة وجمع الصف واحتواء الأزمات وحقن الدماء ومعالجة المشكلات بالحوار والحكمة، ومنظمة التعاون الإسلامي هي أول جهة يفترض أن تتولى القيام بذلك انطلاقاً من ميثاقها وبرنامج عملها، وهي التي تؤكد دائماً في وثائقها على " الحفاظ على القیم الإسلامیة النبیلة المتمثلة في السلام والتراحم والتسامح والمساواة والعدل والكرامة الإنسانیة، وتعزیزھا".
ليس هذا دفاعاً عن الإخوان المسلمين أو هجوماً على الأمين العام للمنظمة، فالأمر الآن في المنطقة العربية أكبر من ذلك بكثير، وأدعى من أي وقت مضى إلى توحيد الكلمة وجمع الصف واحتواء الأزمات وحقن الدماء ومعالجة المشكلات بالحوار والحكمة.
جاء الهجوم الأكبر للأمين العام د. العثيمين في لقائه المسجل الذي بثته قناة سكاي نيوز عربية يوم الجمعة الماضي 26-6-2020م، حيث استغرق الحديث عن الإخوان المسلمين 20 دقيقة من إجمالي 26 دقيقة مدة اللقاء، وتركّز الهجوم على المحاور التالية (والكلام للأمين العام):
تأكيد أن تنظيم الإخوان المسلمين أخطر من داعش:
لأن داعش حديثة التكوين، وعناصرها يضمون أصحاب السوابق ومدمني المخدرات والمنتمين إلى عائلات مفككة، وبالتالي سهل القضاء عليهم رغم أنهم احتلوا ثلثي العراق وسوريا، بينما تنظيم الإخوان نشأ قبل أكثر من 70 عاماً بهدف الوصول إلى السلطة عن طريق الدين، وهم ليسوا مجرمين، فالتنظيم يشمل برلمانيين وسياسيين وأساتذة جامعات وطلاب جامعات وأطباء ومحامين، وتقريباً من مختلف فئات المجتمع من الناس الذين تعتبرهم ناجحين. والخطير في الأمر أن أفراد التنظيم يستخدمون أسلوب التقية، وعندهم الغاية تبرر الوسيلة، ولا يعترفون بالدولة القطرية، ونظرتهم أممية، وهم تنظيم دولي وليس محلي.
لا بد من تجريم التنظيم:
لأن جرائمهم واضحة، وفشلهم واضح، فهم لا يؤمنون أصلاً بالمبادئ التي يروجون لها، ويقتلون رجال الشرطة ورجال الأمن ويسرقون البنوك ويعتدون على ممتلكات الناس باعتبارها غنائم، والشباب الذين انضموا للتنظيم تجده في الغالب عنده مشكلة مع أسرته أو أهله أو ماضيه الاجتماعي. وقد نشرت جريدة اللوموند الفرنسية قبل سنتين أن الغالبية العظمى من الذين ارتكبوا عمليات إرهابية إما خريجو سجون أو من عائلات مفككة أو مدمنو مخدرات، ولا يعرفون شيئاً عن الإسلام.
اعلان
نزع القداسة عن فقهائهم:
لا بد من نزع القداسة عن فقهائهم، لأنه أحد الوسائل التي نحاول أن نقنع الشباب بها، فهم لا يزرعون في أذهان الشباب الصورة الحقيقية للإسلام باعتباره دين الرحمة والسلام والمحبة، ولكنهم يقسمون العالم إلى دار حرب ودار سلم، وأن هؤلاء (الغرب) كفار ويجب قتالهم، وأنهم غنيمة للمسلمين، نساؤهم وأموالهم، وهم انتقائيون مع الآيات القرآنية فيختارون منها ما يستخدمونه للإقناع.
علاقتهم بالنازية وهتلر:
التأكيد على أن هناك صلة بين النازية وهتلر والإخوان، وقد ظهرت حديثاً كتب جادة تتحدث عن ذلك، وهناك تعاون قوي وموثق، ومن لم يطلع على هذه الكتب الجادة عليه أن يطلع عليها، فقد كانوا عبارة عن جنود لمساعدة النازية في الحرب العالمية، واستغلهم هتلر ليكونوا بوقا له في الدول العربية باسم الإسلام.
