أليس مشهد دمار بيروت اليوم هو ما هددت به إسرائيل قبل أسبوع؟
ارتدت إسرائيل الرسمية قناع الحزن إزاء الكارثة التي حلت بجارتها لبنان. وبدا الجميع “مصابين بالصدمة” باستثناء ريتشارد سلبرستاين، صاحب موقع “إصلاح العالم”. لا أحد اتهم إسرائيل بالتسبب بالكارثة. وباستثناء موشيه فايغلين وعدد من العنصريين الآخرين، لم يعبر أي شخص عن سروره الشيطاني. ولحسن الحظ، سارع آفي بنيهو إلى إنقاذ شرف إسرائيل وطرد فايغلين من بين الشعب اليهودي: “مع أقوال كهذه، فأنت لا تنتمي للشعب اليهودي”، قال رجل الأخلاق اليهودي بنيهو، وأزيلت الوصمة.
ما علاقة الجيش الإسرائيلي بتدمير البنى التحتية أو تفجير ميناء في بيروت؟
كان بنيهو محقاً: لم تتسبب دولة اليهود بكوارث كهذه يوماً ما. ولم يفرح قلبها بسقوط أعدائها. حتى الجيش الإسرائيلي، جيش اليهود الذي كان بنيهو المتحدث بلسانه، لم يتسبب بدمار وخراب كهذا يوماً ما. ما علاقة الجيش الإسرائيلي بتدمير البنى التحتية أو تفجير ميناء في بيروت؟ وما علاقة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم بقصف التجمعات السكانية؟ لذلك، سارع رؤساء الدولة إلى عرض مساعدة لبلاد الأرز المنكوبة، ببادرة حسن نية يهودية وإسرائيلية مميزة.. إنسانية وسامية ومؤثرة إلى درجة ذرف الدموع. صحيح أن سلاح الجو يهزأ بسيادة لبنان ويحلق في سمائه وكأنه بلاده، وصحيح أن إسرائيل دمرته مرتين، لكن هل هناك من يحصي ذلك؟ لقد نشر رئيس الدولة بيان مواساة للشعب اللبناني. وأعطى رئيس الحكومة ووزير الخارجية ووزير الدفاع “توجيهاتهم للتوجه إلى لبنان وعرض المساعدة الإنسانية والطبية”. وإذا كان كل هذا الخير غير كاف، جاء رئيس بلدية تل أبيب وأمر بإضاءة مبنى البلدية بألوان علم لبنان.
تتكرر الكلمات.. فكل كراهية الماضي وضعت جانباً. وباتت إسرائيل الآن صديقة لجارتها الحزينة في وقت الضيق. ربما كان 5 آب هذا عيد الحب الذي بدأ أمس، وربما إسرائيل هي هكذا دائماً: تعالج مصابين سوريين وتشاطر اللبنانيين الأحزان. ولكن كل شيء يطارد ذاكرتنا ويهدد بتعطيل احتفال كم كنا جميلين، الذي يحب الجميع الاستناد إليه.
ألم يكن هذا هو وزير الدفاع نفسه الذي هدد لبنان، الأسبوع الماضي، بتدمير بناه التحتية؟ ألم يهدد رئيس الحكومة لبنان أيضاً؟ وكيف سيبدو تدمير البنى التحتية في لبنان؟ أجل، مثلما ظهر أول أمس في بيروت. أصوات رعد تهز المدينة، دخان أسود تصاعد فوقها، دمار وخراب، دماء مدنية سفكت، أربعة آلاف مصاب يقفون على مداخل المستشفيات، مثلما وصفت ذلك سفيرة دولة أوروبية في بيروت بدهشة، وكانت في السابق خدمت في إسرائيل، والتي أصيبت أول أمس بالانفجار وكانت مصدومة.
نصف إسرائيل وكل هيئة الأركان يعرفون كيف يرددون عقيدة الضاحية المبجلة، وكل سياسي يهدد بها، وهذه هي لغتنا مع لبنان وغزة، وهذه هي العقيدة التي وضعها كارل فون كلاوزوفيتش الإسرائيلي، وغادي آيزنكوت. وما هي هذه “العقيدة” المتطورة؟ استخدام قوة غير متناسبة ضد بنى تحتية مدنية وزرع الخراب وسفك دماء كثيرة بقدر الإمكان بدون كوابح و”تسطيح” من أجل تعليم العدو درساً “مرة وإلى الأبد”. حاول الجيش الإسرائيلي ذلك في السابق أكثر من مرة، في لبنان وغزة. وكان ذلك قصة النجاح المدوية. ويبدو هذا مثلما بدت بيروت أول أمس.
لم يمر أسبوع على تهديد إسرائيل بهدم بنى تحتية في لبنان إذا تجرأ حزب الله على الانتقام لقتل أحد مقاتليه في عملية عسكرية محدودة على الحدود، وها هي سرائيل المدمِّرة تتحول فجأة إلى إسرائيل الرحيمة. هل كنتم ستقبلون مساعدة إنسانية من دولة كهذه؟ هل هناك مشهد نفاق أكثر مرارة من هذا؟ عندما دمرت إسرائيل حي الضاحية وأحياء أخرى في بيروت، لم تلون بلدية تل أبيب مبناها بألوان علم لبنان. وعندما قتلت إسرائيل آلاف النساء والأطفال والشيوخ والشباب، الأبرياء في غزة، في عملية “الرصاص المصبوب” وفي عملية “الجرف الصامد” الإجرامية، لم يتم تلوين مبنى البلدية بألوان فلسطين. ولكن، أمس، أصبحنا إنسانيين جداً، أصبحنا جميعاً لبنانيين للحظة، حتى الضاحية المقبلة.
وسوم: العدد 889