بداية التطبيع الإعلامي المأجور مع التطبيع المعلن عنه بين الإمارات والكيان الصهيوني
مما نشر يوم 15 / 08/ 2020 على موقع هسبريس، وتحديدا تحت عمود كتاب وآراء مقال للمدعو لحسن الجيت عنوانه :"لا بديل عن خيارالسلام مع إسرائيل " .وقبل الخوض في مناقشة بعض ما جاء في هذا المقال، لا بد من الإشارة إلى أن هذا الموقع سبق له أن نشر مقالين سابقين على صفحته الرئيسية تضمنا الحديث عن عملية التطبيع المعلن بين الكيان الصهيوني ودولة الإمارات بطريقة يفهم منها المباركة مع محاولة تضليل الرأي العام بأن هذا التطبيع حصل مقابل تخلي العدو الصهيوني عن قرار كان قد أعلن عنه من قبل بضم أراض فلسطينية من الضفة الغربية ، والحقيقة أن الأمر يتعلق بمجرد تعليق لهذا القرار وهو ما أكده رئيس وزراء الكيان المحتل في ندوته الصحفية عشية الإعلان عن التطبيع حيث قال إن القرار بضم يهودا والسامرة لا رجعة فيه ، وأن تعليقه كان نزولا عند طلب الإدارة الأمريكية، الشيء الذي أكد بما لا يدع مجالا للشك أن الإمارات فشلت في اختبار الذريعة المناسبة للتطبيع مع العدو الصهيوني ، وليتها أعلنت هذا التطبيع دون إقحام القضية الفلسطينية فيه كما قال الدكتور صائب عريقات في حديث له مع قناة الجزيرة القطرية .
وبعد هذا نسوق بعض ما جاء في مقال الجيت للكشف عن المقصود به، وهو محاولة التطبيع الإعلامي مع التطبيع .
بدأ المقال بما يلي :
" فلنتحدث بكل الواقعية وبعيدا عن كل الطوباويات، ومن يقول بعكس ذلك أي بالخيار العسكري في مواجهة إسرائيل فليثبت لنا قوته في ساحة الوغى وليفند ما ندعيه وعندها سنكون مجبرين أو طواعية على تغيير هذا العنوان. نحن مع القضية الفلسطينية على أنها قضية عادلة؛ ولكن هذا غير كاف ولا يضيف أي شيء في استرداد الحقوق، لأن الحقوق لا تعطى ولا تسترد بالشعارات الجوفاء وبالمظاهرات المليونية التي أدخلت العالم العربي إلى أرقام "غينس" ولم تدخله ولو بشبر واحد من تراب أريحا. ولذلك، يجب أن نتوقف عن بيع الوهم، فالعالم بأسره يشهد عن العرب بأنهم ظاهرة صوتية، غوغائيون إلى أبعد الحدود. ولقد خاض العالم العربي حروبا مع إسرائيل وفي ظروف عربية أفضل بكثير مما هو الحال عليه اليوم، وكانت الهزائم متتالية حولناها بقدرة قادر إلى انتصارات وهمية هي الأخرى".
هذه المقدمة وحدها دون الخوض في جزئيات المقال كافية لإثبات طبيعته التطبيعية مع التطبيع، ولكن لا بأس من سرد فقرات أخرى منه للمزيد من تنوير الرأي العام الوطني والعربي والإسلامي بما فعله المال الملوث الخليجي بإعلام وأقلام ، وأولها الفقرة الآتية :
ولهذه الاعتبارات وغيرها، فإننا نعتقد أن المنحى الذي اتخذته دولة الإمارات العربية المتحدة في ابرام اتفاق مع إسرائيل هو المنحى الذي يجب أن يكون في نهاية المطاف. فالقيادة الإماراتية محقة ولها أسبابها واعتباراتها؛ منها ما هو مرتبط بالوضع الإقليمي، ومنها ما له صلة مباشرة بالاعتبارات الخاصة لدولة الإمارات"
لا شك أن صاحب هذا القول قد حصل على نصيبه من المال الملوث مباشرة أو عن طريق وسيط لينعق هذا النعيق . وتعقيبا على هذه الفقرة نقول : لو كانت دولة الإمارات تملك من الشجاعة قدر ما تملك من التهور، وهي متورطة في أكثر من بؤرة من بؤر التوتر في العالم العربي بتمويل الصراعات الدامية فيها لأعلنت التطبيع دون الحاجة إلى ذريعة واهية هي تعليق ضم العدو الصهيوني أجزاء من الضفة الغربية ، وهو شأن فلسطيني لا يعنيها في شيء ، ولا هي تملك تفويضا من الشعب الفلسطيني ، ولا هي عندها جبهة صراع مع إسرائيل ، لهذا كان عليها أن تعلن التطبيع بشجاعة ودون الحاجة إلى ذريعة ولتكون قدوة كل من يلهث وراء التطبيع المجاني مع العدو الصهيوني الذي يعني الاستسلام وليس السلام كما يدعي المطبعون والمروجون للتطبيع .
