عذرا! العتاب مستطاب بين الأحباب
موضوع اللاجئين العراقيين من الأوراق التي تلعبها حكومات الإحتلال بطريقة مثيرة للقرف رغم خطورتها وتأثيرها السلبي على حاضر ومستقبل العراق. وهناك محطات كثيرة في طريقنا تحتاج كل منها إلى توقف وتفكير عميق لنستجلي حقيقة موقف الحكومة من هذه المعضلة الإنسانية! وكشف الأصابع التي تقف وراء إستمرار الهجرة وتفاقمها لحد الآن. ولابد من إستعراض موقف الدول العربية والإسلامية من جهة، والدول الأوربية من جهة أخرى تجاه اللاجئيين العراقيين.
الجميع يدرك بأن وراء مشكلة اللاجئين والمهاجرين والنازحين العراقيين تقف أحزاب الحكومة وميليشيات الحشد الشعبي وأجندة دولة إسلامية مجاورة للعراق؟ فإهمال حقوق اللاجئين والمهاجرين في الخارج، وتسويف رجوع النازحين والمهجرين في الداخل وتجريف أراضيهم كان هدفا مقصودا، رغم انعكاساته الخطيرة على الجميع بما فيها الحكومة نفسها.
مشكلة بعض المناطق إنها لم تدخل في حزام المظلومية الشيعية - إحدى بدع المراجع- من وجهة نظر بعض العملاء والجهلة والحمقى. تلك المظلومية التي إتخذت كغطاء من قبل جباة الحوزة العميلة للضحك على ذقون دافعي ضريبة الخمس. لذلك اضطر العديد من سكانها مغادرة الوطن السليب بعد أن دبً اليأس في نفوسهم من إستباب الظروف عامة أوتقليص هيمنة ونفوذ الميليشيات على الشارع العراقي، علاوة على الفشل في حل طلسم الأمن المحير، وفهم حقيقة الخطط الأمنية التي أسفرت عن توسيع قاعدة الإرهاب وتفقيس المزيد من العناصر الإرهابية، ناهيك عن إنعدام الخدمات الرئيسية.
صحيح إن امريكا وبعض الدول الأوربية المسيحية غزت العراق أو ساهمت بمساعدة الغزاة وتدمير بنيته الإرتكازية وبذلك فهي تتحمل المسئولية القانونية والأخلاقية عن نتائج الغزو. لكن الصحيح ايضا إن بعض الدول العربية والإسلامية نهجت نهجهم ايضا، ولكنها لم تصحح اخطائها أو ترأف بحال العراقيين. فحديثنا يتعلق بزواية محددة، وهي موقف الدول الإسلامية والمسيحية من اللاجئيين العراقيين والمقارنة بينهما. مع العلم إن دول أوربية لم تشارك في غزو العراق عسكريا ومع هذا فتحت ابوابها للعراقين كألمانيا وفرنسا والسويد والنرويج، وقدمت لهم ما لم يقدمه الأشقاء في الدين والعروبة والقومية والإنسانية.
التقت برجل عراقي في عقد الستينات من عمره، ودار بنا النقاش في عدة محطات، وعلمت انه كان (مدرب طائرات ميك). وبعد الغزو الامريكي واستهداف الطيارين ترك سكنه وتوجه عند أحد أقاربه في شمال العراق، ومنها خرج الى تركيا، وبعد ترحال تمكن من الوصول بطريقة غير شرعية للسويد، واستقر في شمال السويد وهي المنطقة التي جمعتنا، الحقيقة هي اشبه ما تكون بقرية صغيرة فيها سوق واحد ومكتب للصليب الأحمر يلتقي في اللاجئون ويشترون من الألبسة والأدوات المنزلية المستعملة بأسعار مناسبة. انه يستلم مبلغا قليلا كإعانة إجتماعية يؤمن له الحياة بالكاد. وعندما سألته عن راتبه في العراق، قال لا راتب ولا حقوق تقاعدية، بل حتى الإستقطاعات التقاعدية التي كانت الحكومة تستقطعها مني ذهبت أدراج الرياح، بل كان عندي مبلغا من المال أودعته في بنك الرشيد لم أتمكن من سحبه، وراح ايضا.
قال تصور، خدمت العراق خدمة كبيرة ودافعت عن أرضه وشعبه، وخضت ثلاثة حروب، وخرجت صفر اليدين من الوطن، وفي السنة القادمة سأحصل على التقاعد من الحكومة السويدية، وانا لم أقدم لها أي خدمة تذكر، قبلتني السويد إعتمادا على أقوالي، وكنت صادقا في جميع أجوبتي على أسئلتهم، وربما تأكدت من صدقيتها بطريقة ما لا أعرفها، فأنا لا أملك أية وثائق عراقية، ولا استطيع ان اراجع السفارة العراقية في ستوكهولم لعدة اسباب. حصلت على الجنسية السويدية، واليوم بناتي الإثنين اكملن دراسة الماجستير في علوم الطب والفيزياء النووية، وقبلن على دراسة الدكتوراة في إختصاصيهما، الحكومة السويدية هي من تصرف عليهما، وهي من أوصلتهن الى هذا المستوى العلمي المتقدم، فهل يكون ولائي للسويد أم العراق؟ من الأحق بولائي الوطن الذي خدمته وطردني شر طردة، ام الوطن الذي لم أخدمة وإحتضني بحضن دافيء؟
أترك الجواب على سؤاله للقراء الأفاضل.
