نحو رؤية خليجية لمواجهة السياسة الإيرانية

د. ناجي خليفه الدهان

تشهد منطقة الخليج العربي تحولات كبيرة منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وحتى الآن، وهذه التحولات ربما تفوق في حجمها وتأثيرها وتطورها مجمل ما شهدته هذه المنطقة عبر تاريخها الطويل.

فعلى الرغم من كل التحديات التي واجهت الأمن الإقليمي الخليجي بشكل عام، وأمن دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، طيلة العقود الماضية نتيجة الأوضاع الإقليمية غير المستقرة، ابتداء من الحرب العراقية – الإيرانية، مرورًا باحتلال الكويت، وحرب تحريرها، ثم الغزو الأمريكي للعراق.

 إلا أن التداعيات الناجمة عن تسليم العراق لإيران واستمرار الاحتلالين الأمريكي الإيراني لها، والاحتمالات الصعبة لأزمة البرنامج النووي الإيراني؛ تضع الأمن الإقليمي الخليجي، وأمن دول المجلس الست، أمام تحديات غير مسبوقة لأسباب كثيرة؛ ولعل أبرز هذه التحديات والأخطار الإقليمية التي تعكس نفسها بقوّة على الأوضاع الداخلية في دول المجلس، وبالتحديد على استقرار النظم السياسية الحاكمة في هذه الدول، فضلًا عن بروز قوى إقليمية وعلى رأسها إيران التي تمكنت من خلال التطورات الأخيرة أن تعزز رصيدها من القوّة والمكانة في المنطقة بحيث أصبحت في موضع المنافسة مع القوّة الكبرى في المنطقة والعالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أسهم في تعدد المشروعات الأمريكية والإيرانية حول أمن الخليج، والتي تحاول وضع أطر ومبادرات محددة للأمن في الخليج العربي تخدم المصالح الأمريكية والإيرانية.

فماهي أهم الإشكالات الأمنية في منطقة الخليج؟

وكيف يمكن لدول منطقة الخليج أن تجد نظامًا إقليميا جديدا للأمن يتماشى والتحديات والرهانات الإقليمية والدولية؟

وماذا لو تحالفت دول الخليج مع باكستان أو تركيا أو كليهما معًا لوقف السياسة الإيرانية المعادية؟

 

أمن دول الخليج العربي:

لقد دخل أمن الخليج في مرحلة حرجة بعد ثورة إيران 1979، وبدايات تآكل النظام الإقليمي، وشهدت هذه المرحلة بداية التباين في مفهوم أمن الخليج، وجاءت حرب الخليج الثانية عام 1991وتداعياتها  لتحدث تغيرات جوهرية على هيكلية النظام الإقليمي الخليجي وتفاعلاته، حيث أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة دورها القيادي في هذه الحرب قوة عالمية وإقليمية في الخليج لتتحول هيكلية النظام من إطار مثلث الصراعات إلى هيكلية جديدة عرفت باسم مستطيل التوتر(1)، ولتصبح الولايات المتحدة قوّة أساسية فاعلة ومهيمنة داخل النظام الإقليمي الخليجي لتتجاوز بذلك الدور المتعارف عليه في الأدبيات الكلاسيكية للنظم الإقليمية، وقد فرضت عوامل كثيرة هذا الدور الأمريكي الجديد منها ما يخص التحولات الجديدة في النظام العالمي وبروز الولايات المتحدة كقوة عظمى أحادية تسيطر على قيادة النظام العالمي، ومنها ما يخص الاتفاقيات الأمنية والعسكرية التي وقعتها دول أعضاء مجلس التعاون، منذ أن سقط نظام الشاه سنة 1979 وبرزت تهديدات للمنطقة وزعزعتها بتصدير الثورة وبرز المد الثوري الإيراني فكان دور العامل أو المتغير الأمني الإقليمي كأحد أهم العوامل في قيام هذه التجربة التكاملية الخليجية.

وفي الوقت ذاته خابت آمال الدول الخليجية بشأن عهد جديد في إيران، حيث ما لبثت إيران الإسلامية أن أعلنت مبدأ تصدير الثورة الإسلامية إلى دول الخليج، وبدأت الرغبة في استعادت أمجادها الفارسية. وأعلن آية الله الخميني سياسة جديدة مفادها أن منطقة الخليج هي منطقة نفوذ إيرانية، وأن الإسلام لا يتطابق مع النظام الملكي السائد في دول الخليج، وأن البحرين هي جزء من إيران، كما أعلن عن دعمه لشيعة العراق...

