من أحدث في أمرنا ما ليس منه.. فهو رد
في الحقيقة! إن الإنسان ليقف مندهشاً؛ ومحتاراً، والألم يعتصر قلبه، والدموع تنهمر من عينيه، حزناً وأسىً ولوعةً، أمام هذه الظاهرة العجيبة، الغريبة، المتكررة كل عام! حيث جموع من المسلمين ليست بالقليلة، تنطلق وهي في حالة هيجان، وفرح، وطرب، وغناء! للاحتفال في يوم محدد، بمناسبات غير معروف تاريخ حدوثها، ولم يأمر بها الله ورسوله، ولم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم طوال حياته – سواءً في مكة، أو المدينة، ولا صحابته، ولا التابعين من بعده، ولا عامة المسلمين، الذين ورثوا الأرض وعمروها على مساحات شاسعة، تمتد من الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً، وإنما تم استحداثها من قبل أعداء الله، وأعداء الإسلام في القرن الرابع الهجري، على يد العبيديين أو ما يسمون بالفاطميين، الذين حكموا مصر وبعض أجزاء من الشام والحجاز لأكثر من قرنين.
وكان لهؤلاء العبيديين.. الذين بدأت دعوتهم الهدامة، الخبيثة، على يد يهودي يُدعى (عبيد الله) الذي كان يعمل حداداً في مدينة السلمية في الشام، وكان اسمه سعيد بن القداح، فانتقل إلى المغرب وغير اسمه إلى عبيد الله، وادعى أنه علوي، فتبعه دهماء الناس، وأوشابهم، وعامتهم، وصدقوه! وتمكن بخبثه ومكره ودهائه في آواخر القرن الثالث الهجري.. من تشكيل دولة لهم في المغرب، ثم امتدوا إلى مصر، وسيطروا على كل بلدان شمال أفريقيا..
كان لهم الأثر الكبير، في نشر الاحتفالات بمناسبات ابتدعوها، ما أنزل الله بها من سلطان (فاخترع حاكمهم آنذاك المعز لدين الله العبيدي: مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - وموالد لفاطمة وعلي والحسن والحسين ولجماعة من سلالة آل البيت رضي الله عنهم وأرضاهم، وتتابعت في دولتهم احتفالات أخرى اخترعوها، لم تكن من قبلُ في الإسلام؛ كالاحتفال بالهجرة، ورأس السنة الهجرية، وليلة الإسراء والمعراج، وغيرها كثير..
وتعددت الاحتفالات والموالد في العصر الفاطمي، وكان الهدف من ذلك، هو العمل على نشر الدعوة العبيدية الباطنية، وإلهاء الشعب عن التغيير الديني، الذي يحدث في البلاد، ومحاولة استمالة الشعب السني، من خلال عواطفه، وإقامة الحفلات وتوزيع الطعام والأسمطة. الخطط المقريزية 1/490.
ويقول الشيخ "يوسف القرضاوي ":" إن الذي ابتدع هذه الموالد والاحتفالات، الفاطميون في مصر، ومن مصر انتقلت إلى بلاد أخرى، وربما كان وراء ذلك أهداف سياسية معينة! أنهم يريدون أن يشغلوا الجماهير والشعوب بهذه الموالد، وهذه الاحتفالات! حتى لا يبحث الناس في أمور السياسة، ولا في أمور القضايا العامة إلى آخره!" الدكتور القرضاوي في حوار مع قناة الجزيرة.
ولا يزال ذراري المسلمين، الدراويش، السذج، الطيبين، البسطاء! سائرون على طريق العبيدين في الاحتفال بهذه المناسبات المبتَدَعة، المختلقة، مرددين إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون، وإنا على آثارهم مقتدون، بالرغم من مضي 875 عام على القضاء على العبيدين..