تأخر تجريم الإخوان عند الغرب:
من المؤسف أن هناك دول غربية ما زالت تفكر: هل تجرم الإخوان أم لا، وأعتقد أن الربط بين الإخوان والنازية مهم ليسهل على هذه الدول تجريم الإخوان. لقد وجد الإخوان في الدول الغربية ملجأً آمناً وخلقواً لأنفسهم دعاية بأنهم مضطهدون في بلدانهم بسبب فقدنهم الحرية السياسية، ولكن انقلب السحر على الساحر، عندما حاولوا أن يستثمروا الحرية بالإساءة إلى هذه الدول، وبدأت هذه الدول بترحيلهم إلى بلدانهم وإلى بلدان أخرى لمحاكمتهم، بل إن هناك أعمالا إجرامية تمت في هذه البلدان، وهذا معروف وموثق أمام وسائل الإعلام جميعاً.
استراتيجية القضاء على الإخوان:
الجانب الأمني مهم، ولكنه لا يكفي، فالجانب الفكري والثقافي مهم أيضا لفضح مخططات التنظيم، فلا بد من غربلة مناهج التعليم ومراقبة المنابر، وتفكيك محاضنهم، وتحريك الأغلبية الصامتة في الغرب وفي دولنا للتصدي لهم، واتباع النفس الطويل، فلا يمكن القضاء على هذا التنظيم في 5 دقائق أو 10 دقائق أو 7 سنوات، لابد من مواصلة الجهود وعدم الركون إلى النجاحات التي حققتها دولنا في مواجهة التنظيم.
ماذا لو تحول الإخوان المسلمون إلى دواعش جدد؟ كيف ستكون العاقبة في المنطقة العربية والإسلامية؟ وكم سنة أخرى سنستغرق في الاحتراب؟ كم نفساً ستُقتل؟ وكم روحاً ستُزهق؟، وكم سيبلغ حجم الدمار؟، وإلى أين سيصل إخفاقنا وتخلفنا؟
اعلان
مخالفة البروتوكول والأمانة
لم يقم الأمين العام للمنظمة د. يوسف العثيمين بهذه الهجمة الشرسة بصفته مواطنا أو أستاذا جامعيا أو كاتبا أو محللا من حقه أن يدلي برأيه في كافة القضايا والموضوعات، بغض النظر عمن يتفق معه أو يخالفه، ولكنه قام بذلك بصفته الأمين العام للمنظمة التي تولى منصبه فيها في نوفمبر 2016م، مخالفاً القواعد البروتوكولية والمهام الأساسية المنوطة به، إذ لا يحق له أن يتبنى موقفاً لم تتخذه المنظمة، ولا أن يدعو إلى أمر خارج ميثاقها وأهدافها وإرادتها، وشعارها الذي ينص على "الصوت الجامع للعالم الإسلامي"، فموقفه من موقفها، وإرادته من إرادتها، وهو في موقعه هذا يمثل ما يصدر عن دولها السبعة والخمسين من قرارات، وما تعتمده من خطط وبرامج وسياسات.
من حق الدول الأعضاء في المنظمة، أن تتخذ بصورة فردية ما تراه مناسباً من مواقف وقرارات تتعلق بمصالحها الوطنية وأمنها الداخلي والإقليمي، وإذا كان بضع دول من دول المنظمة تتفق في مواقفها مع د. العثيمين حول جماعة الإخوان المسلمين، واعتبرتها جماعة إرهابية، فإن الغالبية العظمى من دول المنظمة لم تفعل ذلك، بل إن أعضاء جماعة الإخوان المسلمين -باللافتات المختلفة للتنظيم- يعيشون في دولهم، ويتمتعون بكافة حقوقهم الوطنية، ويزاولون أعمالهم وأنشطتهم في مؤسساتهم في شتى المجالات، بل إن بعضهم يشاركون في السلطة بكل كفاءة واقتدار، فعلى أي أساس يتجاوز د. العثيمين موقعه ويحمل كافة الدول الأعضاء مثل هذا القرار. لا مجال هنا للآراء الشخصية، فما زال العثيمين في منصبه، وأجرى اللقاء في مكتبه، وشعار المنظمة في واجهة الكادر من خلفه، وتم تقديمه باعتباره الأمين العام للمنظمة.
