قال… «حل سياسي في سوريا قال»
من أكثر الكليشيهات الإعلامية والسياسية إثارة للسخرية والتهكم وحتى القرف هذه الأيام هي همروجة الحل السياسي في سوريا، فلا تسمع من الأمم المتحدة وأمريكا وروسيا وأوروبا وحتى العرب سوى الحديث عن أن لا حل عسكرياً في سوريا، بل إن التسوية تكمن في الحل السياسي وحده لا شريك له.
لا أدري لماذا وصل الأمر بالقوى الدولية وتوابعها وأبواقها إلى استحمار الناس بهذه الطريقة الفجة التي لم تعد تنطلي حتى على أطفال الروضات. عن أي تسوية سياسية تتحدثون؟
الحل السياسي يكون عادة بين قوتين متحاربتين لا تستطيعان حسم المعركة عسكرياً، فتلجآن للمفاوضات السياسية لتخفيف الخسائر، وغالباً ما يكون الحل في هذه الحالة منصفاً للقوتين لأنهما متعادلتان عسكرياً. هل يتوفر هذا الوضع أو هذا الشرط في الحالة السورية كي ننجز حلاً سياسياً ونخرج من هذه الكارثة التاريخية؟ بالطبع لا، فقد انتهى الحل السياسي تماماً بعد أن تدخلت ثاني أقوى قوة في العالم وهي روسيا لصالح النظام مع إيران ودمرتا عملياً الطرف المعارض عسكرياً بالقصف والتهجير والتدمير، ثم وثقتا ذلك سياسياً بمؤتمرات أستانا وسوتشي. وقد شاركت قوى المعارضة في تلك المؤتمرات ليست كقوى فاعلة بل كقوى مهزومة لا يمكنها أن تفرض شيئاً على الطاولة طالما أنها لا تمتلك القوة على الأرض. وكما يقول مترنيخ: لا تستطيع أن تصل على طاولة المفاوضات أبعد مما تستطيع أن تصل إليه مدافعك على الأرض. بعبارة أخرى، فإن الذي يفاوض على الطاولة ليس السياسة بل القوة العسكرية.
ماذا بقي من القوة العسكرية للمعارضة السورية بعد عشر سنوات على الثورة. لقد رفعت روسيا الغازية شعار خفض التصعيد في سوريا، وظن البعض أن الهدف تخفيف حدة القتال بين النظام والمعارضة، لكن الحقيقة أن روسيا قضت عسكرياً على الطرف المعارض لصالح النظام الذي استعاد حوالي ستين بالمائة من الأراضي السورية بقوة الطائرات الروسية والميليشيات الإيرانية، بينما صارت قوى المعارضة صفراً على الشمال عسكرياً بعد أن تم إخراجها من كل المناطق التي كانت تسيطر عليها في عموم سوريا.
إن المفاوضات الحالية في الوضع السوري ليست بين النظام والمعارضة بل بين روسيا ثاني أقوى قوة في العالم وجماعات معارضة سورية مسكينة تخلى عنها العالم. كفاكم ضحكاً على الناس. إن أكبر نكتة يرددها المجتمع الدولي حول سوريا نكتة الحل السياسي بعد أن نجح الحل العسكري تماماً على أيدي روسيا وإيران. أي حل سياسي وأنتم تعلمون أن التسوية السياسية يفرضها الحل العسكري وليس العكس. ويعترف السفير الأمريكي الاسبق في سوريا روبرت فورد بذلك عندما يقول: «في الحروب، يظل التوازن العسكري الأمر الأكثر أهمية….
روسيا وإيران في سوريا ليستا حتى دولتي احتلال، بل دولتا نهب وسلب، لأن القانون الدولي يفرض على المحتلين إطعام شعب البلد الذي يحتلونه والاهتمام بمتطلباته الإننسانية
الزعيم السوفياتي ستالين في الحرب العالمية الثانية، عندما حذره مستشاروه من أن بابا الفاتيكان سيغضب إزاء تصرفات السوفيات داخل بولندا، الدولة الكاثوليكية، كان تعليقه: «كم عدد الكتائب التي يملكها البابا؟». وبالفعل، ظل الجيش السوفياتي داخل بولندا طوال 49 عاماً» أي أن الصوت الحقيقي في العلاقات بين القوى ليس الدبلوماسية بل القوة.
