تصوراتنا المستقبلية لسورية الحرة
كنا تحدثنا في مقال سابق تحت عنوان (كيف ستكون سورية المستقبل؟)، عن تصوراتنا للشكل اللائق، والجدير بسورية المستقبل. فطرحنا عنصرين أساسيين، وهما يشكلان ركيزتي ودعامتي سورية المستقبل، واللتين بدونهما لا قيمة لسورية البتة، وهما ترسيخ الحرية، وضرورة تحقيقها للجميع، والدعامة الثانية: طريقة اختيار ممثلي الشعب، والحاكم.
وفي هذا االمقال! نتابع الحديث عن الدعامات الأخرى.
في سورية المستقبل! لن يكون فيها الحاكم إلا الله. بمعنى أن شرعه، هو الذي يجب أن يُطبق في شؤون الحياة كلها، من سياسة الحكم، إلى سياسة الوزارات، والدوائر الحكومية كلها، إلى سياسة القضاء والمحاكم، إلى سياسة المجتمع، وإلى سياسة الشارع، ومن ثَمَ إلى سياسة البيت.
حكمُ الله وشرعُه وقانونُه! هو الذي يجب أن يهيمنَ ويسيطرَ على شؤون الدولة، صغيرها وكبيرها، دِقها وجُلها، والتقيد الكامل بحدود الله التي أمرنا ألا نتعداها ( تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن یَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ ) البقرة 229.
فالحلالُ ما أحله الله، والحرامُ ما حرمه الله، ولا يجوزُ بأي شكل من الأشكال تحليلَ ما حرمه، ولا تحريمَ ما أحله الله. لأن الله تعالى! هو الأكفأ والأجدرُ، والأقدرُ على معرفة ما يصلح للناس.
لأنه هو الذي صنع الإنسانَ. والصانعُ هو أعرف بصنعته ممن سواه، فهو أعرفُ كيف يصونها، وكيف يحافظ عليها، وكيف تستمر في عملها، على أحسن ما يرام، حتى نهاية حياتها، خالية من العطب، وسليمة من الأذى، والكسر والتحطم ﴿ أ َلَیۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَـٰكِمِینَ ﴾ [التين ٨].
ففي مجال الاتهام!
لن يُسمح باتهام أي إنسان بريء بدون بينة، أو دليل. ولن يُسمح للشرطة، أو المخابرات، باعتقال أي إنسان، حتى يُحاكم – إن كان متهماً - ويُصدرُ القاضي أمراً بسجنه.
ولن يُسمح للنيابة العامة! باعتقال أي شخص – بذريعة سجن احتياطي أو تحفظي - مهما كانت التهمة الموجهة إليه. وإن كان هذا هو المعمول به في بلاد العالم، التي تعمل بالقانون البشري، الظالم الاستبدادي! ولكن في شرع الله! فإن الشخصَ الوحيدَ المخولُ بإصدار أمر السجن، لأي إنسان، هو القاضي فقط .
فلا الحاكمُ، ولا النائبُ العام، ولا الشرطة، ولا المخابرات، ولا الجيش، ولا أي جهة أخرى في الدولة، يحق لها سجن أي إنسان، لم يصدر بحقه حكم قضائي.
فإذا كانت التهمة لإنسان ما! خطيرة جداً، وتتعلق بأمن ومصلحة الدولة، يُحول المتهم مباشرة إلى القاضي، في أي ساعة من ليل أو نهار، ويُحاكم فوراً، ويصدر فيه الحكم العدل.
وفي مجال التقاضي، والتحاكم إلى القضاء!
ستكون الطريقة مختلفة كل الاختلاف عما يجري حالياً في العالم أجمع، والقائم على القانون البشري، العاجز القاصر، والمبني على الظلم، والعسف، والغش، والخداع، والنصب، والاحتيال، وتضييع حقوق العباد! وإثراء المحامين والقضاة على حساب المظلومين، والمستضعفين.
حيث تبقى القضيةُ في المحاكم، عشرات السنين! ولا تنتهي.. وهي تتنقل كالسلحفاة أو أبطأ من درجة، إلى درجة، ومن محكمة إلى أخرى. وقد يموت المشتكي قبل أن يحصلَ على حقه! أهذا هو العدلُ الذي يدعو إليه العلمانيون، وأتباع القانون البشري العاجز عن تحقيق العدل؟!