من حق د. العثيمين أن يتبنى هذا الموقف وأن يردده في كافة المجالس التي يجلس فيها، ولكن في حالتين: الأولى عندما يصدر عن دول المنظمة بيان بذلك، والثانية عندما يترك منصبه في المنظمة.
مخالفة الميثاق والتوجهات
لم تقتصر مخالفة د. العثيمين على المستوى البروتوكولي، بل تعدت ذلك إلى مخالفة ميثاق المنظمة وبرامجها وتوجهاتها، فقد ورد في ديباجة ميثاق المنظمة ما يأتي:
إذ نلتزم بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وھذا الميثاق، والقانون الدولي، قررنا:
الحفاظ على القیم الإسلامية النبيلة المتمثلة في السلام والتراحم والتسامح والمساواة والعدل والكرامة الإنسانية، وتعزیزھا. السعي من أجل العمل على تعزيز دور الإسلام الرائد في العالم مع ضمان التنمية المستدامة والتقدم والازدهار لشعوب الدول الأعضاء. تعزيز وتقویة أواصر الوحدة والتضامن بین الشعوب المسلمة والدول الأعضاء. تعزيز حقوق الإنسان والحریات الأساسية والحكم الرشید وسیادة القانون والديمقراطية والمساءلة في الدول الأعضاء وفقا لأنظمتها الدستورية والقانونية.
وقد نص البندان الثالث والسابع في المادة الثانية على ما يأتي:
اعلان
" تقوم جمیع الدول الأعضاء بحل نزاعاتها بالطرق السلمية، وتمتنع عن استخدام القوة أو التھدید باستخدامها في علاقاتها". " تعزز الدول الأعضاء وتساند، على الصعيدين الوطني والدولي، الحكم الرشید والديمقراطية وحقوق الإنسان والحریات الأساسية وسیادة القانون".
وقد جاء في صفحة تاريخ المنظمة، أنها "تمثل الصوت الجماعي للعالم الإسلامي وتسعى لحماية مصالحه والتعبير عنها دعماً للسلم والانسجام الدوليين وتعزيزاً للعلاقات بين مختلف شعوب العالم"، وأن المنظمة "تنفرد بشرف كونها جامعة كلمة الأمة وممثلة المسلمين وتناصر القضايا التي تهم ما يزيد على مليار ونصف المليار مسلم في مختلف أنحاء العالم".
لماذا يدعو الأمين العام إلى هذه الحرب الشعواء، ولا ينطلق من ميثاق المنظمة فيدعو للحوار وحل المشكلات بالطرق السلمية والتصالح والاحتواء وتعزيز الحكم الرشيد والحريات الأساسية وحقوق الإنسان وسيادة القانون؟
فلماذا هذه الحرب الشعواء التي يدعو لها الأمين العام؟ لماذا لا ينطلق من ميثاق المنظمة ويدعو إلى حل المشكلات بالطرق السلمية والتصالح والاحتواء وتعزيز الحكم الرشيد والحريات الأساسية وحقوق الإنسان وسيادة القانون؟
تدير المنظمة أعمالها التنفيذية عن طريق ١٣ إدارة مختلفة المجالات والاختصاصات، من بينها إدارة الحوار والتواصل، التي كانت تسمى "إدارة شؤون الدعوة" حتى أبريل 2016م، ومن بين ما قامت به ما يأتي:
تأسيس مركز صوت الحكمة: بهدف "مواجهة الخطاب المتطرف وآلياته عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وتجلية الفهوم المعتدلة والصحيحة للسياسات القرآنية والنبوية في بناء السلم الداخلي والخارجي، وعرضها كنموذج سامي لتحقيق رسالة الإخاء بين البشر" وقد باشر المركز نشاطه في عام 2019م. مرصد الإسلاموفوبيا: ويختص بمراقبة الأحداث والمشاعر والحوادث الإجرامية ضد المسلمين وذلك على أساس يومي ومراقبة كل ما يتعلق بظاهرة الإسلاموفوبيا سلبا أو إيجابا على مستوى العالم، وإعداد تقرير سنوي عن حالة الإسلاموفوبيا لتقديمه إلى مؤتمر وزراء الخارجية للدول الأعضاء؛ والتنسيق مع الإدارات الأخرى مثل الشؤون السياسية والأقليات المسلمة، والهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان بمنظمة التعاون الإسلامي بشأن القضايا ذات الصلة بظاهرة الإسلاموفوبيا.
