لا يمكن ولا يعقل أن يحمّل الإسلام مسؤولية الخروج عن تعاليمه من طرف أفراد أو جماعات
من الأخطاء الشائعة التي درج الناس عليها منذ زمن بعيد ،ولا زالوا كذلك إلى يومنا هذا ، وسيستمرون على ذلك حتى قيام الساعة تحميل الإسلام خروج من ينتسبون إليه سواء كانوا صادقين في انتمائهم إليه أم كانوا مجرد مدعين غير صادقين عن تعاليمه الواضحة التي تنطق بها نصوص القرآن الكريم ونصوص حديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .
ومعلوم أن كل إنسان يعلن إسلامه يكون بالضرورة ملزما بالتزام تعاليمه كاملة . وكل زيغ أو انحراف عنها يصدر عنه يتحمل هو وحده مسؤوليته ، ولا يتحملها دين الإسلام .
ولقد سجل التاريخ منذ فجر الإسلام أشكالا من الخروج عن تعاليمه من طرف أفراد أو جماعات ، وخاض الناس في ذلك كل خوض، وكانوا في ذلك صنفين : صنف يرى الإسلام بريئا من خروج من خرجوا عن تعاليمه ، وصنف آخر يحمله مسؤولية ذلك افتراء عليه .
ولا توجد فترة تاريخية كثر فيها الافتراء على الإسلام كهذه الفترة التي تعيش فيها اليوم ، ذلك أن كل فعل مخالف لتعاليمه يصدر عن أفراد أو جماعات تدعي الانتساب إليه يحمّله بعضهم مسؤوليته ، بل قد يتعدون ذلك إلى إدانة تعاليمه وتجريمها والمطالبة بتعطيلها ... إلى غير ذلك من أشكال وأساليب الاتهام .
ومن أسباب الوقوع في هذا الخطأ الصارخ الجهل بهذا الدين من خلال الجهل بمصدريه قرآنا وسنة ، ذلك أن نصوصهما هما المعياران اللذان يقاس بهما مدى التزام المنتمين إلى الإسلام بتعاليمه أو خروجهم عنها . ومعلوم أنه لا يمكن أن يقاس هذا الدين بسلوك ومواقف الأفراد والجماعات المنتمين إليه بل سلوكهم ومواقفهم هي التي تعرض على نصوصه قرآنا وسنة للحكم على موافقتها لتعاليمه أو مخالفتها لها .
ومن العبث أن يذهب البعض إلى الحكم على الإسلام بما يقع فيه أفراد أو جماعات من مخالفة لتعاليمه ، وكأن هؤلاء المخالفين لتعاليمه أوصياء عليه ، وأنهم أصحاب الكلمة الفصل في ذلك . وأكثر من ذلك عبثا أن يدعي المخالفون لتعاليمه أنهم على الحق المبين والصراط المستقيم ، فيعطون بذلك فرصة لمن يستهدفونه للطعن فيه واتهامه بما ليس فيه ،وما لا يتحمل مسؤوليته من زيغهم عنه.
ولقد بيّن رسول الله صلى الله عاليه وسلم كيف يكون الانضباط بتعاليم القرآن الكريم وسنته المشرفة في حديثه المشهور الذي يقول فيه : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيّه " ،وصيغة كلمة " تمسّك " وهي " تفعّل " تدل على تكلّف المسك ، والتمسّك عبارة عن تعلّق ، وتشبّث ،وارتباط ،والتصاق ، وكلها معان تدل على الملازمة . ولقد سبقت الإشارة إلى الضلال في هذا الحديث الشريف قبل الأمر بالتمسّك ، الشيء الذي يعني أن ترك التمسك بالكتاب والسنة يوقع بالضرورة في الضلال . والضلال عبارة عن عدول عن الاستقامة سواء كان ذلك عمدا أم سهوا أو كان قليلا أو كثيرا .
وباعتبار هذا الحديث الشريف فإن كل من تعمّد أو سها عن الالتزام بتعاليم القرآن الكريم والسنة المشرفة ،يكون معرضا لضلال كثير أو قليل حسب مقدار تعمده أو سهوه عن الالتزام المطلوب منه بموجب نصوصهما .
وعلى غرار ما يحصل في القوانين الوضعية من تخطئة لكل من يخالفهما ، فإن الأمر كذلك في شريعة الله عز وجل إلا أن البعض يقرّون بتخطئة القوانين الوضعية لمن يخالفها ، ولكنهم في المقابل لا يرون بأسا في مخالفة شرع الله عز وجل ، ومنهم من إذا سجلت عليه مخالفة الشرع كتابا وسنة يكون رده بقوله : هذا بين وبين خالقي ، ولا دخل لأحد فيه، لكنه في المقابل يقر بمخالفته للقوانين الوضعية ، ولا يحاول أن يبرر مخالفتها ، ويرضى بما تصدره من أحكام عليه ويقبلها إما مكرها مستسلما أو راضيا.
ومن العناد والمكابرة أو يذكّر منتسب إلى الإسلام بمخالفته لتعاليمه جهارا نهارا كما يقال، وذلك من خلال أدلة ناطقة وشاهدة من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهي غير قابلة لتأويل ، ومع ذلك يتولى مستكبرا كأن لم يسمعها أو كأن في أذنيه وقرا. وقد يعود تذكيره على من يذكّره بعواقب وخيمة خصوصا إذا كان المذكّر ـ بفتح الكاف ـ ممن لا يقبل تذكيرا ولا نصحا ، ويتعالى عليهما . ولقد تعالى أمثال هذا على تذكير ونصح رسل الله وأنبيائه صلواته وسلامه عليهم أجمعين وبطشوا ببعضهم بسبب ذلك ، كما تعالى غيرهم على تذكير ونصح أهل العلم عبر التاريخ وبطشوا ببعضهم أيضا .ولا زال هذا دأب من لا يقبلون ،ولا يرضون بتذكير أو نصح يردهم عن مخالفة تعاليم الإسلام ، وينجيهم من الضلال المبين .
وليس من المعقول ، ولا من العدل، ولا من الانصاف، ولا من الموضوعية أن يحمّل الإسلام مسؤولية من يخالفون تعاليمه أفرادا أو جماعات ،لأن كلا بما كسب رهين في دين الله عز وجل .
وسوم: العدد 909