أما في سورية المستقيل! فسيتقدم المشتكي بشكواه إلى المحكمة، وتُحدد له جلسة مع القاضي في أسرع وقت، ويحضر فيها الخصومُ جميعاً، مع إحضار البينات، أمام القاضي، الذي يتفرغ لهم كلياً، لسماع الشكوى بآذان صاغية، ويستمع القاضي إلى الردود من الطرف أو الأطراف الأخرى..
فإما أن يحكم بالقضية مباشرة، إذا كانت الأدلة واضحة، وبينة، وأقر المشتكى ضده، بصحة الشكوى، أو تؤجل إلى جلسة أخرى، إذا كانت الأدلة غير كافية، أو اعترض المشتكى ضده، وطلب إمهاله لإحضار بينات أخرى.
وفي خلال أيام معدودة! يتم الفصل في القضية نهائياً، ويحصل صاحب الحق، على حقه كاملاً، غير منقوص. ولن يكون هناك طعن، ولا استئناف على هذا الحكم، طالما أنه لا يوجد مزيد من الأدلة الداحضة للشكوى.
وبذلك يتم إلغاء درجات التحاكم المتعددة، المتخلفة، غير الضرورية! وكذلك إلغاء تقديم الشكوى كتابياً، لأن الكتابة – مهما كانت بليغة، وبلغة سهلة واضحة - لا تستطيع أن تعبر التعبير الحقيقي عما يعتلج في قلب الكاتب.
وأي كتابة على وجه الأرض، لها تفسيرات، وتأويلات مغايرة، ومخالفة لما يريده الكاتب. حتى أن القرآن العظيم! وهو أفصح وأبلغ كلام على وجه الأرض، يحتمل تفسيرات وتأويلات كثيرة، وعديدة، ولكل فقيه وعالم، تفسيره الخاص لبعض الآيات.
فإذا كان القرآن هكذا! فمن باب أولى أن يكون كلام البشر، فيه تأويلات كثيرة. ولهذا السبب يقع القضاة في العالم أجمع، بأخطاء كارثية! حينما يعتمدون في إصدار أحكامهم، على ما يقرؤونه في دعاوى المتخاصمين. فيظلمون الناس! بسبب تفسيراتهم الخاطئة المزاجية، لما يكتبه المتخاصمون.
وكذلك يتم إلغاء دور المحامين، الذين يتكسبون قوتهم على حساب المتخاصمين، ويوهمونهم، ويضحكون عليهم، زاعمين أنهم قادرون على حمايتهم، والدفاع عنهم، ورد حقوقهم إليهم! غير – أنهم للأسف - أغلبهم كاذبون! ولا يقدرون على تحقيق أي شيء لموكليهم! لأن الأمر بيد القاضي، وليس بدفاعهم الميؤوس.
الركيزة الرابعة في سورية المستقبل!
وهي تحقيق الأمن، والطمأنينة، والسلام، والأمان في ربوعها من أقصاها إلى أقصاها. وذلك بالضرب بيد من حديد، وبكل القوة الممكنة، على كل فاسد ومفسد، وكل مجرمٍ باغٍ، معتدٍ أثيم، وعتلٍ زنيمٍ، وكل من يريد أن يعكر صفو الأمن، ولو بالتلميح.
فالذي يقتل نفساً بريئة بغير نفس، وعمداً وبقصد القتل، والإفساد في الأرض، وعن سبق ترصد، وإصرار. فكأنما قتل الناس جميعاً، فيطبق فيه حكم الله فوراً، وهو القتل بعد إدانته بالأدلة، والإثباتات اليقينية، القطعية، وليس وضعه في السجن لأيام معدودة، أو المؤبد – كما تفعل معظم دول العالم – التي تشفق على القاتل، وتعطف عليه، فتُحَرِم قتله، رأفه به، ولا ترأف ولا تشفق على المجتمع، الذي سيعيش عيشة النكد، والقلق من أن يأتيه الموت يوماً ما على يد هذا القاتل، أو يد أمثاله ( كُتِبَ عَلَیۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِی ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِیَ لَهُۥ مِنۡ أَخِیهِ شَیۡءࣱ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَاۤءٌ إِلَیۡهِ بِإِحۡسَـٰنࣲۗ ذَ ٰلِكَ تَخۡفِیفࣱ مِّن رَّبِّكُمۡ وَرَحۡمَةࣱۗ ) البقرة 178.
