مزادات علنية بقرارات أمنية: الاعتداء على الملكية شمال غرب سوريا بغطاء الاستثمار
إدلب- فيما يعجز أحمد الحسن (اسم مستعار) عن تأمين قوت يومه في مكان نزوحه بمخيمات أطمة على الحدود مع تركيا شمالاً، تذهب خيرات أرضه في مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، ومساحتها تسعة دونمات، إلى شخص آخر استثمرها بموجب مزاد علني طرحته الرابطة الفلاحية التابعة لنظام بشار الأسد.
تضم أرض الحسن 150 شجرة فستق حلبي، كانت تعود على صاحبها بنحو 2,500 دولار سنوياً. لكن في تشرين الأول/أكتوبر 2020، وقع الحسن ضحية قرار اللجنة العسكرية والأمنية بمحافظة حماة، تم بموجبه طرح الأراضي "العائدة لأشخاص مقيمين خارج أراضي سيطرة الدولة الوطنية السورية، والمتواجدين في الأراضي التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة" في مزاد علني للاستثمار، ولموسم واحد، كما جاء في الإعلان الذي حصلت "سوريا على طول" على نسخة منه.
وقف الحسن "عاجزاً عن فعل أي شيء" حيال خسارته لأرضه، إذ "لا أستطيع العودة إلى المدينة، ولا الاعتراض على القرار"، كما قال لـ"سوريا على طول". وفيما كان ينفق على عائلته المكونة من ثمانية أشخاص، من مردود الأرض التي ورثها من أبيه، فهو حالياً يعيش "على السلة الغذائية الشهرية التي أحصل عليها في المخيم".
اعتداء على الملكية
فياض الرجب (اسم مستعار)، واحد من عشرات المزارعين السوريين المهجّرين قسرياً الذين خسروا أراضيهم الزراعية بموجب تلك المزادات "التعسفية" كما وصفها لـ"سوريا على طول". معتبراً أنها "سرقة متنفّذ لحق مهجّر لا يملك من أمره شيئاً".
نزح الرجب مع عائلته المكونة من ثمانية أشخاص من مدينة حلفايا بريف حماة الشمالي، في العام 2018، إلى مخيم الخليل في أطمة، تاركاً خلفه أرضاً مساحتها 15 دونماً "تصلح للزراعة المروية، وتدرّ عليّ دخلاً يصل إلى 4,000 دولار سنوياً"، إلى أن خسرها لصالح شخص "استثمرها [بموجب] أحد المزادات العلنية"، كما أوضح الرجب الذي يعمل حالياً في محل لبيع الألبسة المستعملة (البالة)، حيث يقيم.
ووثق تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان في 11 شباط/فبراير الحالي، ما لا يقل عن 22 إعلاناً لمزادات علنية، شملت أراض في نحو 134 قرية وبلدة في محافظة حماة، و88 قرية وبلدة في محافظة إدلب، بمساحة إجمالية تبلغ نحو 400 ألف دونم. وهي عبارة عن أراض زراعية تنتج محاصيل متنوعة، من قبيل القمح، والشعير، والبطاطا، والزيتون.
ولفتت "الشبكة" إلى أن المزادات العلنية التي أعلن عنها النظام عبر لجانه الأمنية، تشكل انتهاكاً سافراً لحقوق الملكية التي نص عليها الدستور السوري في مادتيه 768 و770. إذ تنص المادة الأولى على أن "لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، حق استعماله، واستغلاله والتصرف فيه". فيما تنص الثانية على حق المالك "في كل ثماره ومنتجاته وملحقاته ما لم يوجد نص أو اتفاق يخالف ذلك".
في هذا السياق، اعتبر عضو هيئة القانونيين السوريين، المحامي عبد الناصر حوشان، أن "الأصل في هذه المزادات أنها غير دستورية وغير قانونية"، لأن الدستور، كما قال لـ"سوريا على طول"، "يحمي الملكية الخاصة أو حق الانتفاع بثمارها، ولا يجيز الاعتداء عليها إلا للمنفعة العامة" شريطة أن يكون ذلك "بقرار قضائي، ومقابل تعويض، وما دون ذلك يعدّ تعدياً سافراً على حقّ الملكية".
ورغم أن بعض المزادات العلنية الأخيرة بشأن الأراضي الزراعية في ريفي إدلب وحماة، أدرج تحت بند تحصيل الديون من الأعضاء المدينين لصالح المصرف الزراعي، إلا أنه لا يحق لأي جهة غير الدائن طلب الحجز أو التنفيذ الجبري، بحسب ما أوضح حوشان، ما يعني بطلان هذه المزادات كونها تخالف نص المادة 15 من قانون المصرف الزراعي التعاوني، والتي حددت آلية تحصيل المصرف لأموال القروض والمعاملات وفقاً لقانون جباية الأموال العامة. كما أن القانون ذاته في المادة 9 منه يخوّل وزير المالية فقط إصدار قرار تنظيمي بتحديد أصول اتخاذ قرار الحجز وتنفيذه وبيع العين المحجوزة.
وإضافة إلى ذريعة تحصيل الديون، فإن ريع أراض أخرى، مزروعة بأشجار الفستق الحلبي بريف حماة الشمالي، عاد لصالح صندوق دعم الشهداء التابع للمكتب الفرعي للهيئة المركزية لدعم ومتابعة أوضاع أسر الشهداء في محافظة حماة، والتابع بدوره لفرع حزب البعث في المحافظة، كما نشر الحزب.