ربما تسمية البلدان الشقيقة جناية بمعنى الكلمة فهي لا تختلف في جوهرها عن تسمية أشقاء النبي يوسف بها! فالدول الشقية وليست الشقيقة لم تكتف بفتح حدودها البرية ومجالاتها البحرية والجوية لقوات الإحتلال وتقديم كل المساعدات المكشوفة والمستورة والتي ستكشف مستقبلا. بل بعضها مولت قوات الإحتلال وساهمت بنهب وتدمير المؤسسات الحيوية في العراق تحت راية الثأر والإنتقام وتحميل الشعب مسئولية مواقف حكامه.
من ثم تبعتها بخطوة لاتقل عدائية عن سابقتها حينما أغلقت الدول الشقيقة أبوابها بقوة تجاه اللاجئيين العراقيين وختمتها بالشمع الأحمر. في الوقت الذي فتحت أوربا المسيحية ابوابها مرحبة بقدومهم ومقدمة كل التسهيلات الممكنة! مفارقة مثيرة ومؤلمة في نفس الحين تدفعنا للتساؤل: من منهم يطبق تعاليم الدين الصحيحة؟ ومن يلتزم بالتسامح؟ ومن منهم يمتلك نظرة إنسانية بحته وشمولية؟ مقارنة بسيطة بين موقف السعودية حاضرة العالم الإسلامي وايطاليا حاضنة الفاتيكان المسيحي تجاه اللاجئيين العراقيين كفيلة بإذابة جليد الوهم وإظهار الحقيقة المجردة. لاحظ أيضا إن دول أوربية مسيحية أخرى تعفي العراق من ديونه وتتسامح مع شعبه. ودول تدعي نفسها شقيقة ومسلمة تمتص دماء العراقيين كالبعوض وتتشبث بديونها الحقيقية منها والباطلة.
ولا بد من التنويه بأن اللاجئين العراقيين في سوريا والأردن رغم التسهيلات المتعلقة بإقاماتهم، لكنهم في الحقيقة لا يحظون بأي من الأمتيازات التي تقدمها الدول الأوربية للاجئيين بصورة عامة كالسكن والخدمات التعليمية والصحية والمساعدات المالية التي تؤمن لهم الحياة المعيشية اللائقة أو المقبولة على أقل تقدير.
بقدر ما يشكل اللاجئون العراقيون ضغوطا على هذه الدول في عدة قطاعات ولاسيما الإسكاني والخدمي، فإن المليارات من الدولارات التي تدفقت لهذه البلدان من خلالهم وما صاحبها من استثمارات ضخمة في قطاعات البناء والتجارة والمصارف والصناعة قد تشفع لهم وتبرر تلك الضغوط. ويكفي أن العراقيين في سوريا ـ خلال الحرب الأهلية التي شنها العميل الإيراني إبراهيم الجعفري ضد أهل السنة ـ كان لا يحق لهم إمتلاك الدور والشقق والأراضي والشركات والمحلات! لذلك فهم مضطرون لتسجيلها بأسماء سوريين، متحملين روح المغامرة والمخاطرة بسبب قوانين الأشقاء التعسفية. والأردن الذي اغدق العراق عليه بنفطه مجانا او بأسعار منخفضة! يدرك شعبه جيدا بأنه لولا العراق لكان لحد الآن يعيش عصر البداوة. في أحد الأيام خلال وجودي في عمان، كنت أشكو لصديق المعاملة السيئة لسلطات المطار في عمان للعراقيين، وقلت له: هل هذا جزاء الكرم العراقي لهم. ويبدو ان أحد الأردنيين في طاولة قريبة منا سمعنى، فقال لي: عزيزي العراقي، الا تعلم نحن الأردنيون نعيش على مصائب الغير!
ومصر الذي تضايقت من (100) ألف لاجيء عراقي نست الملايين من المصريين الذين فتح العراق لهم ابوابه أمامهم بحرية، دخلوه فقراء وعادوا إلى مصر أغنياء وأصحاب أملاك. اما دول الخليج فهؤلاء مصيبتهم أشد، فأبوابهم مفتوحة للفرس والهنود والآسيويين وغيرهم. وعاجلا أم آجلا سيسددوا فواتير سياساتهم الخاطئة هذه، وأولها لجارتهم الشرهة إيران، التي ستبتلعهم الواحد بعد الآخر. أسد البوابة الشرقية اليوم يحتضر، وقد حلٌ محله جرذا فارسيا شرها، فعلا تمخض الجبل فولد فأرا.
وسوم: العدد 925