بيروت يا وجع القلب
بعيدا عن العواطف ورغم أنّ القلوب دامية بسبب الإنفجار المريع في ميناء بيروت مساء الرابع من شهر -اغسطس- 2020، والذي يوازي زلزالا بقوة 4.5 درجة حسب مقياس ريختر، وما سببه من خسائر في الأرواح، ودمار يصعب تعويضه، ومع تضامننا الشّديد مع أسر وعائلات الضّحايا وصلواتنا لشفاء الجرحى، ومع الأسر المنكوبة التي خسرت مساكنها ومحلاتها التّجاريّة، ومع لوعتنا على ما تهدّم من بيروت الحضارة والتّاريخ، إلا أنّ هذا لا يمنع من التساؤل حول أسباب هذه الإنفجار المدمّر.
وعندما تعود بي الذّاكرة إلى بداية سبعينات القرن العشرين، عندما انتسبت لجامعة بيروت العربيّة بين 1971-1974؛ لدراسة اللغة العربيّة، وكنت أقيم في بيروت كلّ عام بين ثلاثة وأربعة أسابيع؛ لتقديم الامتحانات، تجوّلت في بيروت وعرفت ميناءها عندما استقبلت فيه قريبي المهندس علي حميدان صبيح الذي جاءها زائرا على متن سفينة قادمة من الإتّحاد السّوفيتي حيث كان يدرس.
بهرت ببيروت وبالشّعب اللبناني الذي رأيته يتفوّق على شعوب المنطقة علما وحضارة واقتصادا ونمط حياة، وعندما شاهدت على شاشات الفضائيّات ما لحق ببيروت من دمار وخراب جرّاء الإنفجار أصابني الحزن الشّديد على مدينة لا تشبه غيرها من المدن، وعلى شعب يستحق الحياة وكلّ شيء جميل.
أثناء دراستي في بيروت كان الدّولار الأمريكيّ يساوي ليرتين وربع الليرة اللبنانيّة، والآن يساوي ستّة آلاف ليرة! والإقتصاد اللبنانيّ في انهيار متواصل، ونصف الشّعب اللبناني تحت خطّ الفقر.
فمن الذي أوصل لبنان إلى هذه الدّرجة من الإنهيار؟ ومن يقف خلف الإنفجار الهائل الأخير الذي دمّر بيروت؟ ومن المسؤول عن الفساد المستشري في أجهزة الدّولة؟ وكيف ولماذا يسمح بتخزين 2700 طنّ من "الأمونيا" شديدة الإنفجار في ميناء بيروت دون اتّخاذ اجراءات الوقاية اللازمة؟
وإذا ما توقّفنا قليلا أمام نظام الحكم اللبنانيّ "الدّيموقراطيّ"، لا نحتاج إلى كثير من الذّكاء للوقوف أمام نظام المحاصصة الطّائفيّة، والتي تتمثّل في غالبيّتها من أحزاب طائفيّة بشكل وآخر، تتوارث زعامتها قيادات طائفيّة اقطاعيّة أو رأسماليّة، تخدم عائلاتها وتثري على حساب شعبها. وتخدم في غالبيّتها أجندات وسياسات دول أجنبيّة تموّل هذه الأحزاب، حتّى باتت بعض الزّعامات الحزبيّة لا تتورّع من المفاخرة بولائها لسياسات معادية لشعبها ووطنها وأمّتها، وهذا أورث فسادا مستشريا نخر جسم الدّولة اللبنانيّة، وجيّر مؤسّسات واقتصاد الدّولة لها، كما أورث فسادا وظيفيّا تنقصه في الغالب الكفاءة.
ويلاحظ أنّ فساد قيادات غالبيّة الأحزاب، والتي تنشر الخوف بين أتباعها من الطّوائف جعلت العامّة يعتقدون أنّ هذه الإنعزاليّة هي سبيل النّجاة الوحيد لوجودهم وبقائهم!
ومن منطلقات الحفاظ على التّوازنات الطائفيّة فإنّ الفساد الوظيفي استشري لعقود جرى خلالها نهب اقتصاد الدّولة وتجييره لأشخاص وعائلات بعينها، حتّى وصل اقتصاد الدّولة إلى حافّة الإنهيار. ولا يمكن عزل الإنفجار التّدميري الهائل الذي أصاب بيروت وميناءها في مقتل عن الفساد الوظيفي والذي لا يخلو من إدارات أخر ما يهمّها هو لبنان الوطن والشّعب. ولا يمكن استبعاد النّوايا الخبيثة لأيادٍ مسؤولة وظيفيّا، ومسؤوليّتها المقصودة في التّفجير لقلب الأوضاع في لبنان، تحقيقا لأجندات معادية ولأكثر من سبب.
وسوم: العدد 888