على أعتاب موجة كورونا جديدة: وصول اللقاح إلى سوريا وتحذير من التمييز في الحصول عليه
عمان- في 24 نيسان/أبريل الحالي، تسلّم النظام السوري 150,000 جرعة من لقاح “سينوفارم” الصيني، المضاد لفيروس كورونا، مقدمة من الصين، وهي الدفعة الثانية التي تصل إلى دمشق بعد تسلّمها 203,000 جرعة من أصل 256,800 لقاح “أسترازينيكا” حصلت عليها سوريا من خلال مبادرة كوفاكس (آلية الوصول العالمي للقاح المضاد لكوفيد-19)، منها 53,800 جرعة لمناطق المعارضة في شمال غرب سوريا.
ووصلت اللقاحات الخاصة بمبادرة كوفاكس، في 21 نيسان/أبريل الحالي، عبر شحنتين منفصلتين. الأولى إلى دمشق، والثانية إلى شمال غرب سوريا عبر تركيا. فيما لم تتلق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، إلى الآن، الجرعات المخصصة لها، البالغ عددها 90,000 جرعة، والتي يُفترض أن تصل عبر دمشق.
وبحسب منظمة يونيسيف، وهي شريك منفذ رئيس في “كوفاكس”، “سوف تُعطى هذه الدفعة من لقاحات أسترازينيكا (من معهد سيروم الهندي للمصل واللقاح) لعاملي الخطوط الأمامية في مجال الرعاية الصحية في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك شمال شرق وشمال غرب سوريا”.
ويفترض أن “تكفي الدفعة الأولى من اللقاحات 3% من السكان”، كما صرح وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) لـ”سوريا على طول”، د.مرام الشيخ، متوقعاً أن “تغطي باقي اللقاحات التي ستصل تباعاً حتى نهاية العام الحالي 20%”.
تحديات في مواجهة الوباء
في أواخر آذار/مارس الماضي، شهدت سوريا ارتفاعاً في عدد الإصابات المسجلة بكوفيد 19، ما ينذر بدخول سوريا في موجة ثانية أشد من الأولى، وسط ضعف الإمكانيات وتراجع التمويل، بحسب ما ذكرت مصادر عدة لـ”سوريا على طول”.
وبلغ عدد الإصابات المسجلة رسمياً في سوريا حتى أمس الإثنين، 59,420 إصابة، فيما بلغ عدد الوفيات 2,719 وفاة. الارتفاع في عدد الحالات المسجلة رسمياً، لا يعني “أننا دخلنا في موجة ثانية، كون الإصابات ما تزال محصورة في عناقيد مجتمعية محدودة”، بحسب د.مرام الشيخ، لكنه “ينبئ باحتمالية دخولنا في موجة جديدة”.
من جهته، حذر د.حسام قره محمد، مسؤول ملف كورونا في مديرية صحة إدلب، من أن “الأرقام حتى وإن كانت تتصاعد بهدوء فإنها لا تبشر بخير”، موضحاً أنها تسجّل “ضمن عناقيد غير متصلة، ما يعني أن عدد المخالطين أكبر وغير معروف المصدر”.
وفي سعيها لمواجهة ارتفاع الإصابات في شمال غرب سوريا، أوعزت مديرية صحة إدلب إلى “فرق المسح بأخذ عدد أكبر من المسْحات لمحاولة ضبط المخالفين وحجرهم صحياً”، بحسب د.حسام، ويقدر عدد المسحات اليومية “بنحو 500 مسحة فقط، تحددها الإمكانيات المتاحة وإقبال الناس على مراكز الفحص”. كذلك “العمل على أن تكون المشافي المخصصة للمصابين بكوفيد 19 ومشافي العزل على أهبة الاستعداد”.
وعدا عن أن مناطق شمال غرب سوريا لم تشهد إجراءات مشددة لمواجهة الفيروس، من قبيل تعليق دوام المدارس وفرض حظر جزئي أو كلي، فإن استعدادات الجهات الطبية المعنية بكوفيد 19 “أقل من استعدادتها السابقة، نتيجة لانخفاض الدعم، وعدم تسجيل حالات كثيرة في الأشهر الماضية”، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول”، د.محمد سالم، المسؤول في برنامج الإنذار المبكر والاستجابة (EWARN) في وحدة تنسيق الدعم.
ويبلغ عدد مراكز العزل في محافظة إدلب 16 مركز عزل مجتمعي “بعضها مهدد بالإغلاق بسبب انتهاء منح الدعم”، كما قال د. حسام قره محمد، إضافة إلى “6 مشافي مخصصة لكوفيد 19 في إدلب وشمال حلب دون منطقة عفرين”.
وإلى شمال شرق سوريا، استقبلت الإدارة الذاتية الموجة الجديدة بفرض حظر تجوال شامل في كل من مدن: الرقة والقامشلي والحسكة، نتيجة ارتفاع معدلات الإصابة فيها عن باقي المناطق التي فرض فيها حظر جزئي، بإغلاق المحال التجارية من الساعة الرابعة عصراً وحتى السادسة صباحاً. لكن استمرار تسجيل الإصابات بأعداد كبيرة، دفعت الإدارة الذاتية إلى فرض حظر شامل على عموم مناطق سيطرتها، اعتباراً من 13 وحتى 22 من نيسان/أبريل الحالي، لتمدده أيضاً حتى 29 من الشهر الحالي بشكل جزئي على عموم المناطق، وشامل في كل من محافظة الحسكة ومدينة الطبقة في ريف الرقة الغربي.
