أبواب الاجتهاد مفتوحة.. لكن ، أهي مفتوحة لأهلها ؟
ليس الكلام ، هنا ، عن الاجتهاد الشرعي ، وحده .. بل عن سائر أبواب الاجتهاد ! إن الأبواب مفتوحة ، على مصاريعها ، لكلّ مَن هبّ ودبّ ، ولكلّ مَن طارَ ودَرجَ! وهاهي ذي ، وسائل الإعلام ، شاهدة على الجميع ! فقد صار من أهل الاجتهاد ، كلّ مَن يحمل ، إحدى الصفات التالية ، ولو كانت زائفة :
المفكّر : صارت صفة المفكّر (موضة) ، وصار كلّ من لديه قدرة، على طرح بعض الأفكار، ولو كانت بسيطة ، أو سطحية ، أو مخالفة لأبسط قواعد التفكير،المنطقي السليم .. صار يسمّى مفكّراً ، ويدعى إلى حوارات متنوّعة ـ في وسائل الإعلام ، سواء منها ، ماكان سطحياً أو عميقاً .. وسواء ماكان للسيّد المفكّر، معرفة به ، أم لا.. المهمّ ، أن يتحدّث المفكّر بأمور، تملأ وقت البرنامج التلفزيوني ! وكلما كان المفكّر، أكثر جرأة ، على مقدّسات الأمّة ، كان مرغوباً به ، أكثر من غيره ، للمشاركة ، في البرامج الإعلامية المختلفة ! المثقف : ومثل صفة المفكّر، صفة المثقّف ، التي تغري مقدّمي البرامج الإعلامية ، باستضافة صاحبها، الذي قد لايكون له، من الثقافة حظّ ،أو يكون له حظّ يسير منها!
الباحث : ومثل مصطلح المفكّر، ومصطلح المثقّف ، انتشر مصطلح الباحث ! وقد يكون الباحث متخصّصاً ، في موضوع ما ، وبضاعته فيه قليلة ، فيُستدعى للحديث فيه ، وقد يستدعى للحديث ، في أمور لايعرف عنها شيئاً ، فيثرثر بكلام ، يوحي ظاهره ، بأن الباحث متضلّع في الموضوع ، الذي نُدب للحديث فيه !
ومثل هؤلاء ، المذكورين أعلاه ، تَرد مصطلحات متنوّعة ، كمصطلح : صاحب الرأي الحرّ.. وغير ذلك !
المهمّ ، في هذا كله ، أن هذا الزبد الطافي ، على صفحات الإعلام ، يغطّي ، ولو مؤقّتا ، على جواهرالحقائق ، الكامنة في رؤوس العلماء الحقيقيين ، فيملأ عقول الناس بالزيف ، ويصرفهم عمّا يجب أن يعرفوه ، من حقائق الأشياء ؛ سواء أكانت ممّا يمسّ الواقع ، أم كانت معلومات تاريخية .. أم غير ذلك !
والأسباب الداعية ، إلى استضافة هؤلاء المذكورين ، كثيرة ، منها :
ارتباط بعضهم بأصحاب القناة الفضائية : فكرياً ، أو وظيفياً ، أو ارتزاقاً !
العلاقات الشخصية ، بين المستضاف ، وبين بعض المسؤولين ، عن المنبر الإعلامي .. وغير ذلك !
وهذا لايعني – بالطبع - عدم وجود مفكّرين حقيقيين ، ومثقفين واسعي الاطلاع ، وباحثين جادّين .. لايملك المرء ، إلاّ أن يحترمهم ، وإن اختلف معهم في الرأي ! كما لايعني ، أن الأبواب مغلقة ، أمام العلماء الحقيقيين ! لكنّ طغيان الزيف ، يحصر الحقائق وأصحابها ، في الزوايا ، ويجعل المعرفة الواجبة ، سلعة نادرة ! وسبحان القائل :( فامّا الزَبد فيذهب جُفاءً وأمّا ماينفع الناسَ فيَمكث في الأرض) . لكنْ ، كم عدد الذين يعرفون ما ينفعهم ؟ وكيف يصلون إليه ، وسط الضجيج الإعلامي ، الذي يصمّ الآذان ، ويبلبل العقول !؟
وسوم: العدد 885