سوريا العربية الحديثة الجزء الرابع
الدول الناهضة اقتصاديا والاستفادة من تجاربها
اولاً - تركيا
اعزائي القراء
من خلال ثلاث اجزاء سابقة حول موضوع سورية العربية الحديثة شرحت خلالها الخطوات الأولى
التي نبدأ بها حياتنا السياسية والاجتماعية بعد استلام امورنا بانفسنا وانتقالنا لمرحلة سياسية واجتماعية وقانونية واقتصادية وامنية جديدة من خلال نظام ديموقراطي جميعنا مسؤول أمام القانون بطريقة جدية لا تحايل فيها ، وليس على طريقة حكام العرب وعلى رأسهم بشار البهرزي في خطبهم العصماء الموجهة لنا بمناسبة او بغير مناسبة وهم يتحفوننا بقولهم ( مافي حدا فوق القانون الكل تحته)
ولكن مانجده ان كل الحكام العرب وجماعاتهم الفاسدون المقربون لهم نصبوا مقاعدهم فوق طاولة القانون يعقدون صفقاتهم المشبوهة عليها ولا سائل ولا مسؤول. باختصار شديد امامنا ثلاث حالات لدراستها.
الاولى الحالة التركية والثانية الحالة الماليزية والثالثة الحالة الكورية الجنوبية .
وقد اخترت هذه الدول لان ظروفها التاريخية الى حد ما متشابهة مع ظروفنا، يعني دول كانت "على قد الحال " ثم نهضوا بعد أن خططوا لمستقبلهم بإسلوب سليم واتخذوا اسلوب المحاسبة والديموقراطية طريقاً لهم فقاد مسيرتهم شخصيات واعية وطنية مخلصة نظيفة الجيب والسمعة متدرجين في عالم السياسة وهذا اول دروس النجاح.
تعالوا ندرس الحالة التركية
تركيا دولة مجاورة لنا ، جمعنا معها تاريخ مشترك طويل إضافة إلى أننا من اصحاب عقيدة واحدة ، ابتليت الامبراطورية العثمانية باواخر عهدها بضعف شديد وهذا يحصل عندما تصبح الدولة اداة بيد دول قوية متنفذة لجرها الى الفوضى والضعف والتفكك ، فجرت معها كل الدول التي كانت جزءاً من امبراطوريتها ، ليستلمها الديكتاتوريين بدعم غربي بقيادة كمال اتاتورك والذي اراد ان يبرهن للغرب ان تركيا الجديدة هي جزء منهم فتفنن باقتباس كل ماهو غربي المظهر وليس غربي الجوهر ، وادخله في الحياة التركية واكثر من ذلك ادار وجه تماثيله باتجاه الغرب تعبيراً عن الولاء لهم ، فرض اتاتورك اسلوبه الجديد على الشعب التركي فرحبت شرائح عديدة باسلوب حكمه، وكان اسلوباً جديداً يعتمد على الخطب الرنانة وكريزما القيادة فقط ، وهذا الاسلوب اتخذه حكامنا طريقا لهم ومازالوا عليه.
فكل ما تحقق في عهد اتاتورك كان انضباطاً شعبياً - و ولاءاً للغرب- وديموقراطية خادعة حتى ان قانوناً صدر بفرض عقوبة السجن لكل من ينتقد اتاتورك او سياسته - مع تأسيس جيش قوي الغاية منه الوقوف على جبهة البحر الاسود ضد السوفييت بأوامر غربية لقاء رضاء غربي بمحاربة الدين بطريقة ناعمة.
وبعد زوال أتاتورك توالى على حكم تركيا انظمة بين حكم عسكري وحكم نيابي مقنع، القيادة فيه لجنرالات تركيا المفروضين من الغرب .
وفي اواخر الخمسينات واوائل الستينات استطاع عدنان مندريس وهو من مؤسسي حزب الديمقراطية رابع حزب معارض ينشأ بصفة قانونية في تركيا. وأول زعيم سياسي منتخب ديمقراطياً في تاريخ تركيا فاستبشر الاتراك به خيراً فتجاوب مع مطالبهم في اعادة فتح الجوامع والاذان باللغة العربية الامر الذي لم يرق للغرب ولا لسلطة الانقلاب العسكري ، فأُعدِم شنقاً مع اثنين من أعضاء مجلس وزرائه في 17 ايلول / سبتمبر 1961 في جزيرة ببحر مرمرة . وهو أوّل رئيس وزراء يعدم في تركيا.
