هل ما يحدث في تونس انقلاب؟
القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد لا يُمكن إلا أن تكون انقلاباً مكتمل الأركان، وخطوة جديدة باتجاه الانفراد بالسلطة والعودة إلى نظام الاستبداد، الذي كان يرأسه زين العابدين بن علي، لكن اللغط والجدل الذي ثار، مرده إلى كون الرئيس وصل إلى منصبه بأصوات الجمهور، وعبر انتخابات يشهد لها الجميع بأنها كانت نزيهة وشفافة وديمقراطية ولا تشوبها أي شائبة.
هل يُمكن لرئيس أن يقوم بالانقلاب على النظام السياسي الذي يقوده؟ هذا سؤال مهم، لكن جوابه ليس معقداً، إذ من الممكن بالفعل أن يحدث ذلك، لا بل إن الانقلاب في أي دولة كانت، سواء كان انقلاباً عسكرياً أو انقلاباً أبيض، لا يمكن أن ينجح إلا إذا تواطأ أحد أركان النظام مع الجهاز العسكري من أجل تنفيذه، كما أن الانقلاب في المقابل، لا يمكن أن يفشل إلا إذا رفضه الجيش، أو قطاع من الجهاز العسكري، كما حدث في تركيا صيف عام 2016 عندما تولت قوات عسكرية حماية الرئيس وطائرته وحماية المدنيين في الشارع، فأفشلت الانقلاب واعتقلت المتمردين.
لا يوجد أي نظام ديمقراطي يقوم بتعطيل السلطات الثلاث، خاصة القضائية، الضمانة النهائية للحياة الديمقراطية في أي بلد بالعالم
الانقلاب لا يمكن أن يقوم به إلا أحد أركان النظام، وهذا ما حدث في تونس ومصر، أما ماذا يعني الانقلاب فهو تعطيل المؤسسات الدستورية والسيادية العاملة في البلاد، والاستيلاء على السلطة، من دون وجه حق، ومن ثم البدء بتغيير شكل النظام السياسي، وهذا ما يحدث بالضبط في تونس، حيث أن التونسيين انتخبوا الرئيس قيس سعيّد رئيساً للجمهورية، وليس رئيساً للحكومة ورئيساً للبرلمان ونائباً عاماً، ولا يجوز له الاستيلاء على هذه المناصب، لأن الاستيلاء عليها يعني أن السلطات الثلاث ستكون مركزة في يد شخص واحد، وهذا معناه بالضبط تعطيل العمل بالدستور والاستيلاء الكامل على السلطة. ومن المهم الإشارة هنا أيضاً الى أن الناخبين الذين منحوا أصواتهم لسعيِّد، وأعطوه الشرعية حتى يصبح رئيساً، هم أنفسهم منحوا أصواتهم لراشد الغنوشي حتى يتولى البرلمان، ومنحوا أصواتهم لهشام المشيشي حتى يتولى رئاسة الحكومة، ومن المؤكد أنهم لم يمنحوا لأي من هؤلاء التفويض والشرعية حتى يكون بن علي جديدا، ولا أن ينفرد بالسلطة ويستأثر بحكم البلاد لنفسه وحيداً. إضافة إلى ذلك، فلا يوجد أي نظام ديمقراطي في العالم يقوم بتعطيل السلطات الثلاث، خاصة السلطة القضائية، التي هي ضمانة نهائية للحياة الديمقراطية في أي بلد بالعالم، إذ في أحلك الأوقات وأصعب الظروف يظل متاحاً أمام الناس في الأنظمة الديمقراطية القضاء المستقل، الذي يُفتي بما يجوز وما لا يجوز، ويعيد للناس حقوقها بقوة القانون. أما الاستيلاء على منصب «النائب العام» فهذا يعني المساس بالسلطة القضائية، بعد تعطيل التشريعية (البرلمان) والانفراد بالتنفيذية (الحكومة).
أما الادعاء بأن المادة 80 من دستور تونس تجيز للرئيس أن يتخذ هذه القرارات في الظروف الاستثنائية، فالمؤكد أنه محض خيال وغير صحيح، إذ أن جوهر هذه المادة وأهم ما فيها تم انتهاكه، وهو ضرورة إبقاء البرلمان في حالة انعقاد دائم، ما يعني أن السلطة التشريعية ستتولى مراقبة أعمال الرئيس خلال فترة التدابير الاستثنائية، بينما تنص قرارات سعيّد على تعطيل البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه، هذا فضلاً عن أنه من المعلوم بالضرورة ماذا يعني رفع الحصانة عن النواب، حيث سيصبحون تحت تهديد الاعتقال في أي لحظة. كما توجب المادة 80 من الدستور التونسي أن يكون اتخاذ القرارات الرئاسية قد تم بموجب التشاور مع كل من رئيس الحكومة ورئيس البرلمان، وهو ما لم يحدث أبداً، لا بل إن رئيس الحكومة اختفى ورئيس البرلمان دعا شعبه للنزول إلى الشارع، ما يعني أن لا علاقة لأي منهما بما يفعله الرئيس قيس سعيَّد.
لهذه الأسباب كلها لا يمكن أن تكون قرارات الرئيس التونسي إلا انقلاباً ومحاولة للاستيلاء على السلطة، وهذا الانقلاب يمثل ردة عن الثورة التي أطاحت بعصر الاستبداد والقمع في البلاد، ومحاولة لإعادة تونس إلى الوراء، لا بل هي محاولة لإعادة كل العالم العربي إلى الوراء، إذ أن العرب جميعاً مدينون لتونس الخضراء بالحرية عندما أطلق التونسيون شرارة «الربيع» في بداية عام 2011، وأعادوا لأمتنا الأمل من جديد.
وسوم: العدد 939