وقف إطلاق النار في ليبيا واختفاء اللواء المتمرد حفتر
حكومة الوفاق والسلطة المنافسة يصدران بيانين لإعلان وقف إطلاق النار في ليبيا
أصدرت حكومة الوفاق الوطني الليبية الجمعة 21 آب 2020 والسلطة المنافسة لها في الشرق الليبي الممثلة في البرلمان المنتخب في بنغازي، كل على حدة، بيانا للإعلان عن وقف فوري لإطلاق النار وتنظيم انتخابات قريبة على كل الأراضي الليبية. وعقب إعلان الاتفاق رجح المحللون السياسيون خروج خليفة حفتر من المعادلة المعقدة، وانهزامه في معركة طرابلس. كما تشير مسألة تشكيل لجنة تقصي حقائق حول الانتهاكات التي ارتكبت في ليبيا إلى أن الجنرال القوي من الممكن أن يصبح عبئا على مؤيديه. فهل خرج حفتر من المشهد السياسي الليبي؟ وما هي حظوظ نجاح هذا الاتفاق الجديد؟
وجاء الإعلان الأخير في ذروة التوتر الذي تعيشه ليبيا، بسبب مطالبة حكومة الوفاق بانسحاب قوات حفتر من مدينتي سرت والجفرة الاستراتيجيتين؛ لكونهما يشكلان مدخلاً حيوياً لحقول النفط، في حين يرفض الأخير ذلك ويواصل حشد قواته في سرت التي تقف قوات الوفاق على تخومها منذ أكثر من شهرين.
كما أكد عقيلة صالح، الذي يعتبر الشخصية السياسية الأبرز في جبهة حفتر؛ لكونه ما يزال عضواً برلمانياً معترفاً به، أن مدينة سرت ستكون عاصمة مؤقتة للحكومة الجديدة.
وتماها بيان رئيس برلمان طبرق مع بيان حكومة الاتفاق، حيث دعا بيانه الأخير إلى طي صفحة الماضي، والعمل على تخليص ليبيا من أشكال المرتزقة والمليشيات كافة، وتأسيس دولة مدنية على أسس دستورية جديدة.
الصمت المطبق خيم على اللواء المتمرد خليفة حفتر
اللافت في الخطوة الأخيرة كان غياب أي ذكر لخليفة حفتر أو لدوره المستقبلي، كما لم يعلن حفتر حتى اللحظة موقفه رسمياً مما جرى الإعلان عنه، في حين أيدت جميع الدول المعنية بالملف تقريباً، ومن ضمنها داعموه، القرارات الأخيرة، التي تحمل تنحية ضمنية للواء المتمرد من المشهد.
ومنذ عام 2014، يحاول حفتر الاستيلاء على الحكم بالقوة، معتمداً في ذلك على دعم كبير تقدمه له الإمارات ومصر وفرنسا وروسيا، لكنه تلقى هزائم كبيرة خلال الشهور الماضية، بعد الدعم الذي قدمته تركيا لحكومة الوفاق في طرابلس.
هذا الصمت من جهة حفتر دعا مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، السبت (22 آب/أغسطس)، إلى تأكيد رفض الحكومة الليبية أي مناورات أو تهديد في مبادرة وقف إطلاق النار.
وتساءل "السني"، في تغريدة نشرها على موقع "تويتر": "هل سيلتزم من أشعل الحرب على طرابلس (حفتر) ومن باركها ودعمها ثم انهزم فيها بوقف إطلاق النار؟ سنرى، لكن لن نقبل المناورات أو أي تهديد جديد".
وأضاف: إن "هذه ليست أول مرة نقدّم فيها مبادرة للحل السلمي، وكنا وما زلنا نرحب بالمبادرات الصادقة كافة"، لكنه أكد رفضه تفصيلها على أشخاص، لأن للشعب حق تقرير المصير".
