أيهم أولى بالاهتمام دين ارتضاه الله للعالمين ووطن جامع لمختلف الهويات أم دعوة عرقية طائفية تفرق ولا تجمع ؟
بداية ودفعا لكل سوء ظن بهذا المقال أو بصاحبه أذكّر من لا يعرف هويتاي بعد الهوية الإسلامية الجامعة ، والهوية الوطنية الحاضنة أن هويتي العرقية بربرية أبا وأما وأجدادا ، ولا يمكن أن يزايد أحد عليّ في هذه الهويات الثالث التي أكرمني الله عز وجل بها.
وبعد ، دأب دعاة التطرف العرقي والطائفي عندنا كل عام في مثل هذا الوقت على تجديد الدعوة إلى ترسيم ما يسمونه تأريخا أمازيغيا ، علما بأن وراء هذا المطلب ما وراءه من سوء نية مبيتة ،ذلك أن وطننا قد رسم منذ زمن بعيد تأريخا هجريا خاصا بالأمة الإسلامية ، تلاه بعد ذلك تأريخ ميلادي عام بين أمم الأرض . ولو رضي دعاة التأريخ الأمازيغي بشرف الهوية الإسلامية الجامعة التي جمعت بين كل الأعراق والأجناس والألوان والألسنة كما هو واقع الحال لكانوا في غني عن دعوتهم .
ومعلوم أن التأريخ مرتبط بأحداث ذات شأن بالنسبة لمن يختارون التأريخ بسببها . فشعوب المعمور على اختلاف معتقداتهم يعلمون أن التأريخ الميلادي مرتبط بمولد نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام الذي جعله الله سبحانه وتعالى آية للعالمين بخلقه من غير أب خلافا للناس أجمعين . كما أن المسلمين في كل بقاع العالم يعلمون أن التأريخ الهجري مرتبط بهجرة خاتم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . فما هو الحدث الذي ارتبط به التأريخ الأمازيغي عند المطالبين به ؟ أي نبي ولد فيه ؟ أو أي نبي بعث فيه ؟ أو أي نبي هاجر فيه ؟ فإذا قيل إن الحدث الداعي لاعتماد هذا التأريخ هو وجود جنس بشري في هذا الوطن، قلنا إن أجناسا أخرى قد وجدت فيه ،ولم نسمع بمطالبتها باعتماد أو ترسيم تأريخ وجودها كما هو شأن اليهود عندنا الذين لا يؤرخون بوجودهم في هذا الوطن بل يؤرخون بحدث مرتبط بدينهم ، أو كما هو شأن العرب الذين لا يؤرخون بوجودهم فيه بل يؤرخون بهجرة نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام، وهو تأريخ إسلامي لا علاقة له بهوية جنسية أو عرقية .
ولو كانت أمم الأرض تؤرخ بوجودها في أول وجود لها في أوطان معينة لطالبت كل شعوب العالم الحالية بالتأريخ العرقي لما كان عليه الحال العرقي في أوطانها في الزمن البعيد حيث يطالب على سبيل المثال المصريون بالتأريخ الفرعوني ، واللبنانيون بالتأريخ الفينيقي ، والعراقيون بالتأريخ السومري أو الآشوري أو البابلي ، والعرب بتأريخ عاد أو ثمود ...
إن المطالبة بترسيم التأريخ الأمازيغي ليست بريئة بل وراءها ما وراءها مما يبيّت لهذا الوطن من تفكيك لشعبه على أسس عرقية هي في الحقيقة هويات مختلفة ومجتمعة تحت هوية دينية إسلامية جامعة ، وهوية وطنية حاضنة ، ولا فضل فيهما لهوية عرقية على أخرى .
ولقد حسم الإسلام في موضوع الهويات العرقية التي جعلت للتعارف بما تدل عليه هذه الكلمة من معرفة كل طرف من المتعارفين بالآخر، والتعامل معه بالمعروف ،وهو الخير الذي سمي كذلك لأنه يعرف ، وهذا ما جاء في قول الله تعالى مخاطبا كل البشر على اختلاف هوياتهم العرقية : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)) .إن أصل البشرية واحد من منظور الله عز وجل ، وهويتاتهم العرقية هي من جعل الله تعالى لغاية التعارف ، أما التفاضل عنده سبحانه وتعالى، فيكون بالتقوى لا بالهويات العرقية. ولقد نهى نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام عن الدعوات إلى الهويات العرقية واعتبرها دعوة جاهلية يوم كسع غلام من المهاجرين آخر من الأنصار ـ أي ضربه برجله على مؤخرته ـ ،فتعالت أصوات الهويتين القبليتين ، فقال بعضها : " يا للأنصار" ، وقال بعضها : " ياللمهاجرين " ،فسمع عليه الصلاة والسلام ذلك فقال : " ما بال دعوى الجاهلية " ثم قال بعد ذلك : " دعوها فإنها منتنة " أي عفنة وفاسدة ومستقبحة .
فكيف تعود اليوم دعوى الجاهلية عندنا بقدح زنادها من خلال دعوات طائفية وعرقية بعد مرور خمسة عشر قرنا على تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ؟
ومعلوم أنه قد تعايشت الهويات العرقية المختلفة الموجودة في بلادنا لقرون طويلة دون أن نسمع بمثل هذه الدعوات العرقية التي يرفعها البعض وقد وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوى الجاهلية ، فما الذي جدّ ،فدعا إلى النفخ فيها في هذا الظرف بالذات ؟ أليس وراء ها ما وراءها من رغبة في تفكيك عرى الأخوة الإسلامية ، والنيل من الانتماء إلى الوطن الواحد الذي تجمع بين أفراده هوية إسلامية جامعة ، وهوية وطنية حاضنة ، وقد اختلطت فيما بينهم الهويات الأخرى عرقية ولسانية وثقافية اختلاطا اغتنت به جميعها دون أن يزايد أصحابها بعضهم على بعض ، وقد جعلتهم الهوية الإسلامية الجامعة والهوية الوطنية الحاضنة سواسية كأسنان المشط ؟
وفي الأخير ندعو الأكياس العقلاء من كل هوية عرقية في هذا الوطن الغالي أن يعملوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويدعوا دعوى الجاهلية بترك النفخ في النعرات العرقية المفرقة والمشتتة للوحدة الجامعة دينا ووطنا .
وسوم: العدد 912