في نفس الفترة كان هناك مثقف آخر نظيف الجيب وطني التوجه انه البروفسور نجم الدين اربكان استاذ الالات الحرارية ومحركات الديزل في كلية الهندسة الميكانيكية بجامعة استنبول " كان اخي المهندس غسان طالباً عنده "
كان رجلاً مثقفاً وطنياً حتى العظم حاصل على الدكتوراه من جامعة آخن الألمانية في هندسة المحركات عام 1956. عمل أثناء دراسته في ألمانيا رئيساً لمهندسي الأبحاث في مصانع محركات "كلوفز - هومبولدت - دويتز" بمدينة كولونيا. وقد توصل أثناء عمله إلى ابتكارات جديدة لتطوير صناعة محركات الدبابات التي تعمل بكل أنواع الوقود. حين عاد إلى بلاده كان أول ما عمله ولم يزل في عامه الثلاثين تأسيس مصنع "المحرك الفضي" مع نحو ثلاثمائة من زملائه. وقد تخصص هذا المصنع في تصنيع محركات الديزل ، وبدأ إنتاجها الفعلي عام 1960 ، ولا تزال هذه الشركة تعمل حتى الآن، وتنتج نحو ثلاثين ألف محرك ديزل سنوياً.
اذن نستطيع القول ان بداية النهضة الحقيقية في تركيا بدأت مع رجل علمي وطني وضع اولى بصماته على الاقتصاد.
بدأ أربكان حياته السياسية بعد تخرجه من كلية الهندسة، وأصبح رئيساً لاتحاد النقابات التجارية ثم انتخب عضوا في مجلس النواب عن مدينة قونية، لكنه منع من المشاركة في الحكومات المختلفة بسبب نشاطه المعادي للاتاتوركية، وقد قطع أشواطًا كبيرة في طريق التحول الديمقراطي والشفافية ومكافحة الفساد. كما تمكّن من السيطرة على التضخم المالي الذي كان مشكلة مزمنة أعيت الحكومات السابقة عقودًا طويلة، وكان ذلك يؤثر سلبًا في اقتصاد البلاد وحالة المجتمع النفسية. وأُجري تخفيض نسبة الفوائد في مديونية الدولة، وشهد الدخل الفردي زيادة ملحوظة. وبُنيت السدود والمدارس والمساكن والطرق والمستشفيات ومحطات الطاقة... وغيرها بسرعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ تركيا. فانتقلت البلاد من بلد تستورد البن من سوريا و البسة الباليه والاقمشة والاحذية من اسواق حلب الى تصنيعها وتصديرها والزيادة عليها بمنتجات راقية .
لن اطيل في شرح حياة هذا الاقتصادي الكبير فقد تخللها نجاحات كبيرة استلم خلالها مناصب وزارية هامة كما شغل منصب نائب رئيس وزراء ، ومن جهة اخرى تعرض لحرب من اعدائه ادخلته السجون مرات عديدة ليخرج في كل مرة اكثر قوة ليؤسس حزباً جديداً اكثر نجاحاً.
ترك البروفسور اربكان السياسة وكان عمره وقتها 77 عاما.
خرج أربكان من العمل السياسي الفعلي ولكن خطه مازال مستمراً وقوياً ، فحمل الراية من بعده رجال من مدرسته واهمهم الرئيس رجب طيب اردوغان
ولد رجب طيب أردوغان في 26 شباط / فبراير عام 1954 بمدينة إسطنبول وهو متزوج وأب لأربعة أبناء.،
التحق أردوغان بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية بجامعة مرمرة، وتخرج فيها عام 1981.
عُرِف السيّد أردوغان باهتمامه بصلب الحياة الاجتماعية والسياسية وانشغاله بها منذ ريعان شبابه؛ حيث تعلّم روح العمل الجماعي والانضباط بالعمل في الفترة ما بين 1969 و1982، وفي هذه الفترة ايضاً بدأ اهتمامه الجادّ بقضايا بلاده وما تعاني منه من مشكلات إجتماعية و اقتصادية وأيقن أنّ نفعه الكبير لمجتمعه وبلده لا يتم إلا بالولوج في الحياة السياسية، فدخلها بقّوة وصورة فعّالة.