من هو الأهبل الذي يلجأ للحل السياسي بعد أن ينجز الحل العسكري؟ هل تتوقعون من الروسي والإيراني وحليفهم النظام السوري أن يتنازلوا عن الانتصار العسكري ويتقاسموه مع قوى المعارضة وحلفائها الضائعين؟ مستحيل. ثم يأتيك بعض المتلاعبين بعقول الناس ليقولوا لنا إن الحل في سوريا حل سياسي فقط. طيب هل لو انتصرت قوى المعارضة وداعموها في سوريا، هل كانوا سيقبلون بالحل السياسي مع الروس والإيرانيين والطرطور الأسدي، أم إنهم سيفرضون شروطهم عليه؟ ونحن نعلم تاريخياً أن الأقوياء لا يتفاوضون بل يفرضون. هل أنجز الروس والإيرانيون التفوق العسكري للنظام وسيطروا على سوريا وثرواتها كي يأتوا فيما بعد ليقولوا لقوى المعارضة تعالوا نتقاسم وإياكم السلطة والثروة من خلال حل سياسي؟ يا جماعة اصحوا من غفوتكم. لا يفل الحديد إلا الحديد.
لا شك أنه يمكن أن يكون هناك حل سياسي متفق عليه بين القوى الإقليمية والدولية الكبرى المنخرطة في القضية السورية، وذلك بفرض الحل على النظام والمعارضة كما فعلوا في يوغسلافيا السابقة بالقوة، لكن حتى الآن هذا الأمر ليس متوفراً أبداً، فما زالت روسيا وإيران والنظام هم أصحاب اليد العليا في القضية، وليس هناك أي إرادة أمريكية أو دولية لتعديل توازنات القوة. وفي أحسن الأحول يمكن أن يعطي النظام وداعموه لقوى المعارضة الهزيلة التي تتفاوض مع الروس والأسد في مؤتمرات اللجنة الدستورية السخيفة ما كان يعطيه النظام لأحزاب المعارضة المنضوية تحت ما يسمى بالجبهة الوطنية التقدمية لصاحبها حزب البعث العربي الاشتراكي، مجرد مكتب وخط تليفون وسيارة، دون أي سلطة حقيقة في إدارة الدولة.
وكي لا يظن البعض أننا هنا نصور النظام على أنه منتصر، لا أبداً، بل هو أكبر المهزومين، لأنه يحكم من خلال القبضة الروسية والإيرانية، ومن دونهما لا يستطيع أن يستمر عسكرياً، ناهيك عن أنه صار عاجزاً بوجود حلفائه الروس والإيرانيين عن تأمين الخبز لمؤيديه. بعبارة أخرى، فإن روسيا وإيران في سوريا ليستا حتى دولتي احتلال، بل دولتا نهب وسلب، لأن القانون الدولي يفرض على المحتلين إطعام شعب البلد الذي يحتلونه والاهتمام بمتطلباته الإنسانية، لكن روسيا وإيران تركتا مؤيدي النظام الذي جاءتا لدعمه يموتون من الجوع والفقر لأن الهدف الروسي والإيراني في سوريا هي ثروات سوريا وليس شعبها ولا حتى نظامها. وعندما يتفق الغزاة الذين يستبيحون الأرض السورية ويتقاسمونها فيما بينهم على حل سيكون هناك حل. لكن طالما أن كل مستعمر يسيطر على منطقة في سوريا فسيظل الوضع على حاله الى ما شاء الله. باختصار يا جماعة الخير، المشكلة ليست في بقاء أو ذهاب الحمار، بل في الاتفاق بين راكبي الحمار أنفسهم.
وسوم: العدد 921