ويبلغ عدد المراكز في مناطق الإدارة الذاتية 17 مركزاً صحياً مخصصاً للمصابين بالفيروس أو المشتبه بإصابتهم، 4 منها في محافظة الحسكة، ومركزين في مدينة منبج بريف حلب الشرقي، ومركز في مدينة عين العرب (كوباني)، ومركز في عين عيسى بريف الرقة الشمالي، ومركزين في مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي، ومركزين في مدينة الرقة، إضافة إلى خمسة مراكز في دير الزور.
وكذلك، يعاني شمال شرق سوريا من مشكلة التمويل، إذ بحسب مصدر طبي من دير الزور انتهى التمويل المخصص لقسم كورونا في مشفى الكسرة، ومركزي الصعوة ومحيمدة في ريف دير الزور الغربي في أواخر آذار/مارس الحالي، موضحاً أنها “ما تزال تعمل ولكن من دون تمويل، إذ ستتحمل الإدارة الذاتية تكاليف تشغيلها ولكن بطاقة أقل”.
وأخيراً، اتخذت حكومة دمشق سلسلة من الإجراءات الاحترازية لمواجهة ارتفاع عدد الإصابات بكوفيد 19، منها إنهاء العام الدراسي قبل موعده لمرحلة رياض الأطفال ومرحلة التعليم الأساسية (من الأول إلى الرابع)، وتعليق دوام صفوف المرحلة المتوسطة (من خامس إلى ثامن) اعتباراً من 5 نيسان/ أبريل الحالي، على أن تجرى الامتحانات النهائية خلال الفترة بين 25 و29 من هذا الشهر.
كذلك أعلنت تقليص ساعات العمل في وزارات ومؤسسات الدولة لمدة عشرة أيام، على أن يسري القرار حتى 15 نيسان/ أبريل الحالي. لكن رغم استمرار ارتفاع عدد الحالات في مناطق سيطرة حكومة دمشق قرر الفريق الحكومي المعني بإجراءات التصدي لوباء كورونا “عدم تمديد قرار توقيف العمل أو تخفيض نسبة دوام العاملين في الجهات العامة”.
العدالة في توزيع اللقاحات!
في مناطق نفوذ حكومة دمشق، حيث تحكمها الرشاوى والمحسوبيات، ليس بعيداً أن “يتم التمييز بين المواطنين المتساوين في أحقية الحصول على اللقاح”، كما عبر أحد سكان دمشق لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه. معتبراً أن “صاحب الواسطة في هذا البلد يحصل على ما يريد بغض النظر إن كانت تنطبق عليه الشروط أم لا”.
ويشكك المصدر في التزام دمشق بـ”الخطة المتبعة لتقديم اللقاح ضد كورونا للمواطنين”، مستشهداً على ذلك بـ”التمييز الذي يحصل في الحصول على الخدمة الطبية في المشافي العامة، وخاصة خلال فترة كورونا. سواء من حيث تقديم الخدمة أو الاهتمام والرعاية”، كما قال.
ومن جهتها، حذرت منظمة هيومن رايتس ووتش من التمييز في توزيع اللقاحات بمناطق حكومة دمشق، مشددة على ضرورة “ضمان التوزيع العادل للقاحات داخل سوريا الخاضعة لسيطرتها، بناء على الاحتياجات ومواطن الضعف”.
وقد أعلنت وزارة الصحة في حكومة دمشق، أنها ستبدأ عملية التلقيح للكوادر الطبية، ومن ثم “سنتجه إلى المواطنين وخاصة كبار السن ومن يعانون أمراضاً مزمنة”، معلنة عن إطلاق منصة الكترونية خاصة بتنظيم طلب استخدام اللقاح.
على نطاق أوسع، إن تسليم لقاحات “أسترازينيكا” المخصصة لشمال شرق سوريا عبر دمشق، قد يهدد وصولها إلى نحو مليوني شخص يعيشون هناك، بحسب هيومن رايتس ووتش، إذ رغم أن الحكومة السورية “تتحمّل المسؤولية الأساسية لتوفير الرعاية الصحية للجميع على أراضيها، إلا أنها حجبت مرارا الأغذية، والأدوية، والمساعدات الحيوية عن المعارضين السياسيين والمدنيين”.
مصدر طبي في الإدارة الذاتية، توقع في حديثه إلى “سوريا على طول” أن “تصل اللقاحات المخصصة لشمال شرق سوريا خلال أيار/ مايو المقبل”، لكنه أعرب عن تخوفه من “استخدام النظام للقاحات كورقة ضغط، خاصة وأنه ما يزال يغلق المعابر مع الإدارة الذاتية”.
وسوم: العدد 926