بدأ رجب طيب أردوغان يتولى دورًا بارزًا في المنظمة الطلابية للاتحاد الوطني للطلبة الأتراك والمنظمات الشبابية. ففي سنة 1976 انتُخِب رئيسًا للمنظمة الشبابية لحزب السلامة الوطني بمنطقة بايوغلو التابعة لمدينة إسطنبول. وفي السنة نفسها صار رئيسًا للمنظمة الشبابية في مدينة إسطنبول. وبقي أردوغان في هذين المنصبين وغيرهما إلى عام 1980 ثم عضوًا في اللجنة الإدارية للقرارات المركزية لحزب الرفاه عام 1985. وفي أثناء رئاسته لفرع حزبه بمدينة إسطنبول وضع هيكلًا تنظيميًّا جديدًا للحزب،..
وكان ذلك بمثابة نموذج مثالي لسائر الأحزاب السياسية أيضًا. بذل أردوغان في تلك الفترة جهودًا سياسية كبيرة، ولاسيّما في تشجيع ضمّ النساء والشباب إلى السياسة؛ إذ اتخذ خطوات مهمّة في نشرها في أصول المجتمع، وتبنيها من الكتل الشعبية. وكان لهذا التنظيم الجديد فضلًا ظاهرَا على حزب الرفاه الذي حقق نجاحًا كبيرًا في انتخابات بايوغلو المحلية عام 1989، كما أصبح نموذجًا يحتذى به في فعاليات الحزب على الصعيد الوطني.
انتُخِب رجب طيب أردوغان رئيسًا لبلدية إسطنبول المدينة الكبرى في الانتخابات المحلية التي أجريت في 27 آذار (مارس) 1994 والتي كانت منهارة والديون تحيط بها من كل جانب بسبب الفساد ، فتمكن من وضع تشخيص صحيح للمشكلات المزمنة لهذه المدينة التي تُعَدّ إحدى أهم المدن الكبرى في العالم، إذ أوجد لها حلولًا سريعة وناجحة؛ بفضل خبرته السياسية واهتمامه بالعمل الجماعي والموارد البشرية وحنكته في إدارة الأموال. وتمكّن من حل كثير من مشكلات هذه المدينة الكبيرة جدًّا، منها: مشكلة المياه بمدّ أنابيب المياه لمسافات طويلة بلغت مئات الكيلومترات، ومشكلة النفايات بنصب أحدث المنشآت لتدويرها، ومشكلة التلوث بمشروع الانتقال إلى استهلاك الغاز الطبيعي. وقام أردوغان كذلك بإنشاء أكثر من 50 جسرًا ونفقًا وطريقًا سريعًا لتجاوز معضلة المرور والتنقل في المدينة، وافتتح اكثر من مائة مصنع منتج ، وتوجه إلى مشاريع أخرى كثيرة فتحت آفاقًا مستقبلية للمدينة. واتخذ أردوغان تدابير دقيقة لاستثمار موارد البلدية بحكمة والقضاء على الفساد، وتمكن عند توليه منصب الرئاسة من تسديد جلّ ديون البلدية التي كانت تقرب من ملياري دولار أمريكي، ثمّ قام باستثمارات ضخمة بلغت قيمتها 4 مليارات دولار، وبذلك فتح أردوغان صفحة جديدة في تاريخ البلديات التركية فتبنت البلدية تدريس 2000 طالباً جامعيا على نفقتها، فنال ثقة السكان من جهة، وأصبح مثالًا متبعًا وقدوة حسنة لرؤساء البلديات الأخرى من جهة ثانية.
وفي 12 كانون الأول (ديسمبر) 1997 حُكِم على رجب طيب أردوغان بالسجن بسبب مقطوعة شعرية أنشدها في أثناء إلقائه خطابًا أمام الجماهير في مدينة سيرت، وفُصِل من رئاسة بلدية إسطنبول المدينة الكبرى، رغم أن الشعر الذي قرأه ورد في كتاب صادر عن إحدى المؤسسات الحكومية، وأوصت وزارة التربية الوطنية التركية المعلمين به.