وذلك بتشجيع من طواغيتهم، الذين يضحكون عليهم، بإعطائهم عطلة رسمية! للترفيه، والراحة، وفي المساء يتصدرون الصف الأول في المسجد، للمشاركة في الاحتفالات العبيدية، لخداع الناس، أنهم مسلمون محبون لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومتيمون باستعادة ذكرياته، لإظهار مدى حبهم له، ومدى شغفهم بالاحتفاء بالأحداث التي وقعت له! في الوقت الذي يقتلون شعوبهم يومياً، سواءً بالمدافع، أو الطائرات، أو الصواريخ، أو جميعها معاً، كطاغية الشام والعراق وليبيا واليمن ومصر، وأخواتهم، أو بتكريس العبودية لشخصهم.. كالذي يفعله، ما يُسمى أمير العبابيد الضالين في أقصى غرب أفريقيا، بأمرهم بالركوع له، وتقبيل يديه، مروراً إلى بقية الطواغيت.. الذين يسبح الشعب باسمهم؛ ويمجدهم، ليلاً ونهاراً.
علماً بأن هذا الاحتفال باطل، ومنكر، ولا أساس له من الشرعية! ولم يمارسه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا صحابته، ولا التابعون من بعده!
بل! أصلاً غير معروف تاريخ حدوث الإسراء والمعراج بالضبط ، والذي يدعي أنها حصلت ليلة السابع والعشرين من رجب، إنما يفتري على الله الكذب: (قُلۡ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ) يونس 69.
ويرتكب معصيتين، الأولى: ممارسة عمل لم يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذه بدعة ضالة، يمكن أن تورد صاحبها إلى المهالك، حسب الحديث الصحيح، المذكور في الأسفل.
الثانية: الجرأة على الله ورسوله، بالادعاء، بأن الإسراء حصل في تلك الليلة! وهذا غير صحيح البتة، فلا يوجد تاريخ ثابت حصلت فيه هذه الحادثة..
وأقوال العلماء متباينة تبايناً شديداً، فمنهم من يقول حصلت ثلاثة إسراءات! واحد قبل البعثة، واثنان بعد البعثة..
ومنهم من يقول حصلت بعد ثمانية عشر شهراً من البعثة! ومنهم من يقول قبل الهجرة بخمس سنوات! ومنهم من يقول قبل الهجرة بسنة واحدة! ومنهم من يقول حصلت في ليلة السابع والعشرين من ربيع الآخر، ومنهم.. ومنهم.. عشرات الأقوال!
ولا يوجد ما هو شائع لدى عامة الناس، وما يُدرس في المدارس، التي لا تزال تدرس الدين، أو ما يلقيه كهان وادي النيل، وكهان الطواغيت، وكهان التدين الشامي والعراقي والتركي والمصري والمغربي والصوفية.. من أنه حصل في عام الحزن، كتسرية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتفريج همه، وغمه، بعد وفاة زوجته خديجة رضي الله عنها، وعمه أبي طالب..
فهذا ليس له أساس من الصحة، وكل هذه الأقوال من المهرطقين، والضالين، والمبتدعين! (لقد اشتهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى العام الذي ماتت فيه خديجة - رضي الله عنها - وعمه أبي طالب بـعام الحزن! ولم أقف على تحقيق لهذه التسمية إلا ما حققه الإمام الألباني -رحمه الله- في كتاب "دفاع عن الحديث النبوي حيث قال: "فإني بعد مزيد البحث عنه لم أقف عليه، أي مسنداً.
ومن هذا التحقيق يتبين أن هذه التسمية لا يصح الجزم بنسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.)
يا ترى لو أن حادثة الإسراء والمعراج وسواها، لها شأن عظيم عند الله ورسوله، وتستحق التعظيم، والاحتفال بها؛ وتذكرها كل عام.. هل كان سيتركها مجهولة التاريخ؛ والتوقيت؟!
هل كان يصعب على الصحابة ذوي العقول الكبيرة، والذاكرة القوية، أن لا يحفظوا تاريخ هذه الحادثة؟! إذن لماذا لم يلهم الله سبحانه، الصحابة لحفظ تاريخها؟!
أو لماذا لم يدعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى تسجيل تاريخها، أو على الأقل حفظها، ليتمكنوا من تذكرها، والاحتفاء؛ والاحتفال بها؟!
