حقا إنه «إنجاز أقزام يا حضرة الفريق»
رسم كاريكاتيري يثير الاهتمام، ويترجم الواقع العربي الحالي، والدونية التي ينظر فيها بعض العرب، مسؤولين وغيرهم، لأنفسهم مقارنة بالآخرين، لاسيما العدو، وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن فيه من الضعف والوهن والاتكال على الآخرين.
رسم كاريكاتيري يعكس الحجم الحقيقي لهؤلاء المتأسرلين، الذين يروجون للتطبيع مع دولة الاحتلال، ويرون فيها ذاك العملاق المرعب، الذي لا بد من تأمين جانبه، بدلا من مواجهته. والسعي لنيل رضاه بدلا من تحديه وطلب المساعدة منه لمواجهة العدو الوهمي المسمى إيران، يضيف إليها النظام الإماراتي، الآن تركيا التي تتصدى لتدخله في ليبيا وتلحق الهزيمة بحلفائه.
هذا الرسم الكاريكاتيري للفنان الفلسطيني الشاب بهاء ياسين، يصور نائب رئيس شرطة دبي السابق ضاحي الخلفان، الذي كان على رأس عمله أثناء استهداف محمود المبحوح مسؤول حركة حماس، الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في دبي قبل نحو عشر سنوات. وهو يقول «إسرائيل دولة عملاقة. فترد عليه شابة، ترتدي الزي الفلسطيني وتمسك بخريطة فلسطين، بالقول «(إسرائيل) مش عملاقة إنت القزم». فعلا إنه هو ومن هم على شاكلته، هم الأقزام، الذين ينتمون إلى فئة المهزومين في دواخلهم في مجتمعاتنا. والتقزيم الذي نتحدث عنه هنا ليس في الحجم والطول، بل في التفكير والتطلعات والأهداف والإحساس بالضعف إزاء الغريب، خاصة إن كان إسرائيليا أو أمريكيا.
يقول الخلفان، الذي أصبح محط سخرية الجميع، عربا ويهودا بتغريداته التي لا تتوقف، إن من أهداف اتفاق «العار والخيانة»، بين بن زايد وبنيامين نتنياهو، أيضا، انه يغير وجهة نظر الرأي العام الإسرائيلي إزاء العرب. وبناء على هذه الفهم الخاطئ طبعا يناشد الخلفان الشعوب العربية إلى التطبيع مع «إسرائيل»، «ويطمئن» الشعوب العربية وفق فهمه المحدود بأن «الإسرائيليين لن تكون عاصمتهم تل أبيب فحسب، وإنما كل العواصم العربية». ورغم أنني لا أشاطر الخلفان هذا الرأي، لكنه مصيب في جزء منه أن ابو ظبي ودبي والمنامة ستكون قريبا رسميا مستعمرات إسرائيلية متقدمة، أي خط دفاع أول للاحتلال في الخليج.
تصور أننا بعد 7 عقود من القتال والنضال والتضحيات، تضمحل مطالبنا إلى اتفاقات تطبيع مع دولة الاحتلال، فقط لغرض نيل رضا الإسرائيليين.. إنه حقا «إنجاز أقزام يا حضرة الفريق». والحال كذلك «فما الذي يجب أن نفعله حتى يقبل الاحتلال بالسلام معنا» وفقا لحساباتك؟ يبدو أن الخلفان وأمثاله نسوا أن الصراع في الشرق الأوسط هو صراع فلسطيني إسرائيلي، وليس إماراتيا إسرائيليا. وفي واحدة من مداخلاته العديدة مع وسائل الإعلام الاسرائيلية، دعا الخلفان إلى تطبيع العلاقات على المستوى الشعبي وليس الرسمي فقط، وكأن إسرائيل تأخذه وأمثاله على محمل الجد، أو معنية بالتطبيع معه، ومن هم على شاكلته.. لكن هذا الانهيار السياسي والأخلاقي والتاريخي لم يتوقف عند هذا الحد، فامتدح المنتجات الإسرائيلية، مروجا لها طالبا من تجار بلده استيرادها، بدلا من المنتجات التركية والإيرانية، معتبرا المنتج الإسرائيلي أكثر جودة، وأسعاره منطقية. فهل سأل خلفان وغيره من المطبعين ودعاة التطبيع والمتأسرلين أنفسهم يوما لما لا تكون لدينا بضائعنا ومنتجاتنا المحلية، التي تضاهي بجودتها ليس البضائع التركية والإيرانية والاسرائيلية فحسب، بل الأوروبية والأمريكية. لكن طالما يرون أنفسهم قليلي حيلة وبحاجة لبضائع وحماية الآخرين، فلن تقوم لهم قائمة. وطالما ترى في عدوك عملاقا فستبقى قزما.العيب ليس بشعوبنا بل في أنظمتنا الفاسدة والقاتلة والدموية، التي أدت أفعالها إلى هروب الأدمغة والطاقات والقدرات، التي لم تسعها حدود بلدانها، وخرجت تبحث عن بلدان أخرى لتفجير هذه الطاقات. ولو كانت الإمارات صادقة، وأنها تسعى لتطوير العلاج واللقاحات لجائحة كورونا، كما تزعم، ما كانت بحاجة لكي تذهب بعيدا وتعقد صفقة تطبيعية مع الاحتلال، فلدينا من العقول ما يكفي لحجب ضوء الشمس.