بعد خروج رجب طيب أردوغان من السجن الذي حُبس فيه 4 أشهر، قرّر مع أصدقائه تأسيس حزب العدالة والتنمية في 14 آب (أغسطس) 2001 نتيجة إصرار الرأي العام والتطورات الديمقراطية في البلاد، واختير رئيسًا للحزب من اللجنة التأسيسية. في السنة الأولى من تأسيس الحزب تحول إلى حركة سياسية نالت تأييدًا شعبيًّا واسعًا. وبناء على ثقة الشعب وتعلقه بهذا الحزب الجديد تمكّن من الفوز في الانتخابات التشريعية عام 2002، بنيل ثلثي مقاعد البرلمان، وهذا ما جعله مؤهلًا لتشكيل الحكومة بمفرده.
وفي 15 آذار (مارس) 2003 تولّى رجب طيب أردوغان منصب رئاسة الوزراء، وشرع في تنفيذ حزم إصلاحية حيوية ومهمّة، من أجل تحقيق حلمه المتمثل في تنمية مستديمة لتركيا. وقد قطع أشواطًا كبيرة في طريق التحول الديمقراطي والشفافية ومكافحة الفساد. كما تمكّن من السيطرة على التضخم المالي الذي كان مشكلة مزمنة أعيت الحكومات السابقة عقودًا طويلة، وكان ذلك يؤثر سلبًا في اقتصاد البلاد وحالة المجتمع النفسية. وأعادَ للعملة التركية سمعتها بإزالة ستة أصفار منها. وأُجري تخفيض نسبة الفوائد في مديونية الدولة، وشهد الدخل الفردي زيادة ملحوظة ودعم برنامج الرعاية الاجتماعية والتأمين الصحي. وبُنيت السدود والمدارس والمساكن والطرق والمستشفيات ومحطات الطاقة... وانجز بناء اكبر مطار في العالم وتحديث الجيش التركي باعتماده على تصنيع محلي متقدم بلغت نسبته 80% كما بدأت معامله بتصنيع قطع غيار حتى لطائرات روسية وحول تركيا الى دولة سياحية من الطراز الاول كل ذلك تم بسرعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ تركيا. إنّ هذه التطورات الإيجابية جعلت بعضَ المراقبين الأجانب والزعماء الغربيين يصفونها بـ"الثورة الصامتة".
اعزائي القراء
لم تنطلق ثورة الاقتصاد التركي عشوائيا. بل كانت مبنية على:
- علم
- نظافة جيب وسمعة متميزة
- ثقافة واسعة
- تدرج في المناصب السياسية والاقتصادية وليس باحضار اناس لم نسمع بهم بعالم السياسة والاقتصاد ولكنهم ذو سمعة متميزة في عالم الفساد
- اختيار مساعدين نظيفين
- وضع برامج اقتصادية مدروسة
- بناء نظام ديموقراطي وقضاء عادل ومدارس وجامعات متطورة
هذا هو طريق النجاح
في الوقت الذي يحيط بسوريا الفساد من كل جانب والديكتاتورية ومخابراتها تلاحقنا حتى في دورات المياه .
وتلاميذ صغار يقفون بعز البرد والصقيع ليغنوا للضيف الكبير " زادك الله زادك الله"
وطلاب اكبر منهم يستقبلون مسؤولًا بالصراخ" "بالروح وبالدم نفديك يا اسد"
و رؤساء بلديات معينين تعييناً واطولهم بقاءا ً على الكرسي اشطرهم فساداً و افساداً وتوزيع الرشاوي على الكبار "بالعدل كل حسب منصبه"
لذلك كانت مقومات اقتصادنا مشاريع فاسدة واهمها زيادة في اعداد السجون
وتوريث حاكم قيل عنه انه متخصص بمعالجة العيون فاذا به متخصص بقلع العيون
وفوق ذلك حزب قائد شعاره " امة عربية واحدة" بينما كل اعداء العرب يتحكمون بسوريا الاسد
وهل ننتظر بعد ذلك نجاحاً؟
غداً موعدنا مع الطفرة الاقتصادية في ماليزيا
وسوم: العدد 909