رسائل مصطفى الفقي: الكائن السلطوي كما جاء في القاموس!

لا تُشد الرحال إلى مصطفى الفقي، سكرتير الرئيس مبارك للمعلومات سابقاً، والمقرب حد الالتصاق من الحاكم حالياً، لكني إذا رأيته على الشاشة، وأنا أمارس التنقل بين القنوات المختلفة، فإنني لا أغادر حتى ينتهي من الحديث عن معلوماته عن الماضي، حتى يخوض في حديث غيره، لأنه يتحول إلى توفيق عكاشة، إذا كان الأمر خاصاً بالسيسي!

ذلك أن الرجل الذي يبدو رصيناً بحكم منصبه السابق، يفقد رصانته عند التأييد، لأنه يحب أن يكون دائماً في دائرة السلطة، وهذا لن يكون مع النظام الجديد إلا بالتأييد بوضوح، وبشكل فج، فلن يتقبل من المؤيد إلا أن يكون «طبالاً» يحمل «طبلة» فالنظام لا يعرف إلا التأييد بـ «الزفة». وهو لديه خبرة في ذلك، لأن مبارك نفسه، الذي عمل معه الفقي، لم يكن يفهم غير المباشر من الكلام، وعندما كتب جمال بدوي، رئيس تحرير جريدة «الوفد» «أصابت امرأة وأخطأ الرئيس» غضب مبارك ضحل الثقافة، وعديم الفهم، ونقل عنه ثورته عندما رأى الكاتب الراحل وهو يقول له: أنا من يخطئ؟ وحسناً أنهم لم يلفتوا انتباهه إلى أنهم هنا يشبهه بعمر بن الخطاب، فربما سأل ومن عمر بن الخطاب؟ ثم أكمل القاموس المعروف عنه من السباب، لعل «الفقي» بحكم عمله معه يعرف مفرداته. لكن في عهد مبارك، كان الفقي في حكم «المعلم حنفي الونش» وكان هناك «صبيان» يقومون بمهمة التأييد المباشر «سمير رجب نموذجاً» بيد أن المرحلة الجديدة تحتم أن يتحول من يريدوا نيل الرضا إلى «صبيان» أو «صبية» من حيث الأداء!

من سره أن يعثر على نموذج حي للرجل السلطوي، كما جاء في القاموس، فلينظر إلى حالة مصطفى الفقي، فالرجل لا يرى نفسه إلا قريباً منها، ويعيش في كنفها، ولو في عضوية المجلس القومي للمرأة عندما أخرج من قصر مبارك، أو رئاسة مكتبة الإسكندرية، كما هو حاله الآن، ولهذا فإنه يكون «عكاشة» أكثر من عكاشة ذاته، عندما يتعلق الأمر بإعلان تأييده للنظام الحاكم، ولهذا فعندما يدخل في هذه المساحة، فإنني أغادر الشاشة غير مستأنس لحديث.

وقد بدأ الفقي حديث الذكريات عقب الثورة، في برنامج على إحدى القنوات، لكنه الآن هو ضيف أسبوعي، أو نصف أسبوعي على قناة «دي إم سي مصر» السعودية، ولم يعد يقتصر حديثه على الذكريات، بل إنه يدلي بدلوه في الأحداث الجارية، وكانت آخر مرة شاهدته فيها غاضباً على غير عادته، عندما كان حديثه عن التعنت الإثيوبي في موضوع سد النهضة، وقد تخلى قليلاً عن كونه رجلا سلطويا، فسيطر على حديثه اليأس، ربما لأن المصريين جميعاً في حالة غضب من مآلات الأحوال في موضوع السد، لا فرق بين مؤيد للإنقلاب العسكري ورافض له، ولهذا يستعين أهل الحكم بالذباب الإلكتروني في صد الهجوم على السلطة، بما عرف من هذا الذباب من سب وقذف، والردح وفرش الملاية، وغاية تبرير البعض لصمتهم هو القول إنهم يؤمنون بالقيادة السياسية، وقدرتها على الحل في الوقت اللازم، وهي شماعة يعلقون عليها ضعفهم وهوانهم على أنفسهم!

الإخوان والحرب

وإزاء عجز أهل الحكم عن مجابهة التحديات، كانت الاستعانة تلفزيونيا بمن يرددون أن خيار الحرب، يقف خلفه الإخوان، الذين يريدون دفع الجيش المصري إلى هزيمة نكراء، وهم لا يدركون أنهم بهذه الدعاية إنما يسيئون للجيش، الذي يقدمونه، كما لو كان من المقرر سلفاً أن يهزم في المعركة إذا التقى الجمعان، وكأنه من غير المحتمل أن ينتصر فيكون نصره إضافة للحكم العسكري على نحو يُخرس معارضيه، ويضعف شوكتهم ويمثل شرعية للحاكم المتغلب!

لم أقرأ لأحد من الإخوان يدعو للحرب، أو لاستخدام القوة، لكني أدرك تماماً لو أن استفتاء نزيهاً أجري على استخدام القوة في هذه الأزمة فسوف تصطف الأغلبية العظمى من المصريين خلف هذا الخيار، بمن هم في معسكر السيسي، وسيكون هذا هو الاستفتاء النزيه الذي تكون نتيجته هي التسعات الخمس الشهيرة، التي كانت تضحك الثكالى وعُرفت بها الأنظمة المستبدة قديماً.

