محمود حسين وأربع سنوات في السجن دون محاكمة!
بعد أيام، وفي يوم 23 الشهر الجاري، يكون الزميل محمود حسين الصحافي في قناة «الجزيرة» قد مر على حسبه أربع سنوات بالتمام والكمال، في حبس احتياطي وبدون محاكمة.
تستطيع السلطة الغاشمة، التي تحكم مصر أن تقدم محمود حسين للمحاكمة وإلى دوائر قضائية بعينها، فيصدر ضده الحكم بأقصى عقوبة على جرائم لم يرتكبها واتهامات لا صلة له بها، لكن تكمن المشكلة في أن الأمر سيكون مكشوفا للجميع بما في ذلك الجنين في بطن أمه، فمحمود حسين غادر مصر بعد الانقلاب، وإذ كان يعمل في مكتب قناة الجزيرة في القاهرة، فقد توقف عن العمل بعد اغلاقه، وعندما التحق بالقناة في مقرها في الدوحة، لم يمارس أي عمل له صلة بمصر والأحداث التي شهدتها؟!
فماذا يمكن أن يقولوا عن محمود حسين؟! إخوان؟! لقد كان يعمل في التلفزيون المصري، والإلتحاق به يلزمه تحريات أمنية شديدة الدقة، ثم إن الإخوان قد حكموا وتولى واحد منهم حقيبة الإعلام، ولو كان إخوانياً لاستفاد من هذا العهد، الذي استفادت منه دولة التلفزيون العميقة، باختيار رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورئيس قطاع الأخبار، منها، والأخير كتب مذكراته عن هذه المرحلة، ويتحدث عن بطولات قام بها ضد الوزير الإخواني ومرحلته. والذي قال إنه دخل المبنى وسأل عن الإخوان فيه فلم يجد سوى ثلاثة أفراد، وقد كتبت هنا في هذه الزاوية حينذاك، استنكر أمرين: الأول استمرار التمسك برئيس قطاع الأخبار، فلم أكن أعرف رئيس الاتحاد. والثاني أن يكون البحث في المبنى العتيق، شديد الحراسة عن الإخوان للاستعانة بهم، في حين أن المد الثوري كان يلزم البحث عن المضطهدين في مبنى ماسبيرو، والثوار به والذين نجحوا في طرد رئيس قطاع الأخبار عبد اللطيف المناوي من المبنى، على غير إرادة المجلس العسكري الحاكم، ولأنه لم يكن من المنطق أن يستمر وهو الذي حول التلفزيون إلى أداة لتشويه الثورة، والتقليل من زخمها، ومن خلال مذكراته وقفت على أنه كان على اتصال بالمشير محمد حسين طنطاوي ومكتبه، في الوقت الذي كان فيه الوزير أنس الفقي على اتصال بمبارك وأهل بيته!
ولو كان محمود حسين إخوانياً يكتم إيمانه، أو من الخلايا النائمة، لكانت الخلية استيقظت ولتم الجهر بالإيمان ولما استمر في إجازات للعمل خارج التلفزيون الرسمي، في مكتب قناة «الجزيرة» بعد أن كان مراسلاً لقناة «العالم» على نحو كاشف بأننا أمام صحافي مهني، في المقام الأول وربما في المقام الأخير أيضاً، ولو كان مشاركاً في الفعاليات التي حدثت بعد الثورة، لتم اتهامه في القضايا التي فتح التحقيق فيها، ومنها قضية قطع طريق قليوب، ومن بين المتهمين فيها الشيخ محمد عبد المقصود، وهو داعية سلفي، يتحرك بساق بديلة، وقد تم القبض على آخر بتحطيم مخفر للشرطة واحراقه، ليتبين أثناء المحاكمة، عدم وجود مخفر في المنطقة المشار اليها، ولم يكن هذا هو المهم، فالمهم أن المتهم فاقد للبصر منذ طفولته!
