حفتر أداة القوى الخارجية المتضررة من الوفاق الليبي
كان متوقعاً من اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن يتخذ سلسلة خطوات تناقض ما أعلنه على الملأ من استعداد لدعم المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والانخراط في الجهود المختلفة للوصول إلى استحقاق الانتخابات أواخر كانون الأول/ ديسمبر المقبل. وقد بدأ حفتر بإطلاق تصريحات تشير إلى أن جيشه لن «يخضع لأي سلطة كانت» سواء «باسم المدنية أو غيرها». ثم ذهب أبعد فأصدر قرارات بترقية ضباط وتعيين رئيس الأركان الجوية ورئيس أركان القوات البحرية ورئيس أركان الحدود والمفتش العام للقوات المسلحة، كما استحدث هيئة جديدة تضم المستشارين السياسيين والعسكريين وعهد بها إلى عبد الله الثني رئيس الحكومة المؤقتة السابقة.
ولا يخفى أن هذه الإجراءات تدشن طور انقلاب حفتر الصريح على بوادر الانفراج السياسي الذي شهدته ليبيا خلال الأشهر القليلة الماضية، وانطوى على التوصل إلى وقف لإطلاق النار وتسليم سلطة انتقالية انتخبها ملتقى الحوار الليبي، وتشكيل مجلس رئاسي وحكومة وحدة وطنية صوّت عليها البرلمان. أكثر من هذا فإن سلوك حفتر الأخير ينتهك مخرجات الحوار السياسي التي تم إقرارها في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 ونصت على تكليف المجلس الرئاسي الليبي بمهام القيادة العليا للجيش والعهدة إليه بإصدار الترقيات والتعيينات وتشكيل الوحدات.
وليس من الصعب إدراك دوافع حفتر في اتخاذ هذه الخطوات الانقلابية، فهو من جهة أولى يذكّر الجميع بأنه ما يزال رقماً يتوجب احتسابه في جميع معادلات التسوية وعلى رأسها الإطار الدستوري الذي يتوجب أن يتيح له الترشح في الانتخابات المقبلة، على نقيض المبدأ الذي يطالب به البعض لجهة عدم السماح للعسكريين بهذا، أو للمطالبين بأن يكون المرشح حسن السيرة والسلوك وهو ما لا يتوفر في سجل حفتر الحافل بقضايا رفعها ضده الادعاء العسكري. لكنه من جهة ثانية يستبدل المعارك العسكرية على رأس جيشه الانقلابي، كما في حملة طرابلس التي دامت 14 شهراً وانتهت إلى إخفاق فاضح، بمعارك سياسية ودستورية جانبية لكنها كفيلة بعرقلة الحلول إن لم يكن بتعطيلها.
وأما من جهة ثالثة فإن حفتر كان ويظل أداة في يد القوى الخارجية التي صنعته في الأساس، وسلحته وساندته عسكريا وسياسياً ودبلوماسياً، وبعضها لا يجد اليوم أن له مصلحة في أن تطوي ليبيا صفحة الصراع الدامية، وأن تتوصل إلى وفاق داخلي فعلي وفعال يوفّر لليبيين السلام والأمن والعيش الكريم، ويغلق تدريجياً بوابات التدخل الخارجي وتدفق الميليشيات والمرتزقة. ولا تملك تلك القوى الخارجية وكيلاً ليبياً للتشويش والعرقلة والتخريب أفضل من المشير الانقلابي الجاهز في كل طور للتذكير بمطامعه ومطامحه.
لكن سلوك حفتر ليس سوى الواجهة الواضحة لسلسلة عقبات سياسية وعسكرية ودستورية تواجه ليبيا في الطور الراهن، ولسوف تتبدى أكثر فأكثر في عقدة كبرى أولى هي توحيد الجيش، وعقدة ثانية هي حسم مسألة الدستور والإطار القانوني للترشح في الانتخابات المقبلة، بالإضافة إلى الأهداف الملموسة المطلوبة أصلاً من تلك الانتخابات، إذا وضع المرء جانباً مشكلات ليبيا البنيوية الاقتصادية والمعيشية والتنموية، وتوحيد بلد منقسم أنهكته عشر سنوات من الاقتتال الداخلي وتمزق النسيج الوطني.
وسوم: العدد 941