اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة: تهافت التهافت
حين يقرأ المرء قائمة أسماء المشاركين في اجتماع القاهرة لا يخالطه الشك في أن المشكلة الأساسية في الوضع الفلسطيني هي أن المجتمعين لحل مشكلة الوطن والقضية هم أنفسهم المشكلة. ولو غاب هؤلاء عن المشهد ربما نجد طاقة أمل في التقدم. ولا أقول هذا تشفياً- لا سمح الله- أو مناكفة بل أقوله بأمانة شخصية أدعيها. وللتدليل على ذلك لابدّ من أن نسوق مثالين لا غير لكي نرى السذاجة في اهتمامات المجتمعين حالياً في القاهرة.
بداية، لا أحد يعلم ما هي أجندة الاجتماع على وجه اليقين، ولكن قد رشح قبيل الاجتماع أن بنداً رئيسياً واحداً يتقدم جدول الاجتماع وهو وضع آلية لانجاح الانتخابات. هذه هموم المجتمعين، ليس إلاّ؛ هذه هي الأوجاع التي تقضّ مضاجع الفلسطينيين وحسب. هم لا يدرون أن الولايات المتحدة نقلت إسرائيل من مركزها في القوات الأمريكية في أوروبا، الى أن تكون جزءاً من القيادة الوسطى للقوات الأمريكية، اي أنها أصبحت بالتحالف مع القوات الإسرائيلية سلطة احتلال لفلسطين، بالإضافة للإقليم.
وقبل أسبوع من اجتماعكم العتيد أصدرت الغرفة التمهيدية لمحكمة الجنايات الدوليه قرارها بأن فلسطين دولة، وأن على المحكمة أن تحقق في الجرائم التي ارتكبت في أراضي دولة فلسطين وهي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقيه وقطاع غزة. لم يدرج هذا القرار في أجندة اجتماعات القاهرة للنظر في كيفية حمايته والاستفاده منه.
ولو تواضعنا قليلاً، وبحثنا في مسائل أقلّ تعقيداً من قيادة المنطقة الوسطى وقرار المحكمة الدولية، لسارعنا الى التساؤل لماذا انتخابات مجلس تشريعي ورئاسي، وفي الختام يتم ترتيب المجلس الوطني (ولم يذكر القرار الرئاسي «انتخاب» المجلس الوطني). وقبل الإجابة، لابدّ من استعادة تصريحات للاخ محمود عباس، وأيده في ذلك المرحوم الدكتور صائب عريقات، من أن السيد الرئيس لا يستطيع مغادرة منزله في رام الله لكي يصل الى مكتبه في المقاطعه الاّ بإذن من سلطة الاحتلال، وقد كرر ذلك المرحوم الدكتور عريقات. فهل يستساغ قبول فكرة أن الرئيس أصدر مراسيم رئاسية لاجراء انتخابات في الأراضي المحتلة دون التنسيق مع سلطة الاحتلال وأخذ موافقاته على ترتيب التصويت والاعلانات والمهرجانات والدعاية ووصول المراقبين الدوليين للتأكد من الحيدة والنزاهة؟ هل يُعقل أن تجري انتخابات في كل الأراضي المحتلة للشعب الواقع تحت الاحتلال دون استئذان صاحب السلطة الفعلية؟ وهل تمّ التنسيق مع الاحتلال فيما يخص أهالي القدس؟
استمر القتل والتنكيل بكل العناصر التي عارضت أوسلو، وهذا مناط الخلل الذي يسكن الشارع الفلسطيني أكثر مما هو الانقسام. لا جدال في أن الانقسام ضار، إلاّ أنه ضرر مشتق من الضرر الأصلي والأكبر وهو مسار أوسلو ونتائجه