الحرمان من الجبنة القريش
ومن هنا كان الإنتقام من محمود حسين لأسباب ربما مرتبطة بعمله في «الجزيرة» بغض النظر عن طبيعة هذا العمل، ربما لابتزاز الدولة المالكة للقناة، وهذا من غرائب الأفعال، أن ينتقم النظام المصري من المصريين نكاية في قطر، تماما كما شارك الجنرال في حصار قطر، مع أن حصاره كان للمصريين العاملين فيها، والذين توجب عليهم أن يسافروا عبر طريق رأس الرجاء الصالح ليقضوا إجازاتهم في مصر، وأوقع النظام المصري خسائر فادحة بهذه المشاركة على شركة مصر للطيران، مع أن مصر ليست شركة «المراعي» التي كان القطريون والمقيمون يعتمدون بشكل كبير على منتجاتها، حتى لا يتصور عبد الفتاح السيسي أنه بحصاره لقطر سيأكل القطريون أوراق الشجر!
والخسارة الوحيدة هي في عدم وصول «الجبنة القريش» وهي نوع من الأجبان اشتهر به الريف المصري، وقد عادت مؤخراً منتجاً كويتياً، ولا أعتقد أن تناولها يمكن أن ينتهي بمن يتناولها إلى الإدمان، بمعنى أنه عندما يأتي موعد أخذ الجرعة فان المتعاطي للجبنة القريش يصاب بالهلع نتيجة الإنسحاب غير المنظم للمخدر، فيتحول المدمن إلى أزمة للدولة القطرية، فحتى لو كانت إدماناً فلن يعاني منه سوى المصريين، فلا أظن أن القطريين أو المقيمين من الجنسيات الأخرى يعرفون هذا الاختراع المبهر المسمى «الجبنة القريش»!
وإذ نقل عن السيسي قوله ذات لقاء بمسؤول عربي إنه لا يعرف لماذا شارك في حصار قطر، وكان حديثه أقرب للبوح أو ما يعرف بـ «الفضفضة للنفس» فلعله كان في ذلك مضغوطاً فنسى الدافع المهم لهذه المشاركة، فقد كان هذا في لحظة التخطيط لغزو قطر، وما تحققه المشاركة من أن يكونوا شريكا في الغنائم التي تنتج عن عملية الغزو!
فحتى الحصار له ما يبرره، فما هو المبرر لحبس محمود حسين؟ نكاية في قطر؟ وما هو الضرر الذي يمكن أن يقع على قطر إذا تم اعتقال جميع المصريين الذين يعملون فيها؟ هل هم علماء في الذرة ويشاركون في بناء المفاعل النووي القطري؟! إن الرد المنطقي من الجانب القطري على عملية اعتقال لمصري بغرض الابتزاز: اشربوه!
ندرك أن الحبس الاحتياطي يستخدم من قبل بعض الجهات للانتقام، حيث لا توجد جريمة، لكن كان هذا لمدة سنة في الحبس، وعندما يصدر الحكم بالبراءة تكون هذه الجهة قد أخذت بحقها حلف، وقد ورد في الأمثال «خذ بحقك حلف واحرقه» فلما حكم الرئيس محمد مرسي، حدد سقف الحبس الاحتياطي بستة شهور، مع تعويض المحبوس في حال صدور الحكم بالبراءة، لكن الرئيس المنتدب عدلي منصور عدل القانون بأن رفع مدة الحبس الاحتياطي لسنتين، وهو ما يستغله عبد الفتاح السيسي في التنكيل بالناس، قبل أن تهتدي العقلية الأمنية، إلى استمرار الحبس لعامين آخرين بتهمة ارتكاب جريمة داخل محبسه!
وفي حالة محمود حسين، وبعد عامين من الحبس الاحتياطي، صدر قرار قضائي بإخلاء سبيله، ليتم سجنه من جديد، وتجديد حبسه على مدد عامين آخرين، بقضية جديدة هي الاتصال بالجماعة الإرهابية من داخل محبسه!