بل السؤال الأهم لماذا لم يحتفل صاحب الذكرى صلى الله عليه وسلم بها كل عام؟! ولماذا لم يأمر أصحابه بالاحتفاء بها؟! أو لماذا لم يحتفل بها الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم؟!
هذه أسئلة مهمة جداً.. يجب على كل مسلم عاقل، بالغ، أن يسألها، قبل أن يندفع؛ ويقوم بأعمال منكرة مُبتَدَعة، ويدوس بقدمه على تحذير النبي صلى الله عليه وسلم، من الزيادة في الدين!
ففي الحديث الصحيح (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)، أي: مَردودٌ عليه، ومُعناه: فهو باطلٌ غيرُ مُعتدٍّ بهِ. وكذلك الحديث (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار). أي: وكلَّ اختراعٍ في الدِّينِ مِن كيفيَّةٍ لم يَفعلْها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه، فهيَ ضَلالٌ ومَيلٌ وبعْدٌ عن طَريقِ النَّبيِّ، وليسَتْ مِن الهُدى، والرَّشادِ، الذي جاءَ بِهِ.
وهذا الحديثُ قاعدةٌ عَظيمةٌ مِن قَواعدِ الإسلامِ، وهو مِن جَوامعِ كَلِمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فإنَّه صَريحٌ في ردِّ كلِّ البِدَعِ والمختَرَعاتِ، وإبطالِ كل المنكَراتِ الخارجةِ عن أُصولِ الدِّينِ.
وفي هذا الحديث العظيم، الأمرُ باتِّباعِ سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ، والالتِزامِ بها، والنَّهيُ عن كُلِّ بِدْعةٍ في دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: أنَّ المِقياسَ في كَونِ الشَّيءِ مُحدَثًا أو غيرَ مُحدَثٍ؛ هو أُصولُ الدِّينِ مِن القرآنِ والسُّنةِ.
مع العلم أن خطباء الجمعة، يرددون هذا الحديث أسبوعياً.. ومع ذلك فإن أكثرهم يشارك في هذا الاحتفالات الباطلة المنكرة! ويمارس هذه البدع الضالة!
بل إن بعضهم يحتج، وعيونه تذرف الدمع.. أنه يفعل ذلك! حباً بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم! ولكن طريقة الابتداع التي يمارسها تكذب أقواله!
فهو يفتري على الله وعلى رسوله، بأن الإسراء حصل في هذا التاريخ.. والله ورسوله لم يقولا ذلك، فهذا إثم كبير، وضلال مبين، لا يغتفر، إلا بالتوبة النصوح..
ولوكان يحب النبي صلى الله عليه وسلم حقاً، وصدقاً، لاتبع سيرته، ومشى على طريقه.. فعظَم ما عظَمَه، وترك ما تركه، وأهمل ما أهمله، والتزم التزاما كلياً، بمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم. (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ) آل عمران 31.
فطالما أنه صلى الله عليه وسلم، لم يعر تاريخ ولادته؛ ولا تاريخ إسرائه، أي اهتمام، ولم يتذكرها كل عام، ولم يأمر بتذكرها، والاهتمام بها، والحفاوة بها.
فعلى من يدعي حب الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يقف عند حدود ما أمر به، ونهى عنه الله ورسوله، وألا يزيد أو يُنقص من الدين شيئاً، لا في العقائد، ولا في الشعائر التعبدية، ولا في السلوك، ولا في المعاملات، ولا في أحداث الزمان! فالدين جاء كاملاً بصريح قول الله تعالى: (ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ) المائدة 3.
هذا قول حق، وليس بعد الحق إلا الضلال، وقول فصل، وليس بالهزل، وقول حاسم وجازم وقاطع، فلا عذر لمن يبتدع أشياء في الدين، ليست من أصوله، ولا يُقبل منه أي تبرير – مهما كان – للقيام بهذه التظاهرات الاستعراضية، خاصة وأن الذي أمر بها زنديق، كافر بإجماع علماء الأمة كلها، وكان يذيق المسلمين ألوان العذاب الشديد، يقتل أبناءهم ونساءهم، أكثر مما كان يفعله فرعون، الذي كان يقتل أبناءهم، ويستحيي نساءهم!
وسوم: العدد 922