أراضي الإصلاح الزراعي
ورث ابن مدينة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، أحمد الحسن، أرضه الزراعية عن والده، الذي استملكها بدوره بموجب قانون الإصلاح الزراعي رقم 161 للعام 1958، والذي وضع سقفاً لملكية الأراضي المروية والبعلية، على أن تستولي الدولة على ما يفوق ذلك وتوزعها "على الفلاحين بحيث يكون لكل منهم ملكية صغيرة لا تزيد عن 8 هكتارات في الأراضي المروية أو المشجرة ولا عن 30 هكتاراً في الأراضي البعلية التي يزيد معدل الأمطار فيها عن 350 مم، ولا عن 45 هكتاراً في الأراضي البعلية التي يقل معدل الأمطار فيها عن 350 مم".
ورغم أن الحسن يملك ورقة إثبات ملكية (طابو) بالأرض التي ورثها عن أبيه، إلا أنه يتخوف من المساس بحق ملكيته للأرض الذي يعتبرها "جزءاً من حياتي. ورثتها وترعرعت فيها". في المقابل "لا أفكر ببيعها في هذه الظروف، لأنني لن أحصّل نصف قيمتها الحقيقية"، كما قال لـ"سوريا على طول".
في هذا السياق، أكد المحامي محمد العبدو، المقيم في إدلب، أن "حقوق المنتفعين من أراضي الإصلاح الزراعي مصانة وفق قانون الإصلاح الزراعي والقانون المدني السوري، باعتبارها حق انتفاع تحميه أحكام الحيازة". لافتاً إلى أن "القانون 61 لعام 2004 يحمي ملكية الورقة"؛ إذ بموجب المادة 1 من القانون المذكور "يعدّ المنتفع من أراضي الدولة (إصلاح زراعي أملاك دولة خاصة) مالكاً للأرض الموزعة عليه من تاريخ اعتماد التوزيع"، كما "بعد وفاة المنتفع تؤول ملكيته من أراضي الانتفاع إلى ورثته وفقاً لقوانين الإرث العامة، وتنتقل ملكيتها لأسمائهم في السجلات العقارية حسب نصيب كل منهم في الإرث".
ومن ثم، فإن أي مساس بملكية أصحاب أراضي الإصلاح الزراعي أو تجريد المنتفعين منها "هي عملية مصادرة حقوق تمتد إلى العام 1963، أي مع إحداث مؤسسة الإصلاح الزراعي المنصوص عليها بقانون الإصلاح الزراعي للعام 1958"، كما أضاف العبدو لـ"سوريا على طول".
لكن هذا لا ينفي وجود مخاطر تهدد ملكية المنتفعين بموجب قانون الإصلاح الزراعي، برأي حوشان، خاصة وأن "القانون يمنح وزارة الزراعة حق الحرمان وإعادة توزيع الأراضي". يعزز ذلك طرح الأراضي الزراعية للاستثمار في مزادات علنية من دون موافقة أصحابها، في انتهاك صارخ لحق الملكية.
الخروج بأقل الأضرار
كغيره من المزارعين في ريفي إدلب وحماة، عُرضت في مزاد علني أرض جمال البكري (اسم مستعار) في بلدة التمانعة بريف إدلب الجنوبي، والبالغة مساحتها 30 دونما مزروعة بالفستق الحلبي.
ورغم سيطرة قوات الأسد وحلفائه على بلدة التمانعة في آب/أغسطس 2019، فقد بقي البكري ينتفع من أرضه عبر أحد الأشخاص، بأن يدفع له مبلغ 80 ألف ليرة سورية (24.5 دولار أميركي بحسب سعر الصرف الحالي للدولار في السوق الموازية) عن كل دونم، كما أوضح لـ"سوريا على طول".
لكن بعد سياسة طرح الأراضي الزراعية للنازحين من شمال غرب سوريا في "المزادات العلنية"، وفي سبيل خروجه بأقل الأضرار، فقد لجأ، كما مزارعين آخرين من بلدة التمانعة نزحوا عن أرضهم، إلى "المشاركة في المزاد العلني عبر أشخاص مقيمين في مناطق النظام". وهو ما حصل أيضاً في "بلدة مورك، وقرى سكيك وسكيات وتل ترعي، حيث تشتهر زراعة الفستق الحلبي"، بحسب البكري.
ويشترط النظام على المتقدم لـ"المزادات العلنية" تقديم ورقة لا حكم عليه، وصورة عن الهوية الشخصية، إضافة إلى دفع سلفة مالية لدخول المزاد قيمتها 500 ليرة سورية عن كل دونم يريد المزايدة عليه.
وعليه، اتفق البكري مع شخص في مناطق سيطرة النظام للتقدم إلى المزاد، وتقاسم معه قيمة المبلغ المشروط. لكن ذلك سيعني أيضاً الحصول على "أقل من نصف ما كنت أحصل عليه في سنوات عملي في الأرض".
وفيما تقدر مساحة الأراضي التي سيطرت عليها القوات الحكومية، بمساندة روسيا والمليشيات الإيرانية، في شمال غرب سوريا، منذ مطلع العام 2019، بنحو 60% من الأراضي التي كانت تحت سيطرة المعارضة السورية، فإن نحو 2,300 كيلومتر مربع منها عبارة عن أراض زراعية.
وسوم: العدد 916