ليبيا بين «الأفران البشرية» و«جحيم» معتقلات اللاجئين

تواتر أمس خبران مؤثّران يتعلّقان بليبيا، الأول بثته فضائية ليبية عبر مقطع مصوّر يظهر أماكن احتجاز وصفتها بـ«الأفران البشرية»، والتي كانت تستخدمها ميليشيا الجنرال خليفة حفتر في مدينة ترهونة شرق العاصمة طرابلس لتعذيب المعارضين.

والخبر الثاني كان تعليقا من البابا فرنسيس حول مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا شبهه بمعسكرات الاعتقال، مؤكدا أن ما يصل إلى العالم حول هذه المعسكرات ليس سوى صورة مخففة للحياة التي تشبه الجحيم هناك.

يظهر تقرير الفضائية الليبية زنازين ضيقة للغاية لا يمكن للمحتجز فيها سوى الجلوس في وضعية القرفصاء مع أبواب حديدية محكمة الإغلاق، وحسب التقرير فإن عصابة الكاني، المتعاملة مع حفتر في ترهونة، كانت تضع السجين داخل هذه الزنازين الضيقة جدا ثم توقد النار على سطحها العلوي، بحيث تقوم بشيْ المساجين وتعذيبهم تعذيبا لا يمكن وصف قسوته.

بعد الكشف عن استخدام قوات حفتر «مقابر جماعية» في ترهونة للأشخاص الذين قاموا بتصفيتهم حيث بلغت الجثث المكتشفة قرابة 200 جثة، وكنا نعتقد أن الحدود الإجرامية الممكنة التخيّل لميليشيات حفتر لن تتجاوز قصف المدنيين والسفارات ومراكز احتجاز اللاجئين، وأن عمليات الإعدام الجماعية المصوّرة التي قام بها محمود الورفلي، أحد قادة ميليشيات الجنرال، والتي طُلب على إثرها لمحكمة الجنايات الدولية، ستكون الحدود الأقصى التي يمكن للجنرال المتمرد أن يصل إليها، أو يسمح له بها رعاته الدوليون، ولكنّ الجنرال فاجأ العالم مجددا بتلغيم المناطق التي خرجت منها عصاباته، فقتلت 138 من الأبرياء الليبيين حتى الآن، ثم انكشفت على إثرها قضية «الأفران البشريّة»، لتؤكد أن وحشية الجنرال ورعاته وكرههم لليبيين أكثر بكثير من قدرتنا على التصوّر.

يفتح الحدثان بالتأكيد باب مقارنة مناطق ليبيا الخاضعة لسيطرة حفتر بحقبة ألمانيا النازية سواء في قضية مشابهة «الأفران البشرية» في ترهونة للمحرقة النازيّة، أو باستخدام البابا المقصود لصورة «معسكرات الاعتقال» وبـ»الجحيم»، في تذكير بمعسكرات الاحتجاز النازيّة أيضا، وبالنار التي يقبع فيها المهاجرون الموجودون في ليبيا.

يؤدي ربط هذه الوقائع جميعها ببعضها البعض إلى ضرورة إدراك المنظومة الدولية، ممثلة بالأمم المتحدة أن الجنرال حفتر هو خطر فعليّ ليس على الليبيين فحسب، بل على البشريّة أيضا، فهو يتصرّف عمليّا كمجرم حرب فالت من عقاله ومكانه الطبيعي هو محكمة لاهاي لجرائم الحرب ثم أحد الزنازين التي ضمت مجرمي الحرب النازيين أو يوغوسلافيا السابقة.

من جهة أخرى، تدلّ هذه الوقائع، إما أن الجهات الإقليمية والدوليّة الداعمة لحفتر، بدءا من روسيا وفرنسا ومرورا بالإمارات ومصر، لا يهمّها هذا الانفلات الإجرامي الخطير، ولا تدرك أنها ستتحمل جزءا من المسؤولية السياسية والأخلاقية الناتجة عن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي يرتكبها الجنرال.

وسوم: العدد 885