ومن قبيل الصدف أن فلسطينيا مغتربا فاز بجائزة مايكروسوفت لـ»الخبير الأكثر قيمة» للسنة السادسة على التوالي. وفي الآونة الاخيرة استعين بالدكتور وسيم عواد للمساهمة ضمن فريق أوروبي متخصص لتطوير نظام يهدف إلى تحديد شبكة المصابين بفيروس كوفيد- 19، وتمكن الدكتور عواد من ابتكار نظام متطور باستخدام الذكاء الاصطناعي يستطيع اكتشاف وتحديد مدى التزام الأشخاص بمعايير الوقاية، حسب بروتوكولات منظمة الصحة العالمية، ويتم الآن التفاوض معه لإتمام صفقة استحواذ للنظام.
وأخيرا لو يعلم المطبعون والمتأسرلون كيف ينظر إليهم من يسعون هم لنيل رضاهم والتطبيع معهم، لكنهم ومن دون أسف لا يتعلمون. ألم تكن تجربة المطبع السعودي محمد سعود، الذي استقبل بالأحذية والبصاق، وتهم الخيانة لدى زيارته المسجد الأقصى، بعدما عرف الناس بأمر زيارته التطبيعية في يوليو 2019، درسا لهم. وهذا سيكون مصير أي عربي يزور المسجد الأقصى، وفقا لاتفاق بن زايد مع إسرائيل.
والاعتقاد السائد عند الإسرائيليين أن محمد سعود وغيره ممن يسمون مطبعين، يزورون دولة الاحتلال لأغراض تطبيعية غير سياسية، وهو البحث عن فتيات يهوديات. وهذا سيكون مصير حمد المزروعي مغرد بن زايد، الذي نشر صورة لمجندة إسرائيلية على حسابه على توتير، كتب عليها «تخيل مطلوب مني كعربي أن أقاتل هذي الإسرائيلية عشان محمود عباس وجماعته يعيشون بكرامه وعز»، لكن المزروعي نسي أن يذكر اسم من طلب منه ذلك.
ويرى الإسرائيليون أن هذا الحلم طالما رافق الكثير من المطبعين العرب، خاصة من السعودية والإمارات، وفي برنامج تلفزيوني إسرائيلي ظهرت الإسرائيلية نعمت شوستر، التي سبق أن كشفت عن رغبتها في الزواج من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في فيديو تعلق فيه على زيارة المطبع السعودي. وتحدثت نعمت البالغة من العمر 32 عاماً في البرنامج، عما سمته ما حدث خلف الكواليس، خلال زيارة السعودي، وقالت إنه لم يأت إلى إسرائيل للتطبيع العادي، بل تطبيع من نوع آخر، تطبيع مع فتيات يهوديات، لأنه بمجرد نزوله من الطائرة فتح التطبيق الخاص بهاتفه بالتعارف في إسرائيل ووضع صورته على إنه سعودي في زيارة لـ»إسرائيل». وأضافت أن من المعروف أنه لا يستطيع التحدث مع أي فتاة عبر التطبيق، إلا إذا وضعت إعجابا على صورته، وكما يبدو لم يحظ بإعجاب أي فتاة اسرائيلية.
وأختتم بالرد على طلب صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، من وزراء الخارجية والدبلوماسيين العرب بالتحدث مع المسؤولين الإماراتيين كي يتراجعوا عن اتفاق الخيانة مع إسرائيل. جاء ذلك في مقابلة مع التلفزيون الفلسطيني قال فيها «الرسالة للأشقاء في الإمارات هي، أن الجميع يطلب منكم التراجع عن هذه الخطوة». أخي صائب هؤلاء ليسوا أشقاءنا بعد اليوم هذا أولا.. وثانيا يقول الشاعر «لقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي.. ولو نارٌ نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في الرماد».
ومن هم الجميع الذين تتحدث عنهم يا دكتور فلا «جميع عربي» من دون أمريكا وإسرائيل في ظرفنا الحالي. وحتى لو افترضنا جدلا أن محمد بن زايد استيقظ من غيبوبته وأراد التراجع، فهل هذا ممكن؟ القرار ليس بيده، هذا أولا. وثانيا هو أعجز من أن يقدم على مثل هذه الخطوة، والسبب هو المخاطرة بانهيار دولة الإمارات التي يمسك الموساد الإسرائيلي بكل مفاصل ومفاتيح الأمن فيها. لقد حسموا أمرهم يا أخي صائب وقرار التطبيع ليس قرار اليوم، إنه قرار جاء تتويجا لسنوات طويلة من العمل المثابر للموساد وأعوانه في أبوظبي. وبدلا من أن نضيع جهودنا وطاقاتنا بمثل هذه الدعوات، علينا أن نركز الجهود ونفكر بالطرق والوسائل لمواجهة محمد بن زايد ومؤامراته التطبيعية والعمل على إحباطها. لم تعد قيادة أبوظبي على قائمة الأشقاء، وانحازت لصف الأعداء ويجب معاملتها كذلك. لقد ضلت الطريق بعد أن فقدت بوصلتها، إلى جهنم وبئس المصير لهم ولمن شد ويشد على ايديهم ومن بارك اتفاق العار والخيانة.
وسوم: العدد 892