من خوازيق السياسة الفلسطينيّة، ها أنتم تُعزِّزون بثالث
الحرية في فلسطين تتناقص بوتيرة سريعة، لم يبق إلا هامش ضئيل. فلننتظر حتى إحكام فكيّ الكماشة علينا جميعا. تهانينا نسير نحو الدكتاتورية بسرعة كبيرة! أنا لست متفائلا أبداً. كثيرٌ من الكتّاب- وربما كنت واحدا منهم- يرون أن سقف الحريات في فلسطين مرتفع، وأكثر من أي دولة عربية، بل إنني كنت أعتقد- سابقاً- أن واحة الديمقراطية ليست موجودة إلا في فلسطين، وهنا أعني فقط مناطق دولة فلسطين، المزعومة أنها دولة، بغض النظر إن كانت الدولة سلطة حكم ذاتي أم لا. المهم أن الحرية كانت طليقة مطلقة وترفرف بأجنحتها في فضاءات عالية السقف إلا في حالات نادرة من المكيدات السياسية التابعة للخصومة بين فتح وحماس، أما ما عدا ذلك فقل ما تشاء ولتكتب ما تشاء فلم يكن يحاسبنا أحد.
لماذا هذه السلطة تزحف نحو الدكتاتورية وتقليص مساحة الحرية؟ ماذا ستستفيد؟ إنها لن تجني إلا المزيد من التمرد والكراهية وتقليص عدد مؤيديها الذين يتناقصون يوميا، وهم يشاهدون "فساد الأقارب"، وهم يتعاملون مع الوطن كأنه عزبة خاصة، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وصاروا يتغولون ويتوغلون ليوغلوا في دماء المواطن على حساب معيشته وقوت عياله اليومي. وصرنا- نحن المواطنين تحت الاحتلال الإسرائيلي- بين فكي كماشة، إن تخلصنا من أحدها عضنا الآخر بنابه فأدمانا، الاحتلال وجنوده ينهشوننا؛ الأرض والأعمار، والسلطة تنهش القوت والفضاء والهواء. إنهما طرفان بالفعل توافقوا علينا وإن لم يتفقوا، إلا أن كليهما أجمعوا على أن يحرمونا آخر فرصة لنحب هذه البلاد.
المسألة هنا ليست متعلقة بإلغاء المادة "22" من مدونة السلوك العامة الفلسطينية فقط، بل في كل مناحي الحياة، فالإقبال على مثل هذه الخطوة هو قفز على كل الشرعيات، المحلية والأممية، والضرب بعرض الحائط بهذا الشعب، إن مثل هذه الخطوة هي استتفاه للشعب، وما يزيد من هذا الاستتفاه أو الاستحمار والوصف لعلي شريعتي، هو أن يقول شتية رئيس وزرائنا الموقر أن إلغاء المادة هو إطلاق لحرية التعبير، وليس لتقييدها، إنه بهذا التصريح كمن جاء يكحلها فأعماها مطلقاً. كيف ذلك يا دولة الرئيس؟ أتشكك في فهمنا لمقروء النص والقرار؟ ألهذا الحد نحن أغبياء لا نستطيع أن نفهم نصوصكم التشريعية، فتأتي لتشرحها لنا؟ إنك تهيننا يا دولة الرئيس الموقر. ألم تنتبه أن أمريكا أيضا اشتركت معنا في فهم واحد هذه المرة؟ ألا تراها لحنت- يرحمك الله- وعليها أن تعيد القراءة مرة أخرى؟ أم أنك أنت اللاحن الوحيد في هذه المسألة شديدة البساطة إلى حد السذاجة المطلقة.
ألا ترى معي يا دولة الرئيس أنكم كثيرا ما تتهموننا بالغباء؟ ولكن عتبي عليكم، وعليك بالذات وأنت الدكتور والاقتصادي والسياسي أن تقبل أن تكون رئيس وزراء لشعب لا يستطيع أن يفهم القرارات، فغباؤنا- حاشاك يا دولة الرئيس- حمّلك مسؤولية تفهمينا النصوص التشريعية، ألله يعينك علينا. لماذا لا تأخذ بنصيحة الشاعر السعودي ناصر الفراعنة الذي رفض أن يكون رئيسا على "شلقة تيوس"؟ أما وقد رضيت وخالفت هذه الحكمة فعليك أن تشرح لنا في كل مرة هذه القرارات التي تحشرنا في علبة كبريت. ولكن، ألم تفكر يوما أن هذه العلبة يمكن أن تتحول إلى قنبلة تفجر الأوضاع وتقلبها رأسا على عقب؟ لا تظن أن المسألة بعيدة حتى وإن جمعتم الأحلاف والمرتزقة ليخرجوا مسيرات تأييد في رام وغيرها، هناك نقطة إن وصلها الشعب ستأخذ ثورته في نيران لهبها الأخضر واليابس؛ الاحتلال وأعوانه.
ها أنتم تعززون بثالث، بعد مقتل نزار بنات وخدعة الاعتذار المزعوم، ثم ما أشيع عن فساد الأقارب والتعيينات الجديدة لأبناء المسؤولين، تأتون على قضم القوانين، وتأكلون الدساتير، مادة من بعد مادة، وفي كل مرة تطفئون مصباحاً، وترفعون جدارا لحصار شعب تقولون عنه إنه شعب الجبارين، فكيف استطعتم حشر الجبارين في قمقم؟ لكنكم والله تزيدون النار اشتعالاً، ولا بد من يوم تنفجر ألسنة النار اللاهبة لتأكلكم مع تلك القرارات، فالغضب الساطع آتٍ وأنا كلي إيمان.
وسوم: العدد 941