ورحبت كل من الولايات المتحدة وروسيا وتركيا ومصر والسعودية وقطر والإمارات والكويت وعُمان والبحرين ومجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة، بالبيانات الأخيرة، معتبرةً أنها خطوة على طريق حل الأزمة وتحقيق تطلعات الليبيين عبر الحلول السياسية. ورغم هذا الترحيب الدولي والعربي الواسع، لم يصدر عن حفتر وقواته أي تعليق بهذا الخصوص.
السيسي والإمارات كانتا أول المرحبين بإعلان وقف النار في ليبيا
عبد الفتاح السيسي الذي ملأ فضاء مصر جعجعة بخطوطه الحمر سارع إلى الترحيب بالبيانات الصادرة عن المجلس الرئاسي ومجلس النواب في ليبيا بوقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في كافة الأراضي الليبية باعتبار ذلك خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي في استعادة الاستقرار والازدهار في ليبيا وحفظ مقدرات شعبها.
وزارة الخارجية الإماراتية التي أنفقت حكومتها مليارات الدولارات لتبقي ليبيا في حالة حرب واقتتال جاء من جهتها قالت في بيان لها: "إن دولة الإمارات تعتبر القرار "خطوة هامة على طريق تحقيق التسوية السياسية وطموحات الشعب الليبي الشقيق في بناء مستقبل يلبي تطلعاته في الاستقرار والسلام والازدهار، بما يتوافق مع مخرجات مؤتمر برلين، وإعلان القاهرة واتفاق الصخيرات".
تركيا ومصر سعتا بلقاءات سرية للوصول إلى حل سلمي للأزمة الليبية
المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو، يرى أن الخطوة الأخيرة جاءت نتيجة مساعٍ واتصالات تركية حثيثة بكل من ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة وحكومة الوفاق، مشيراً إلى زيارة وزيري الدفاع التركي والقطري لطرابلس قبيل إعلان وقف القتال.
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، قال أوغلو إن مصر ليست بعيدة عن الإعلان الأخير، معرباً عن اعتقاده أن تكون القناة الاستخباراتية المفتوحة بين القاهرة وأنقرة، ربما، أدت دوراً في الاتفاق الذي يهدف إلى تحريك الحل السياسي، مع ضمان الحد الأدنى من إخراج السلاح من سرت والجفرة ودفع عجلة الاقتصاد الليبي المتعثرة.
ويرى أن عدم الإتيان على ذكر حفتر في البيانين الأخيرين "علامة إيجابية"، خاصةً أن ثمة نقاطاً مشتركة في البيانين الصادرين عن "الوفاق" وبرلمان طبرق، مضيفاً: "الواضح من بيان حكومة الوفاق أن تغييب ذكر حفتر كان متفقاً عليه بين الجميع؛ لأنه لا يؤمن بالحلول السياسية".
وتابع: "أعتقد أن تركيا تريد تقوية دور ألمانيا في الملف الليبي؛ لاحتواء وتحييد دور فرنسا التي تدعم حفتر بقوة، والإمارات أيضاً، مثل هذه الورقة ستكون بمثابة اختبار لألمانيا خلال المرحلة المقبلة".
وكان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، قد دعا خلال زيارة لطرابلس، الأسبوع الماضي، إلى تسوية سياسية للخلاف وإعادة إنتاج وتصدير النفط وتوزيع عوائده، مطالباً الإمارات باستخدام نفوذها لدى حفتر لوقف ما يرتكبه من ممارسات.
وقف إطلاق النار مطلب ليبي مشترك بين طرفي النزاع
لكن المحلل التركي يرى أن ما جرى ليس نهاية الصراع وإنما هو مرحلة ضرورية، وأن الرهان هو تطبيق وقف القتال المُعلن، والذي كان بطلب من الطرفين (الوفاق، وبرلمان طبرق)، مضيفاً: "نأمل أن يساعد الحل الأخير في إقناع روسيا بسحب مقاتلي فاغنر، ونزع الألغام التي زرعها حفتر، وتمكين الحكومة الليبية من بسط سيطرتها على البلاد".
واعتبر أن التوافق الأخير انعكاس لـ"فن الممكن"؛ لكون المواجهات العسكرية المباشرة الكبرى ليست الحلَّ الذي يمكن تبنِّيه بشكل متعجل، ما لم تكن القنوات السياسية كافة قد أُغلقت.