والحال كذلك، فلم يكن أمامهم إلا إخراج إبراهيم عيسى من العلبة ليردد هذا الخطاب عبر إحدى القنوات التلفزيونية وكيف أن الإخوان من يريدون توريط الجيش في الحرب، وقد راعني أن القناة الأولى الرسمية، تحتفي به وتذيعه بشكل مكثف، وقد وقفت عليه عندما ذهبت لهذه القناة التي كانت تنقل وقائع صلاة الجمعة من الجامع الأزهر، ولعل قنوات أخرى تذيعه ولم أشاهدها!

هذا الخطاب عن وقوف الإخوان وراء الدعوة للحرب ليشمتوا في هزيمة الجيش المصري، كان من اختصاص الذباب الإلكتروني، لكنه توقف بعد أن لوح السيسي نفسه ذات خطاب بذلك، قبل أن يتراجع سريعاً، ومن ثم استدعي إعلاميون للترويج له، لوقف شعور المصريين – لا سيما من يؤيدوا الحاكم العسكري – بخيبة الأمل إزاء هذا التخاذل وعدم القدرة على مجابهة التحدي ووضع حد للتعنت الإثيوبي، ومن هنا يمكن تخلي مصطفى الفقي، عن حذره وكان حديثه يائساً حزيناً.

وفي الأسبوع الماضي بدا الرجل كمن يبحث عن الحل وقد عثر عليه، فدعا عبر «أم بي سي مصر» إلى الاستعانة بإسرائيل لحل أزمة السد، وقال إنها (أي إسرائيل) هي التي تحمي السد، ليذكرنا هذا بحديثه قبل الثورة أنه يشترط لحاكم مصر القادم أن توافق عليه إسرائيل، وبدا في الحالتين، كما لو كان يروج للانبطاح لها!

وقد استشعرت إسرائيل هذه الخطورة، فأصدرت سفارتها في القاهرة بياناً نفت فيه ما أذيع) في بعض القنوات التلفزيونية وبعض المقالات) من أنها تحمي السد أو أنها ضالعة في شيء يخصه، فلحساب من يعمل مصطفى الفقي؟!

في الموقفين لم يكن يعمل لصالح إسرائيل، فما قاله في الأولى وفي الثانية هو جزء من المهام التي يكلف بها نفسه، بحكم كونه سلطوياً، يعرف من أين تؤكل الكتف وكيف يخدم الأنظمة!

وفي الأولى كان يقدم خدمة غير مباشرة لمشروع التوريث، ليقطع الطريق على من قد يعتقدون أن اختيار الحاكم الجديد هو من سلطة الشعب المصري، ويحث على التسليم بالقادم، باعتبار أنها إرادة الدولة الكبرى في المنطقة، التي إذا أرادت شيئاً تعتمده الإدارة الأمريكية على الفور!

وفي الثانية يعرف الأهداف الإستراتيجية من موافقة السيسي على بناء السد، وهي اهداف إستراتيجية وتكتيكية، تدور كلها حول تثبيت موقعه في السلطة، فعقب الانقلاب العسكري في يوليو/تموز 2013، جمد الإتحاد الإفريقي عضوية مصر، كما أعلن القادة الإثيوبيون أنهم لن يتفاوضوا مع السلطة الحالية في أمر السد، لأنها وليدة انقلاب عسكري، لكن الاتحاد الإفريقي عدل عن قراره، والسلطة الإثيوبية تراجعت عن تشددها، ثمناً لموافقة النظام الإنقلابي على بناء السد، الذي كان مرفوضاً من أي نظام سابق.

كما أن الهدف الإستراتيجي من الموافقة على بناء السد، هو إيجاد المبرر لتوصيل المياه إلى إسرائيل، على أساس أن تتدخل إسرائيل بما لها من نفوذ على إثيوبيا للوساطة، وكان الفقي في مقابلته مع «أم بي سي مصر» السعودية، يعبد الطريق لما هو آت.

إنهم يخفون في أنفسهم ما الله مبديه.

أرض – جو:

ربما لم يفهم العميد سمير راغب معنى كلمة «اتحفظ» فثار ثورة عامرة على المتحدث الإثيوبي سمير أحمد وهو يناظره في برنامج «المسائية» على قناة «الجزيرة» مباشر، وهو أمر لو صح لكنا أمام مثال حي على العقلية المعملية العسكرية الفذة، لأن ثورته على مفردة «أتحفظ» كشفت عن عنصرية بغيضة، والعميد المتقاعد يصفه بـ «الإثيوبي» ويتعالى عليه حد اعتبار أنه من الشرف الحاتمي أن يقبل سيادته الظهور مع هذا «الإثيوبي» بينما لم يفقد الضيف الإثيوبي صوابه وظل متمسكاً بضبط النفس!

اللافت أن أنصار العميد راغب احتفلوا بهذا الرد، الساحق الماحق، والمزلزل والمساح بكرامة «الإثيوبي» البلاط، ليكون هذا تعبيراً عن أزمة سلطة كشفت جنرالاتها للمشاهدين فشاهدنا هذه الرعونة في الأداء والجهل النشط، والتعالي غير القائم على أساس، فالقيادة الإثيوبية تمارس التحدي والقوم ينتصرون في خناقات الشوارع!

لقد أساءت الفضائيات للقوم بمجرد السماح لهم بالظهور وهم على هذه الحالة البائسة.

وسوم: العدد 939