وقد أغرى الحاكم العسكري لاتخاذ هذا الاجراء أن محمود حسين ليس صحافياً مسنوداً من الغرب الذي يخافه النظام العسكري في مصر، فيشعر تجاه اعتقاله الأمين العام للأمم المتحدة بالقلق، أو تضعه مجلة «تايم» على غلافها ضمن الشخصيات الأكثر تأثيرا في العالم، أو تمنحه منظمة «مراسلون بلا حدود» جائزة حرية الصحافة لهذا العام، أو لأي عام من الأعوام الأربعة الماضية، فيشعر الجنرال بأهميته لدى الفرنجة، كما حدث مع من هم أقل جدارة من محمود حسين في الانتماء للمهنة ومِن دفع ثمن الانتماء اليها.
لنا الله.
نهب تراث التلفزيون
ليس خبراً أن يقال إن تراث التلفزيون المصري تعرض للنهب، فهذا أمر شائع، وذائع، ومنشور، ومنذ سنوات، وقد كانت أصابع الاتهام توجه لقيادات بعينها من قامت بذلك، ولصالح قنوات خليجية معروفة بالاسم والرسم!
وبين الحين والآخر يتذكر الرأي العام ذلك، في ملف المنشور منه ليس أكثر من عناوين لبعض الصحف، لكن الاتهام يوجه تلميحاً، وبذكر أوصاف للصوص لا تنطبق إلا عليهم، وقد أعيد نشر اسم فنانة ومقدمة برامج الآن باعتبار أن زوجها هو أحد المتورطين في هذه العملية، فمن يكتبون على السوشيال ميديا، ليسوا ملتزمين بقواعد مهنة الصحافة، التي تلزم الصحافي بألا يوجه الاتهام إلا بناء على وثائق، وهل يجوز في عمليات السرقة أن يسرق السارق بمستند وأن يبيع البضاعة بفاتورة؟!
لكني أتذكر وقائع النهب هذه من خلال الإحساس بالفقر الذي تعاني منه قناة ماسبيرو زمان، والتي تعيد بث كثير من البرامج لأكثر من مرة، وكذلك المسلسلات والأعمال والدرامية، وحالياً وعندما يذاع مسلسان سبق إذاعتها لأكثر من مرة في فترات زمنية متقاربة فلابد من تذكر عملية النهب هذه!
فماسبيرو زمان تذيع مسلسل «بلاغ للنائب العام» بطولة كرم مطاوع وشيريهان، كما تذيع مسلسل «عيون» بطولة فؤاد المهندس ويونس شلبي، وقد سبق إذاعتهما لأكثر من مرة، رغم تساهل القناة في مفهوم «زمان» فتحسب «أميرة عبد العظيم» مثلا على «زمان» رأسها برأس «ليلى رستم» و»سلوى حجازي»!
اللافت هنا أنه على الرغم من النشر عن النهب لمكتبة التلفزيون وتراثها، فإنه لم يفتح التحقيق حول ما ينشر، وما يتردد بقوة وبالتفاصيل، ولم يهتم وزير الإعلام حينذاك بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في الأمر كما لو كان متورطا في هذه العملية، مع أن اسمه لم يتردد في ذلك وإن ترددت أسماء كبيرة دونه!
واللافت أيضاً أن هذا التراث لم نشاهده في القنوات الخليجية التي تم توجيه الاتهام اليها، كما لو كان النهب استهدف تدمير هذا التراث وليس استخدامه.
عندما يحكم مصر نظام وطني سنطلب بلجنة تقصي حقائق حول ذلك، ولا تقل ولماذا لم تطالب الإخوان بذلك في سنة حكمهم، فثقافة وزير الإعلام التلفزيونية حينذاك كانت قد توقفت عند البرنامج الإذاعي «ع الناصية» والمذيعة الراحلة «أمال فهمي»!
وسوم: العدد 908