آياصوفيا ومعركة السيادة
حشود كبيرة يصعب حصرها حضرت اليوم لصلاة الجمعة في هذا الحدث التاريخي المفصلي، والعالم بكل أديانه وأعراقه ودوله يراقب ويتابع.
الموضوع واضح أنه أكبر بكثير من مسألة زيادة المساجد مسجدا، أو نقصان المتاحف أو الكنائس متحفا أو كنيسة.
هذه الحشود الجماهيرية الضخمة ما كانت تحتاج إلى مسجد للصلاة، حتى بالنسبة لذلك الحي، فمسجد السلطان أحمد يتسع لكل من أراد الصلاة هناك.
إنها باختصار معركة السيادة، وتحت هذا العنوان ينبغي أن يكون النقاش، فالسيادة لها ثمنها ولها تبعاتها، السيادة تعني فيما تعنيه؛ القوّة، والأمن والتمكين، ومتانة العلاقة بين السلطة والشعب، وبين فئات الشعب نفسه، والمقدرة على بناء التحالفات والتوازنات الدولية، وهذه مسائل قابلة للاختلاف والاجتهاد في تقدير المواقف وترجيح المصالح أو المفاسد مع أن هذا الحضور الجماهيري معناه أن الشعب التركي بات مستعدا للدفاع عن سيادته، وهذا هو المؤشّر الأهم.
أما المناقشات الفقهية والقانونية فلا أرى لها في هذه المعركة وجها، ويكفي أن نتذكر أن أهل (القسطنطينية) قد تحوّلوا أنفسهم إلى الإسلام كما هو الشأن في تركيا كلها، فإذا قرروا أن يحوّلوا معابدهم إلى مساجد فهذا حقهم بكل تأكيد، وليس لليونان ولا للطليان أن يتدخلوا في هذا الشأن، لكن هذا التدخل بما فيه (انزعاج البابا) إنما يعبّر في الحقيقة عن انزعاجهم لذلك التحول في عقيدة (بلاد الروم) وليس لمجرد تحوّل المتحف أو الكنيسة إلى مسجد.
أما المسلمون في العالم فإنما يعبّرون بهذا الاحتفال عن مدى تعطّشهم لمواقف العزة والكرامة بعد أن اعتادوا على قراءتها في صفحات التاريخ فقط، لكن عليهم أن يفرّقوا بين الاحتفالات العاطفية الآنية، وبين الإعداد الواعي والاستعداد للاستغناء الحقيقي عن التبعية في كل أدوارها ومجالاتها.
أما الغرب فعليه أن يكف عن إسداء النصائح (الحضارية) في هذا المجال، فإن مساجدنا التاريخية في أسبانيا وغيرها شاهدة بإدانتهم، ناهيك عن تدمير مئات المساجد في العراق وسوريا اليوم بآلتهم العسكرية المباشرة أو بالفوضى التي عملوا على إشاعتها في بلادنا.
والحمد لله رب العالمين
وسوم: العدد887