تشكيك التيار العلماني في تدين المغاربة في رمضان مثير للسخرية
لقد صار من المعلوم أن أصحاب التيار العلماني عندنا في المغرب لا يستطيعون الحديث عن مشروعهم العلماني دون النيل من الإسلام ، وكأن وجود العلمانية يتوقف بالضرورة عن استئصال الإسلام من بلد دخله في زمن قريب جدا من زمن النبوة .
ومما طلع به علينا موقع هسبريس الذي يفسح للتيار العلماني من صفحاته ما لا يفسحه لغيرهم ممن يتحدثون عن الإسلام بمقال للمدعو عبد السلام الشامخ تحت عنوان : " إقبال المغاربة على التعبد في شهر رمضان التزام أم عادة اجتماعية ؟ " هكذا في شكل سؤال، تلاه جواب عزاه إلى العلماني المدعو سعيد لكحل الذي يتناوب مع نظيره الطائفي المدعو أحمد عصيد على النيل من الإسلام في كل فرصة تسنح لهما . وقد وصف صاحب المقال سعيد لكحل بالباحث في الشؤون الدينية ، وهي صفة يقدم بها دائما الثنائي العلماني لكحل وعصيد ، وما هما في الحقيقة سوى متطفلان على الشأن الإسلامي ، وما هما منه في عير ولا بعير كما يقال، وإنما يخبطان فيه خبط العشواء بدافع خلافهما السياسي مع الإسلاميين ممن يمارسون السياسة ، وهما يعتبران اشتغال هؤلاء بالسياسة التي يجب أن تكون حكرا على العلمانيين في نظرهما تهمة مقترنة بما يسمى الإرهاب حيث صارت عبارة الإسلام السياسي تعني حصرا الإرهاب ، وهو استخدام وافد من بلاد الغرب العلمانية ، وتسوقه طوابيرها الخامسة في بلاد الإسلام .
وبالوقوف على عثرات القلم في هذا المقال ، وهي كعثرات اللسان تفضح ما خفي أو ما يراد إخفاؤه إلا أنه يفلت فينكشف أمره . ومن هذه العثرات ما نسبه صاحب المقال لسعيد لكحل وهو يحاول الإجابة عن التساؤل الذي عنون به المقال ، وهو كالآتي:
" للظاهرة أسبابها غير المرتبطة مباشرة بتقديس شهر رمضان الذي يجله المغاربة ويقدسونه، بل هي تعبير عن درجة الأسلمة ونجاح إستراتيجية تيار الإسلام السياسي في أسلمة المجتمع على مستوى التفكير والسلوك والمظاهر .إنه كما صار الحجاب تجسيدا لهذه الإستراتيجية ثقافة وسلوكا ومظهرا من مظاهر التدين، صار كذلك الإقبال على صلاة التراويح تعبيرا عن تغلغل هذه الإستراتيجية في المجتمع، إلى درجة تولد الاعتقاد لدى عموم المواطنين بأن صحة الصوم لا تتحقق وتكتمل إلا بأداء صلاة التراويح جماعة، التي هي ليست فريضة ولا حتى سنّة نبوية.
“هناك أسباب كثيرة وأهدافا سياسية وراء هذه الحملة، رغم الخطر الذي يشكله وباء كورونا على الأرواح وعلى الاقتصاد”، وزاد: “هذه الأصوات ليس هدفها الرئيسي التعبد والتقرب إلى الله تعالى، وإنما لها أهداف سياسية متعددة
هي “محاولة إرباك الدولة بالضغط عليها لفتح المساجد وتوفير كل الظروف لانتشار الوباء وتفشيه في المجتمع، حتى تظهر عاجزة عن التحكم في الوضعية الوبائية، ومن ثم تأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ودفعها إلى الانفجار عبر الاحتجاجات والاعتصامات والاستقطاب الواسع، خاصة للشباب وللناخبين المترددين على المساجد، حيث يتم استغلال الدروس التي تقدم للتأثير إيديولوجيا عليهم”، وزاد: “كل تنظيم يسعى إلى استغلال مناسبة رمضان لإكثار سواد أتباعه ومناصريه ".
