تدريس اللغة العربية لا ينفصل عن القرآن الكريم
ما أندر أن نسمع خبرا عربيا يسر القلب ! والأخبار العربية السارة غالبا ما تكون كاذبة أو مغالى فيها . ومن الأخبار السيئة خبر من مصر جاء على لسان د. رضا حجازي نائب وزير التعليم المصرى عن توجه في مصر لإخلاء مبحث اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا من النصوص القرآنية . والمهم هنا في الإخلاء هو مبحث اللغة العربية لكون التاريخ والجغرافيا قلما يرد فيهما نصوص قرآنية . كيف تفكر وزارة تربية وتعليم عربية مسلمة في خطة كهذه ؟! أيجهل القائمون على شئونها عمق صلة القرآن باللغة العربية ؟! كيف يجهلون هذا والقرآن معجزة العربية الخالدة بصفته كلام الله _ تعالى _ والفرق بين كلامه _ جل قدره _ وبين كلام البشر هو الفرق بين ذاته وذواتهم ؟! وكيف يجهلونه وكل علوم العربية الأحد عشر ما كانت إلا في ظل القرآن ، ولتيسير فهمه واستكناه معانيه وأسراره البلاغية اللطيفة التي لم تُستكنه ، ولن تستكنه حتى آخر الزمان بوصف القرآن العظيم في هذه الأسرار كونا ناطقا يعادل في كثرة أسراره وبعد غورها أسرار الكون الطبيعي الصامت ، ويُقَرر في هذا المنحى أن القيامة ستقوم دون أن تفهم أسرار هذين الكونين . لا تعليم للغة العربية بمعزل عن القرآن ، وكل الضعف الذي نكبت به في عقودها الأخيرة نَبَتَ لتقليل نصيب القرآن في مناهج التعليم العربية حفظا وتفسيرا ، وفي بعض الدول العربية ، ومنها مصر ، لا يختبر طلاب الثانوية العامة في مبحث التربية الإسلامية ما حفزهم على إهمال هذا المبحث حتى في السنوات التعليمية السابقة على الثانوية العامة ، فأورثهم هذا الإهمال ضعفا مستعصيا في اللغة العربية امتد شره على المباحث الأخرى ، فمن لا يحسن العربية قراءة وكتابة وفهما وتعبيرا يصعب عليه فهم المباحث الأخرى المكتوبة بها . ومعروف أن صحة القاعدة النحوية يُستدل عليها بثلاثة شواهد : القرآن ، والحديث الشريف ، والشعر العربي حتى صدر الإسلام ، وتوقف الاستشهاد بالشعر العربي على صحتها منذ العصر الأموي ، واستثني شعر الفرزدق في ذلك العصر لغناه اللغوي الصحيح حتى قالوا : " لولا شعر الفرزدق لضاع ثلثا اللغة العربية " ، وفي رواية أخرى : " ثلثها " . لا تتكون ملكة العربي اللغوية القويمة إلا بالقرآن ، وكل كاتب عربي يرد في سيرته أنه حفظ القرآن في صغره يبهرنا أسلوبه بقوته وسلاسته وعذوبته ووضوحه وسحر إيقاعه ، ويمكن الاستدلال على أثر القرآن في أساليب الكتاب بأنواعهم ولو لم نقرأ في سيرتهم أي شيء عن صلتهم المبكرة أو المتأخرة بالقرآن، وتنطبق هذه الحقيقة على الكتاب العرب المسيحيين واليهود ، وكثير من هؤلاء الكتاب غير المسلمين لاذوا بالقرآن الكريم منجذبين بحلاوته وطلاوته وراغبين في تحسين أدائهم الأسلوبي . وحين اندفع حزب الاتحاد والترقي التركي في سياسة التتريك القومي واللغوي في مطلع القرن العشرين اندفع كتاب الشام وشعراؤه من المسيحيين لحفظ القرآن مرددين عبارة متحدية : " لستم أولى منا بالقرآن " . واشتكى شاعر عراقي يهودي لأديب فلسطيني من ضعف لغته الشعرية ، فنصحه بحفظ القرآن ، فتحسنت لغته تحسنا مشهودا . وأُثِر عن الكاتب الفلسطيني الراحل نقولا الدر مؤلف الكتاب المشهور عن فلسطين "هكذا ضاعت وهكذا تعود " أن القرآن الكريم كان لا يفارق مكتبه . اختلاف ديانة العربي لا يستوجب إقصاءه عن قراءة القرآن والإفادة منه في تحسين لغته وإثراء أسلوبه إن كان من أهل الكتابة في أي فن من فنونها النثرية والشعرية . تحدث مدير مدرسة في العراق لاذ بالسويد بعد العدوان الأميركي أنه لم يعرف أن أحد مدرسي اللغة العربية في مدرسته مسيحي إلا بعد ستة أشهر ، وتساءل : " كيف أعرف أنه مسيحي وكلما دخلت عليه وجدته يقول : " قال الله ، وقال الرسول " يقصد أنه يستشهد في شرح دروسه بالقرآن الكريم والحديث الشريف . كثير من الأجانب الذين لا يعرفون العربية سُحروا بموسيقية أسلوب القرآن فور سماعه ،وهو للعربي المسلم إيمان ولسان ، وللعربي المسيحي لسان ، وتعليم اللغة العربية لا ينفصل عنه . أين مجمع اللغة العربية والأزهر وحماة العربية في مصر من هذا المنكر الذي يهدد هويتها وحضارتها وقوتها في كل تجلياتها ؟! مصر كانت تعلم العرب لغتهم في جامعاتها وبكتابها عمالقة العربية مثل الجليلين طه حسين والعقاد ، والشاعرين العظيمين شوقي وحافظ وسواهم ، وفي العامية كان لها سطوة صنعها شعراء مثل بيرم التونسي ،وحسين السيد وأحمد رامي وسواهم ،وأعانهم على صنعها مغنون مطربون وموسيقيون تنفذ موسيقاهم ببهجتها وشجنها إلى القلب ، فاجتمعت روعة الكلمات مع حسن الصوت وشاعرية الموسيقا في خلق فن عربي وحد الأرواح العربية . اليوم ، وسائل الإعلام المصرية من أكثر الوسائل الإعلامية العربية أخطاء ، واللغة العربية فيها تطارد وتحارب ، وأغانيها هبطت ، وغدت منفرة لا تطرب سمعا ولا تستهوي قلبا . لغة الأمة روح كيانها ، ولا كيان بلا روح ، والروح التي تحفظ الحياة مزدهرة نابضة جياشة منتجة يجب أن تكون صحيحة متينة ، والقرآن العظيم هو الذي يصون كل هذه الصفات الحيوية للغة العربية .
وسوم: العدد 916