لقد خسرت دول مجلس التعاون الخليجي، في احتلال العراق عنصرًا هامًا من عناصر استقرارها الداخلي، وركيزة أساسية من مرتكزات استقرار التوازن الإقليمي في الخليج، وتضاعفت خسائر هذه الدول بمجيء نظام آخر بديل يمثل تهديدًا وخطرا لشرعية نظام الحكم فيها وهي أساسا نظم وراثية ومحافظة وذات علاقات اقتصادية وسياسية وعسكرية وثيقة بالغرب.

وكانت المشكلة الأساسية لجيران إيران تكمن في الطرح الإيراني الذي يعكس المصالح القومية الإيرانية والرغبة في تحقيق قوة الدولة الإيرانية على حساب المنطقة، وفضلا عن هذه القضايا التي دخلت بها الثورة في مواجهة سياسية مع دول الخليج، فإنها بدأت في تحريك أقليات الشيعية لتهديد استقرار الدول المجاورة، فقد لجأت إلى سياسة تصدير "الثورة الإسلامية"، وعملت على قلب نظم الحكم في الدول الخليجية التي تعاني من تدني درجة التماسك السياسي.

 وأبرز تأثيرات احتلال العراق هو اختلال موازين القوة لصالح إيران، وهذا ما عبر عنه صراحة حكام المنطقة.

ولعل القلق الخليجي من إيران ليس بسبب امتلاكها أسلحة نووية فحسب، بل لأنها أصبحت متواجدة في كلٍّ من لبنان، والعراق، وسوريا، وأصابعها في البحرين، ودول الخليج وتحتل ثلاث جزر إماراتية، ويعتبر التوجه الإيراني نحو المزيد من التسلح وسعيه للحصول على الأسلحة النووية وتقوية نفوذه في المنطقة، أحد أبرز المتغيرات المساعدة على التوتر وعدم الاستقرار في النظام الإقليمي الخليجي.

نحو رؤية خليجية

أن افتقار إيران لنموذج جاذب يمكن تصديره لا يسمح لها بأن تكون مثالاً يُحتذى في الاقتصاد أو الاجتماع أو نمط الحكم وطبيعة التدين، فثمة هشاشة في الواقع الاقتصادي والاجتماعي في إيران، مما لا يسعف إيران لأن تكون مقنعةً حين تتحدث عن تصدير الثورة، ولقد صار جليًا أن المقصود هو تصدير الأزمات للخارج، فلجأت إلى تصعيد الخطاب الطائفي وإغراق الجيران بالصراعات الطائفية كمدخل لنفوذها الإقليمي، والظاهر أن إيران ماضية في سياسة تأجيج الصراعات الطائفية، وليست في سياستها الإصغاء للمطالب العربية والخليجية في الحوار واحترام سيادة الدول، مما يتطلب بإلحاح رؤية خليجية موحدة تنحي الخلافات البينية، وتعتمد على التعاون الجماعي المشترك لمواجهة هذا الخطير الإيراني. ويمكن الإشارة في هذا الإطار إلى أهم مقومات هذه الرؤية:

1.مواجهة الخطر الإيراني تبدأ من تحصين الجبهة الداخلية الخليجية وبناء مجتمعات متماسكة ودول مؤسسات تحقق مفهوم الأمن الشامل والاستقرار المستدام، عبر تعزيز الحوكمة ومحاربة الفساد وتطوير آليات توزيع الثروة، وتوسيع المشاركة الشعبية في القرار السياسي.

2 . إنّ لعب طهران على التباينات التي تحصل أحيانا بين دول مجلس التعاون، يعدّ أحد النقاط الأساسية التي ينبغي على دول مجلس التعاون أخذها بعين الاعتبار لأنّها مستمرة حتى الآن، فاللعب على التباينات بين هذه الدول والسعي لتوسيعها والحيلولة دون تكوين جبهة خليجية موحدة في التعامل مع إيران من أهم الأهداف الإيرانية.