إن سعيد لكحل من خلال هذا الكلام يخوض كعادته حملة انتخابية قبل الأوان لاستقطاب الشباب وإكثار سواده أيضا ، وهو ما ينكره على خصومه الإسلاميين.
ولقد كانت عادته دائما كلما حل شهر الصيام أن يمتعض من كثرة من يرتادون المساجد لسماع المواعظ الدينية، لأن ذلك في نظره يصب في غير صالح تياره العلماني الذي يرى أن الإسلام يقوض علمانيته . ولما حصل منع الحكومة صلاة التراويح بسبب المخاوف من انتشار وباء كورونا لم تعوزه ذريعة النيل من خصومه الذين يتهمهم دائما باستغلال صلاة التراويح سواء أقيمت أو منعت، لأنه يخشى من الأسلمة على العلمنة .
والحقيقة أن الرأي العام المغربي لم يلم الحكومة في قرارها منع إقامة صلاة التراويح بل عاب عليها منع صلاتي الصبح والعشاء مع السماح بصلوات الظهر والعصر والمغرب ، وهو قرار فيه تناقض صارخ لأن ما يخشى من إقامة صلاتي الصبح والعشاء يمكن أن يحصل أثناء إقامة الصلوات الثلاث المسموح بأدائها لأن المعتبر في المنع هو التجمهر الذي يخشى أن يتسبب في عدوى الجائحة ، ولا يعقل أن يخشى ذلك في صلاتين دون الصلوات الثلاث الباقية .
ولقد أقدمت الحكومة في رمضان السابق على منع كل الصلوات ، وتفهم الرأي العام موقفها لأن عدوى الجائحة كانت في أوج قوتها إلا هذه السنة الأمر مختلف عما كان في السنة الماضية ، والدليل على ذلك أن الصلوات الخمس قد استمر أداؤها بعد المنع في العديد من المساجد منذ مدة ليست بالقصيرة.
أما زلة القلم، فهي توجس التيار العلماني الذي لا يستبعد أن يكون له نفوذ لدى صنّاع قرار منع أداء الصلاتين من رجحان كفة الأسلمة في المجتمع المغربي وهو مجتمع مسلم منذ قرون على كفة علمنته التي يحلم بها ، ويرجو أن تسفر عن ذلك الانتخابات القادمة التي تم التمهيد لها بما سمي قاسما انتخابيا قوامه اعتبار عدد المسجلين وليس عدد المصوتين ، وهو قرار كفى به ناطقا وشاهدا وحجة ودليلا على القصد من ورائه .
ونختم بالقول إن المغاربة مسلمون أبا عن جد ولا يطعن في تدينهم في شهر الصيام إلا علمانيون يغيضهم تدينهم الذي لا أمل مع وجوده وبقائه ودوامه للعلمانية في موطىء قدم في المغرب البلد المسلم . والمغاربة سيبقون على تدينهم المعهود في رمضان وهو أيام معدودات ليست كباقي الأيام تغتنم بكثرة التقرب إلى الله عز وجل وقد أمر بذلك سبحانه وتعالى ، ولن يكون هذا التقرب سوى مزيد تدين يزيد عن التدين المعهود في غير رمضان ، ولن يعيب ذلك إلا من لم يستوعب قول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات )) . ومعلوم أن ما كان معدودا فهو قليل ، وما كان قليلا وجب اغتنامه ، وليس اغتنامه سوى ما عابه العلماني لكحل على المغاربة واعتبره عادة وليس عبادة بل اعتبره مؤامرة لأسلمة بلد هو مسلم أصلا ، والغريب فيه والنشاز هو الدعوات إلى علمنته التي لا حظ لها فيه إلى قيام الساعة بعز عزيز أوذل ذليل ، ولن تكون العزة إلا للمسلمين ولن تكون الذلة إلا لما حارب الإسلام.
وسوم: العدد 925