بداية النهاية للإمارات
بداية علينا الإعتراف بأنّ النّظام العربيّ الرسميّ قد فشل في التّعامل مع القضايا العربيّة المختلفة. وبعيدا عن العلاقات بين الدّول والتي تقوم على المصالح، فإنّ من يعتقد بوجود دول عربيّة مستقلّة وذات سيادة فإنّه يجانب الحقيقة، فالإستعمار خرج من نافذة صغيرة ودخل من بوّابات واسعة.
ويخطئ كنوز اسرائيل وأمريكا في المنطقة العربيّة إن اعتقدوا أنّ المزيد من التّبعيّة لإسرائيل وأمريكا سيحمي عروشهم المتساقطة. فهي تستغلّهم لفترة ولا تلبث أن تستبدلهم بعد نفاذ صلاحيّاتهم، تماما مثلما هي الدّول الإمبرياليّة التي تستبدل وعد بلفورالذي استنفذ مهمّاته بالمشروع الأمريكيّ" الشّرق الأوسط الجديد".
ويبدو أنّ محمد بن زايد الذي يدفع ثروات بلاده لأمريكا، ويشارك ولا يزال بحروبها بالوكالة عنها كما فعل في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، لم يستفد من تجارب من سبقوه، ويقود بلاده إلى الهاوية مقابل ضمان تسليمه الحكم بعد أخيه خليفة. وللتّذكير فقط فإنّ مصر عبدالنّاصر التي كانت القوّة الإقليميّة الأولى وذات تأثير في السّياسة العالميّة، قد حوّلت بعد وفاته إلى دولة هامشيّة ومحطّ أطماع لدول كانت هامشّيّة. فمصر التي تخلّت عن سيادتها على سيناء بعد اتّفاقات كامب ديفيد، وتعيش أزمات اقتصاديّة خانقة بعد انفتاحها الإقتصاديّ وتدميرها للقطاع العامّ بناء على أوامر"الصّديقة أمريكا". ولم تسلم من مؤامرات اسرائيل باتّفاقات كامب ديفيد، فلإسرائيل مخطّطاتها بعيدة الأمد، والتي تختلف عن حسابات من يبذلون جهودهم للاستمرار على كراسي الحكم، لذا فإنّ اسرائيل ومن ورائها أمريكا قد خطّطت وأشرفت على بناء سدّ النّهضة في اثيوبيا، ونصبت قواعد صاروخيّة لحمايته، من أجل القضاء على الأراضي الزّراعيّة في مصر والسودان، ولتعطيش مصر، ولتكون مياه السّدّ سلاحا احتياطيّا لإغراق السودان ومصر إذا اقتضت الضّرورة ذلك.
الإمارات التي كانت عربيّة
منذ وفاة الشيّخ زايد مؤسّس دولة الإمارات في جنوب الجزيرة العربيّة، فإنّ هذه الإمارات بدأت تتخلّى عن عروبتها بشكل متسارع، وضمن سياسات مخططة ومدروسة من أمريكا وغيرها، ومن يزور الإمارات منذ سنوات فإنّه لا يستطيع التّجوّال فيها إذا لم يكن على دراية باللغّة الإنجليزيّة، فالعرب يشكّلون أقلّ من 30% من رعاياها، والأغلبيّة الباقية هم من المهاجرين من جنوب شرق آسيا كالهند، وبعض المستثمرين من أصول أوروبّيّة وأمريكيّة.
ومحمد بن زايد الذي استغلّ ثروات بلاده النّفطيّة، ويقوم بحروب اسرائيل وأمريكا في بلدان عربيّة، وساهم بتمويل سدّ النّهضة الإثيوبيّ لقطع مياه النّيل عن مصر، ينفّذ الأوامر الصّادرة إليه بتطبيع العلاقات على مختلف الأصعدة منذ عقود مع اسرائيل، ووصلت الآن مرحلة العلن بسبب الأوامر التي صدرت إليه لدعم ترامب في انتخابات الرّئاسة الأمريكية التي ستجري في 3 نوفمبر القادم، ولدعم نتنياهو الذي يعيش أزمات خانقة بسبب ملفات الفساد التي يحاكم عليها، وبسبب أزمة ائتلافه الحكومي المهزوز. وستتبع ومن المنطلقات نفسها دول خليجية وغير خليجيّة أخرى محمد بن زايد، بالتّطبيع وتبادل السّفارات مع اسرائيل. فهل سينجو محمد بن زايد بعرشه بناء على هذا التّنازلات المجّانيّة، وهل ستتركه حليفته الجديدة اسرائيل ينعم بما يسعى إليه؟ ومن يتابع السّياسة الإسرائيليّة فلن يخفى عليه أنّ الأطماع الإسرائيليّة في المنطقة أبعد بكثير من السّياسات المعلنة، فإسرائيل تعتبر نفسها الذّراع العسكريّ المتقدّم لأمريكا في المنطقة. ولها أطماعها الإقتصاديّة اللامحدودة. ولن يكون بعيدا ذلك اليوم الذي ستفرض فيه أمريكا على الإمارات ضرورة الإنتخابات "الدّيموقراطيّة"، التي ستفوز بها الأكثريّة غير العربيّة من رعايا الإمارات، لتصبح هذا الدّولة دولة غير عربيّة في الخليج الذي كان عربيّا، وسترتبط بتحالفات قويّة مع اسرائيل التي ستوفّر لها الحماية العسكريّة. وستجد أنظمة تتكلّم العربيّة تعترف بها كاعتراف محمد بن زايد بسيطرة اسرائيل على فلسطين التّاريخيّة، وعندها لن ينفعه البكاء على ملك أضاعه ولم يحافظ عليه.
وسوم: العدد 890