ومما برر به صاحب المقال إقدام الإمارات على التطبيع ما يلي :
"طبيعي أن تؤول التطورات إلى ما آلت إليه من اتفاق إسرائيلي إماراتي بحكم الأوضاع العربية المتردية. ومن حق أبو ظبي ألا تبقى حبيسة سياسات عربية قائمة على الرياء والنفاق واختزال كل الوهم في كون الخطر الذي يتهدد المنطقة مصدره الكيان الإسرائيلي، بينما الخطر الحقيقي كما هو في الواقع مصدره اليوم دولتان تحيطان بالمنطقة العربية: الشيطان الفارسي والنمرود التركي. ولذلك، فإن خيار أبو ظبي بإبرام اتفاق مع تل أبيب تمهيدا لإقامة علاقات دبلوماسية هو خيار إستراتيجي فرضه تكالب القوى المتآمرة على دولة الإمارات العربية المتحدة التي تريد النيل من وجودها " .
هذا الكلام الذي يقدم دولة الإمارات كضحية لتبرير إقدامها على فضيحة التطبيع خلافا لالتزامات تلزمها بموجب توقيعها على قرارات جامعة الدول العربية تنطبق عليه مقولة " عذر أكبر من الزلة " ، علما بأن التكالب في الحقيقة هو سياسات هذه الدويلة التي أطغتها ثروة البترول فكانت هي المبادرة بالتكالب على غيرها حيث أجهضت ثورات الربيع العربي ، وأشعلت نيران الحروب الطائفية التي لا زالت مشتعلة في أكثر من بلد عربي .
وإذا وجد ما يقرب بين الإمارات وما سماه صاحب المقال الشيطان الفارسي ، والنمرود التركي، فلا وجود لما يجمع بينها وبين الكيان الصهيوني الذي لا حدود لأطماعه التوسعية بعد تحقيق ما يسميه وطنه القومي ما بين الفرات والنيل .
ولو كانت لحكام الإمارات ذرة من ذكاء لراهنوا على موقع لهم بين ما مختلف القوى الإقليمية يحقق توازنا في علاقاتهم مع الشيطان الفارسي ومع النمرود التركي ومع الكيان الصهيوني عوض الارتماء فقط بين أحضان هذا الأخير دون تقدير عواقب هذا الارتماء ، وذلك تحسبا لكل المفاجآت المحتملة عملا بمقولة بوش " ليس لدينا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة ولكن لدينا مصالح دائمة " وهو ما يؤكده قول ترامب قبل يومين : " إذا نجحت في الانتخابات المقبلة فسأقيم علاقة مع إيران في ظرف شهر " .
وبكل وقاحة وجناية ختم المقال صاحبه بما يلي :
ومن أراد أن يلوم الإمارات كما تريد أن تفعل القيادة الفلسطينية، عليها أن تلوم أولا نفسها لما كان المرحوم الشيخ زايد آل نهيان يغدق بماله وبلا حدود على القيادة الفلسطينية في تونس، كانت فصائل هذه القيادة تتخاصم فيما بينها عن نصيبها من كعكة الشيخ زايد رحمه الله، واختزلت القضية كلها في المال. وليس العبرة أن تتحرك اليوم هذه القيادة باتجاه الجامعة العربية وباتجاه منظمة التعاون الإسلامي فهي استغاثة غريق بغريق، وفي أحسن الأحوال سيصدر بيان يدين هذا الاتفاق. كما سيجد هذا المقال اتهامات من قبيل التخوين على لسان أولئك الذين يناصرون القضية باللغو واللغط. والسؤال الحقيقي وهو ماذا بعد لغطكم هذا؟
هكذا وبهذا الأسلوب الوقح والمسيء إلى لقيادة الفلسطينية وهي إساءة إلى القضية الفلسطينية، تولى كاتب المقال نيابة عن المسؤولين الإماراتيين الرد على إدانة تلك القيادة جريمة التطبيع الفاضحة والمدوية والتي حاولت المتاجرة بقضيتها وقضية الأمة العربية والإسلامية ، وما من شك في أنه قد استأجر ليقوم بهذا الرد بالنيابة.
وبقي أن نرد على دعوته إلى الاستسلام للاحتلال الصهيوني بالقول لقد مرت في التاريخ البشري دول لا يتعلق الكيان الصهيوني بغبار قوتها العسكرية، وما استسلم لها من كان أقل قوة منها ،وما الدول النازية منا ببعيد ، فلو صح منطق الاستسلام الذي يقول به صاحب المقال لما هبت الدول التي كانت النازية تحتل أراضيها لمقاومتها ،ولما انتهت النازية إلى ما انتهت إليه من زوال .
إن مصير الكيان الصهيوني المحتل سيكون حتما كمصير الكيان النازي وكمصير كل كيان محتل مر في التاريخ البشري ، والرهان على الاستسلام كان دائما رهانا خاسرا وقد ثبت ذلك في التاريخ قديمه وحديثه . وإن الشعب الفلسطيني البطل بعون الله تعالى ومساندة الشرفاء على تحرير وطنه كاملا دون عون من غثاء المهرولين إلى التطبيع والمنبطحين أمام أقدام الصهاينة وهو يعول على عون خالقه سبحانه وتعالى وعلى بشارة القرآن الكريم ،وبشارة الحديث النبوي الشريف بزوال الكيان الصهيوني وهو على يقين بأن جند الله عز وجل من المؤمنين هم الغالبون مصداقا لقوله تعالى : (( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون فتولّ عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون أفبعذابنا يستعجلون فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين )) صدق الله العظيم وكذب دعاة التطبيع والمطبعون .
وسوم: العدد 890