ففي قتل القاتل مباشرة وعلى مرأى من الناس – إلا أن يعفو أهل المقتول - يتحقق العدل، ويتحقق الأمن، والأمان للناس جميعاً، وتتحقق لهم الحياة الهانئة، الوادعة، الرخية! فلا قلق ولا ترقب بعد ذلك، أن يُقتل في أي لحظة كما قال تعالى: ﴿ وَلَكُمۡ فِی ٱلۡقِصَاصِ حَیَوٰةࣱ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة ١٧٩].
وكذلك الذين يُفسدون في الأرض، ويبغون على الناس، وينشرون الهلع والخوف، والرعب، ويشكلون عصابات مسلحة من قطاع الطرق، واللصوص! فيسطون على القوافل، وعلى السيارات العامة والخاصة، ويبتزونهم ويُشلحونهم كل ما يملكون، ويقتلون، وينهبون، ويحاربون الله ورسوله، وينشرون الموبقات، والفواحش، والمنكرات.
فلن يكون لهم وجود في سورية المستقبل! بل ستُستأصل شأفتهم، ويٌسحقون، ويُمحقون، ويُقطعون، ويُصلبون، ولن تأخذنا بهم رأفة البتة ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ﴾ [المائدة ٣٣].
وأما اللصوص والسارقون والسارقات! الذين يستغلون غفلة الناس في الطرقات، أو الأسواق، أو في الليل وهم نائمون في بيوتهم، فينقضون عليهم ويسرقون متاعهم بقوة السلاح.
فهؤلاء أيضاً لن يكون لهم وجود في سورية المستقبل! لأنه سيطبق فيهم حكم الله الشديد الصارم، وأمام الملأ أجمع، ليكونوا عبرة وعظة ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة ٣٨].
أما الدعامة الخامسة لسورية المستقبل!
فهي الأمن الأخلاقي، والاجتماعي، فلن يُسمح لأي كان بإشاعة الشهوات، ونشر الفواحش والمنكرات، وعرض المغريات الجنسية! ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور ١٩].
ولن يُسمح باستغلال جسد الأنثى لعرضه في مسالخ اللحوم البشرية، وترويج البضائع والمنتجات عن طرق عرض مفاتنه، ولن يُسمح بنشر الإعلانات المثيرة للفتنة، التي تدغدغ شهوات الناس الهابطة، الرخيصة، في أي وسيلة من الوسائل التلفازية وأخواتها.
ولن يُسمح للنساء بالظهور في الأماكن العامة بمختلف أنواعها، بثياب فاضحة متعرية، تكشف عن مفاتنهن - فمبدئياً لن يُجبرن على لبس الحجاب ولا النقاب - ولكن سيجبرن على لبس الثياب المحتشمة المؤدبة، الحافظة للحومهن الطرية، الغضة الشهية، من عيون الذكران الهائجة، الجائعة، وشفاههم المتلمظة، المتشهية، من أن تنهشها وتفترسها.
وبالرغم من أن عورة المرأة أكثر امتداداً من عورة الرجل في الإسلام، وتشمل كل جسدها ما عدا وجهها وكفيها، ولكن كخطوة مرحليه في البداية، سيعاملن كمعاملة الرجال في العورة، وفي هذا زيادة في العدل والإحسان لهن.
فسيُطلب منهن – على الأقل - أن يلبسن كما يلبس الرجال الوقورون الراشدون! فلا يكشفن من أجسادهن أكثر مما يكشفه الرجال، وهما الكفان والرأس كاملاً فقط .
فلا يُسمح لهن أن يخرجن بثياب ضيقة، تبرز شكل أجسادهن، وإنما عليهن أن يلبسن فوقها رداءً فضفاضاً، من الأعلى إلى الأسفل، كما لن يُسمح لهن بوضع أي مكياج أو زينة اصطناعية على وجوههن، لتلافي إثارة الفتنة والإغراء، وانشغال المراهقين والمراهقات وتدمير أركان المجتمع المبني على الفضيلة والطهارة.
وسوم: العدد 934