3. لا تسعى إيران إلى التعاون مع دول الخليج بقدر ما تسعى إلى الحصول على القبول الإقليمي لدورها وسياستها، تمهيداً لتوطيد علاقتها بالقوة العظمى وفي مقدمتها الولايات المتحدة حالياً، لتامين تمددها في المنطقة وتوسيع نفوذها، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، واستعراض قوتها العسكريَّة في الخليج بما يجعلها تعود إلى ممارسة دور شرطي المنطقة، ولكن بتأييد من الولايات المتحدة وقبول إقليمي، ومن هنا تكمنُ المعضلة في العلاقة بين دول الخليج العربي وإيران، وهي اختلاف تصورات كل منهما عن الآخر، ولموجهة هذه السياسة التوسعية وتحجيم دورها في المنطقة، يتطلب بلورة رؤية استراتيجية، من خلال عقد تحالف استراتيجي بين دول الخليج، وتركيا، وباكستان لردع إيران وايقاف طموحاتها في التمدد وإفشال مشروعها في المنطقة وهذه الرؤية تتحقق بما يلي:

 أ. تربط تركيا وباكستان ودول العربية عمومًا والخليجية بشكل خاص روابط عديدة وأهمها الروابط الدينية التي تجعل من هذا التحالف قوة كبيرة، تدرأ الكثير من المخاطر وتحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة. ويمثل التحالف مع هاتين الدوليتين حلفا قويا في المنطقة يعيد التوازن بين إيران والدول العربية بشكل عام ودول الخليج العربي بشكل خاص.

ب. إن دولة باكستان تمتلك القوة النووية فضلًا عن قدراتها العسكرية، وكذلك تركيا قوة صناعية وعسكرية فضلا عن كونها قوة اقتصاديه كبيرة، وسيكون لهاتين القوتين تأثير كبير على دور إيران في المنطقة، وهذا التحالف أفضل بكثير من التحالف مع الولايات المتحدة والدول الغربية التي تبحث عن مصالحها فقط ولو على حساب الشعوب، ولا تربطنا بها أي روابط.

ج. الموقع الجغرافي لتركيا، وباكستان الذي يحيط بإيران من الشرق والشمال الغربي، يجعل تأثير هذا التحالف مؤثرا بشكل كبير على سياسة إيران التوسعية ليس فقط في منطقة الخليج بل في دول أسيا الوسطى.

د. بناء رؤية أو استراتيجية دول الخليج الدفاعيَّة على اعتبار إيران تشكل تهديداً، وبالتالي ضرورة الحفاظ على توازن القوى، عبر تطوير القدرات العسكريَّة لكل دولة خليجية من خلال الاستفادة من تجارب تركيا الصناعية والقدرات الباكستانية، ومنع تحوّل توازن القوة لصالح إيران عبر تطوير برنامجها النووي، أو تطوير منظومة الصواريخ الباليستية.

ه.  يحقق هذا التحالف أيضا رؤيا موحدة في القضية السورية وفي دعم المعارضة السورية المسلحة الموالية لهما على الأرض لتحجيم نفوذ إيران وحزب الله في سوريا، وإفشال المشروع الإيراني في المنطقة الساعي لتحقيق الهلال الصفوي.

وفي ضوء ذلك يجب أن تدرك الدول العربية بشكل عام ودول الخليج العربي بشكل خاص أن فيروس إيران إذا دخل دولة عربية فسوف ينتقل إلى بقية الدول بسرعة ليس بسبب قوتها بل بسبب الفرقة والتشرذم... واستمرار وجودها في العراق، وسوريا، ولبنان، سوف يشكل جبهة لاختراق الوطن العربي كله، وأن هذا التحالف سيكون له أثار كبيرة على إحداث تغيير جذري في المنطقة العربية ، لأن هذا التحالف له مقومات عديدة تمنحه الاستمرار والتطور وقد يفتح المجال لانضمام دول أخرى له، وسيشكل هذا التحالف طوقا يحاصر إيران ويحد من قدرتها على التمدد وإثارة  النعرات الطائفية في العراق، وسوريا، ومنطقة الخليج العربي.

المصادر

1- James A. Bill, “The Geometry of Instability – in the Gulf: The Rectangle of Tension”, in: Jamal s. AL- Suwaidi, ed., Iran and the Gulf: A Search for Stability, (Abu Dhabi, UAE:

,: Emirates Center for Strategic Studies and Research, 1996)، PP. 101-102

.

وسوم: العدد 885