وإذا وافقت إسرائيل على اجراء الانتخابات، بما في ذلك مشاركة عناصر من حماس والجهاد الإسلامي، فهل يعني هذا أن حماس استوعبت درس العام 2006، وبالتالي أصبحت الآن أكثر «واقعية»؟! وماذا يترتب على هذه الواقعية؟
والمأمول أن لا تبدأ حماس في عزف أناشيد الوطنية والوحدة لشعبنا وأن الانقسام أضرّ بالقضية الفلسطينية ويجب لمّ الشمل وترتيب البيت الداخلي، ذلك أن السؤال الذي يطرح عن هذا المسار هو هل الذي أضرّ بالقضية الوطنية هو الانقسام أم سلوك طريق أوسلو؟ يجب أن نستعيد قائمة الشهداء الذين قتلتهم قوات الأمن الفلسطيني في مسجد غزة وبلغ عددهم حوالي (17) شهيداً دفعة واحدة، وكان ذلك في العام 1994، اي قبل الانتخابات وقبل الانقسام، بل مباشرة بعد توقيع اتفاقية أوسلو الأولى واعلان المبادئ، وكانت تلك مظاهرة احتجاج على مسار أوسلو، ولم تدخل كلمة «انقسام» القاموس السياسي الفلسطيني بعد. واستمر القتل والتنكيل بكل العناصر التي عارضت أوسلو، وهذا مناط الخلل الذي يسكن الشارع الفلسطيني أكثر مما هو الانقسام. لا جدال في أن الانقسام ضار، إلاّ أنه ضرر مشتق من الضرر الأصلي والأكبر وهو مسار أوسلو ونتائجه.
إن الانتخابات ـ كما يقال عادة ـ هي اداة لتداول السلطة بحيث قد تؤدي النتائج الى ازاحة السلطة القائمه والاتيان بالسلطة التي حازت على أعلى الأصوات. او قد يحدث توافق بين جماعتين او اكثر لتشكيل حكومة ائتلافية. ولو فرضنا أن حماس هي التي فازت، أو أنها شكلت حكومة ائتلافية مع فتح بسبب أن الفريقين حازا على نسبة متقاربة من الأصوات. فاذا كانت حماس مصنّفة على أنها حركة ارهابية فكيف سيتم التعامل مع هذه الحكومة الجديدة.
وقد يقال إن القصد من الانتخابات هو في الواقع الانتخابات الرئاسيه لأن الاخ الرئيس يريد تجديد شرعيته بعد أن مضى عليها أكثر من خمسة عشر عاماً، مما يعني ان الشرعيه قد أصبحت – على رأي المرحوم ابو عمار- «كادوك». في الواقع، هذا سبب وجيه كما أنه صحيح القول إن الرئيس ابو مازن يريد أن يجدد شرعيته لكي يستطيع لقاء وجه الرئيس بايدن وهو يمسك شرعية متجددة. ونذكر أن الاخ الرئيس كان مبتهجاً لنجاح بايدن وانصراف ترامب، وقد أرسل رسالة تهنئه بمجرد أن أقسم بايدن اليمين.
ولا أريد أن أكون متشائماً، إلاّ أن على مستشاري الأخ الرئيس ابو مازن أن يقدموا له دراسة موثقة، وهي سهلة وفي متناول الباحث العادي، تقول إن المؤسسة الأمريكية لا تلدّ إلاّ عنصرياً امبريالياً منحازاً ضد العرب باعتبارهم من العالم الثالث. وما يؤيد هذا الرأي أنه منذ الرئيس ترومان، الذي اعترف بإسرائيل كدولة، مروراً بعشرة رؤساء أمريكيين بعده، لم يصدف وان اتخذ رئيس واحد خطوة أو اجراء لم يكن منحازاً فيه لإسرائيل ضد طموحات وحقوق شعبنا. فهل صدفة أنه خلال سبعة عقود لم يصدف وأن جاء رئيس أمريكي يصحح هذا المسار؟
إننا يا سيدي الرئيس نتمنى لك النجاح في الانتخابات القادمة، ان كانت تنافسية، او بالتزكية، لأننا لا نريدك فقط الرئيس الأوحد، بل نريدك كذلك الرئيس الأوعى!!
وسوم: العدد 916