ولعل أفضل ما في هذا الاتفاق، يقول أوغلو، أنه فتح الباب أمام مزيد من التوافقات السياسية بين طرفي الصراع، بعيداً عن حفتر ومن يدفعه إلى إشعال حرب أهلية في ليبيا، كما أنه يبتعد بدولتين مثل تركيا ومصر عن صدام مباشر، وهو أمر ليس في مصلحة الدولتين، في حين قد يعظِّم الحل السياسي من موقفيهما.
وشهدت الشهور الأخيرة جولات مكوكية، حيث سافر عقيلة صالح إلى موسكو مرتين خلال يونيو الماضي، كما أجرى مسؤولون أتراك زيارات مماثلة، في حين كانت القاهرة وأبو ظبي على اتصال مباشر بالولايات المتحدة وفرنسا.
وخلال الأسابيع القليلة بدت الأمور تتجه نحو تدهور كبير، بعدما قالت "الوفاق" إن قوات حفتر حفرت خندقاً حول مدينة سرت وحشدت فيها قوات ومعدات كبيرة حصلت عليها من الإمارات وروسيا؛ للحيلولة دون ضياعها من يده، بالنظر إلى تمسُّك داعمي "الوفاق"، وفي مقدمتهم تركيا، بضرورة خروج حفتر من المدينة.
وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري: إن الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة الليبية هو الحل السياسي
ويوم الخميس (20 آب/أغسطس)، قال خالد العطية، وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، إن الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة في ليبيا هو الحل السياسي، وهو ما تسعى دولة قطر للتوصل إلى تحقيقه.
وأضاف العطية في حديث لقناة "الجزيرة"، اليوم الخميس: إن "عدم استقرار الأوضاع في ليبيا يؤثر بشكل كبير على دول الجوار وعموم المنطقة".
ووصف اللقاءات الثلاثية القطرية الليبية التركية في طرابلس بالمثمرة، مشيراً إلى "أنها تناولت بحث أفضل السبل للحفاظ على وحدة ليبيا والتوصل إلى حل سياسي".
وشدد العطية على ضرورة أن "تكون نوايا الحل السياسي في ليبيا مخلصة، ولا بد من وجود شركاء لهم في نفس التوجه، وهو أن تكون ليبيا موحدة".
وقال العطية، "إن إهدار الحل السياسي في ليبيا سيُعرِّضها هي ودول الجوار لمشكلات كبيرة، مؤكداً أنه بحث هو ونظيره التركي خلوصي آكار، خلال زيارتهما لطرابلس، سبل وحدة ليبيا وإخراج المرتزقة كافة منها".
وتابع في هذا الصدد: "عسكرة ليبيا هي المشكلة، وكانت في صميم نقاشاتنا مع حكومة الوفاق، حيث يجب الوصول بالليبيين إلى بر الأمان من خلال وصول الأطراف الليبية إلى دولة مدنية".
وأشار إلى أنه إن "لم يتم التوجه إلى الحل السياسي في ليبيا فسينتج عن ذلك مشاكل في ليبيا ودول الجوار"، مبيناً أن "هناك حكومة شرعية في ليبيا وهي نتيجة اتفاق سياسي معترف به من العالم وهي في موقف قوي".
كما عبر الوزير القطري عن أمله في أن "يكون هناك حراك دولي في اتجاه إنقاذ ليبيا، والوصول إلى بر الأمان عبر الحل السياسي".
وكان رئيس حكومة الوفاق الليبية، فايز السراج، بحث الاثنين الماضي، سبل التعاون العسكري والأمني مع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، ووزير الدولة القطري لشؤون الدفاع خالد العطية.
وكان الوزيران التركي والقطري وصلا إلى طرابلس، وبحثا مع المسؤولين الليبيين مستجدات الأوضاع في البلاد، والتحشيد العسكري شرق سرت ومنطقة الجفرة.
