مجزرة صلاح الدين: العراق والمعادلة الصفرية!
اجتاحت سكان محافظة صلاح الدين العراقية ذات الأغلبية السنية موجة رعب ونزوح بعد انتشار خبر اختطاف «جهة مسلحة» 12 شخصا من عشيرتي الرفيعات والجيسات من ناحية الفرحاتية التابعة لقضاء بلد، ولم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى عثرت الشرطة على جثث ثمانية منهم، بينهم فتاة بعمر 13 عاما اتضح إعدامهم ميدانيا، فيما لا يزال مصير أربعة من المخطوفين مجهولا.
تسيطر على المنطقة عناصر من «اللواء 42» التابعة لميليشيا «عصائب الحق» الشيعية وأخرى تابعة لوزارة الداخلية العراقية تعرف بـ«قوات المغاوير» ورغم أن المنطقة التي تم استهدافها قريبة جدا من سرية للجيش كما توجد فيها شرطة محلية لكنّها، حسب قول إحدى ناشطات المجتمع المدني «لا دور لهما مقابل الميليشيات المتنفذة في جميع أرجاء المحافظة».
عملية الاختطاف والإعدام الميداني جرت بعد ساعات من تعرض منطقة سيد غريب، القريبة من قضاء الدجيل، شمالي بغداد، لهجوم شنه تنظيم «الدولة الإسلامية» أسفر عن مقتل عنصر من لواء 41، التابع للميليشيا نفسها، وهو ما يعني أن العملية هي عملية انتقام طائفية، يقوم بها عناصر من لواء آخر وفي منطقة أخرى، والمنطق وراءها أن ما يفعله تنظيم «الدولة» يمكن الثأر منه بالهجوم على أبرياء لا يجمعهم بذلك التنظيم سوى أنهم من الطائفة السنية، وهو ما يعني أن «الدولة الإسلامية» و«الحشد الشعبي» يفكران بالطريقة نفسها، وهو ما يغذي فعليا دائرة تاريخية لا يمكن أن تنتهي من الانتقام والانتقام المضاد القائمين على أسس طائفية، مما يجعل أي حديث عن «دولة» عراقية و«حكومة» و«جيش» و«شرطة» كلمات نافلة ولا معنى لها.
سارع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للسفر إلى المحافظة المنكوبة على رأس «وفد أمني رفيع» واجتمع الكاظمي، الذي يعتبر أيضا القائد العام للقوات المسلحة، بقيادات المحافظة الأمنية والعسكرية محاولا طمأنة المواطنين المذعورين بالقول إن «الدولة ستحميهم، وأن عقيدة القوات المسلحة تلتف حول الولاء للوطن والقانون، لا للأفراد أو المسميات الأخرى» وأن «لا مكان لعودة الإرهاب تحت أي صورة أو مسمى» وهي تصريحات تنوس بين الوضوح والغموض، وخصوصا حين يكون برفقة الوفد الأمني الرفيع القادم للتحقيق في الجريمة رئيس الحشد الشعبي نفسه.
لا تفعل «مجزرة صلاح الدين» الأخيرة غير التذكير بتاريخ مهول من المجازر الطائفية المتبادلة في العراق، والتي عزّزت عبر العصور روايات شيطنة الآخر وتحليل دمه وأرضه وعرضه، وقد جعلت هذه الحرب الأهلية المستمرة العراق نهبا لتدخّلات إقليمية وعالمية كبرى عبر التاريخ، ومن المؤسف كثيرا أن جزءا كبيرا من النخب السياسية العراقية التي يدعي أغلبها الانتماء للعراق، تغلّب الانتماء الطائفي على الوطني، والتبعية لجهات إقليمية تناصرها على شركائها في الوطن، فتحوّل العراق إلى ساحة موت وخراب وهو البلد الذي أنتج أول الحضارات البشرية.
وسوم: العدد 899