ومن الأنشطة التي قامت بها الإدارة في سياق الحوار والتواصل، ما يأتي:
اعلان
تنظيم مائدة مستديرة للحوار بين الأديان في شهر ديسمبر 2017 في العاصمة السنغالية داكار، بهدف إعطاء دفعة قوية لتنفيذ اتفاقات السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى (CAR) وتعزيز دور القادة الدينيين في عملية السلام والمصالحة في البلاد. وفي الشهر نفسه نظمت ورشة عمل استراتيجية في بانكوك جمعت بين قادة المجتمع المدني والديني وصانعي السياسات وممثلي الحكومة لتحديد التحديات التي تواجه المجتمعات الدينية في جنوب، وجنوب شرق آسيا. وفي ديسمبر 2019م نظمت الإدارة ورشة عمل تحت عنوان: "معاً من أجل التنوع وتعزيز الحوار بين الأديان’‘ في العاصمة الإندونيسية جاكرتا، بهدف إثراء الحوار بين الثقافات وتعزيز التفاهم بين أتباع الأديان والحضارات ومنع النزاعات أو التخفيف من حدتها في جنوب شرق آسيا، حيث جمعت الورشة مشاركين من صّناع القرار السياسي والزعماء الدينيين من خلفيات بوذية وإسلامية، من إندونيسيا وميانمار وماليزيا وسريلانكا وتايلاند. كما تهدف الإدارة إلى تنظيم مؤتمرات وورش عمل خلال عام 2020م للحوار الاسلامي الأرثودوكسي، والحوار الإسلامي البوذي، والحوار الإسلامي البروتستانتي، والحوار الإسلامي الكاثوليكي، والحوار الإسلامي الصيني، بالإضافة إلى الحوار الإسلامي – الإسلامي، في العديد من المجتمعات.
أليس من الغريب أن تنشط المنظمة كل هذا النشاط في تعزيز الحوار بين الجماعات والفئات المختلفة من كافة الأطياف والملل والديانات، لإحلال السلام وتعزيز الاستقرار وإرساء أسس التعايش بين مكونات المجتمعات في الدولة الواحدة أو بين الدول، ويأتي الأمين العام للمنظمة ليسعر الحرب ضد الإخوان المسلمين، ويطالب بوضع استراتيجية محكمة للقضاء عليهم؟ هل هذه الخطة هي التي ستحقق الاستقرار والسلام والرخاء والأمن والأمان في المنطقة؟ لماذا ليس لأمتنا نصيب من الحوار؟
ألم يفكر الأمين العام بالعواقب المترتبة على ذلك؟
هل هذا هو تصور الأمين العام لتنفيذ ميثاق المنظمة؟ هل هذا هو العمل الذي تم تنصيبه من أجله؟
ماذا لو تحول الإخوان المسلمون إلى دواعش جدد؟ كيف ستكون العاقبة في المنطقة العربية والإسلامية؟ وكم سنة أخرى سنستغرق في الاحتراب؟ كم نفساً ستُقتل؟ وكم روحاً ستُزهق، وكم سيبلغ حجم الدمار، وإلى أين سيصل إخفاقنا وتخلفنا؟ وقد ذكر الأمين العام في حديثه أن هذه الجماعة عمرها أكثر من 70 عاما، وأنها متجذرة في المجتمعات بصورة كبيرة، وأن لها من الكوادر ما يجعلها مؤثرة في مختلف القطاعات.
أرجو أن نتخيل جميعنا ذلك؟
وسوم: العدد 884