وتطرق الاجتماع الثلاثي إلى مجالات التعاون العسكري والأمني، وبرامج بناء القدرات الأمنية والدفاعية لقوات حكومة الوفاق، وآليات التنسيق بين وزارات الدفاع في الدول الثلاث.
ترحيب عربي ودولي بإعلان حكومة الوفاق وعقيلة صالح عن وقف لإطلاق النار في ليبيا
عربياً، رحبت الجزائر بالإعلانين الصادرين عن كل من رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح القاضيين بوقف إطلاق النار في كل الأراضي الليبية وتفعيل العملية السياسية عبر حوار جامع يفضي إلى إنهاء الأزمة الليبية. وجاء في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية اليوم " تسجل الجزائر بارتياح هذه المبادرة التوافقية التي تعكس إرادة الإخوة الليبيين في تسوية الأزمة الليبية وتكريس سيادة الشعب الليبي الشقيق".
كما دعت السعودية الليبيين إلى ضرورة البدء في حوار يؤسس لحل دائم يكفل الاستقرار ويمنع التدخل الخارجي في البلاد. وأعربت وزارة الخارجية السعودية، في بيان لها اليوم عن ترحيب حكومة المملكة بإعلان المجلس الرئاسي ومجلس النواب وقف إطلاق النار في ليبيا.
وأكدت المملكة "على ضرورة البدء في حوار سياسي داخلي يضع المصلحة الوطنية الليبية فوق كل الاعتبارات، ويؤسس لحل دائم يكفل الأمن والاستقرار للشعب الليبي الشقيق، ويمنع التدخل الخارجي الذي يعرض الأمن الإقليمي العربي للمخاطر".
وأعربت وزارة الخارجية القطرية في بيان عن أملها أن "تتجاوب كافة الأطراف الليبية مع إعلان وقف إطلاق النار، والتعجيل باستكمال العملية السياسية، وفك الحصار عن حقول النفط لتستأنف الإنتاج والتصدير"، حسب وكالة الأنباء القطرية (قنا).
ورحب الأردن بإعلان وقف العمليات القتالية على كل الأراضي الليبية وتنظيم انتخابات قريبا، داعياً إلى وقف دائم لإطلاق النار ومفاوضات جادة تنهي الأزمة.
ورحبت جامعة الدول العربية بإعلان الالتزام بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة العمليات العسكرية في عموم الأراضي الليبية.
ومن جانبها أكدت وزارة الخارجية الألمانية على ضرورة الالتزام بالهدنة في ليبيا، وقالت متحدثة باسم الوزارة اليوم في برلين: "نأمل وننتظر أن تتمكن جميع الأطراف الليبية الآن من التوافق بشأن هذه الخطوة البناءة وأن تتم مواصلة السير على الطريق البناء ما أمكن".
وكانت ألمانيا ساهمت بدور الوساطة في الصراع الليبي من خلال تنظيم قمة برلين بشأن ليبيا التي عقدت في كانون ثان/ يناير الماضي. وكان وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس حذر قبل أسبوع خلال زيارة مفاجئة إلى طرابلس من اشتعال جديد للمعارك في ليبيا. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الألمانية إن الحكومة في برلين تدعم بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا في مساعيها من اجل إحلال السلام هناك.
من جهتها، اعتبرت فرنسا أن إعلان السلطتين المتنازعتين في ليبيا وقفاً لإطلاق النار وتنظيم انتخابات "خطوة إيجابية"، مشددة على أن هذه التعهدات "يجب أن تطبق على الأرض".
وجاء في بيان لوزارة الخارجية أن "تصريحات رئيس المجلس الرئاسي ورئيس مجلس النواب التي تدعو خصوصاً إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف العمليات العسكرية في ليبيا واستئناف انتاج النفط تمثل خطوة إيجابية"، لكن "يجب أن تطبق على الارض".
المصدر
*الخليج أونلاين- 20/8/2020 و22/8/2020
*الجزيرة نت-8/7/2020 و23/8/2020
*فرنسا 24-22/8/2020
*ب ب سي اللندنية-21/8/2020
*d w الألمانية_21/8/2020