استخدام السلاح الكيميائي والكيل بمكيالين
تتزامن الذكرى الثامنة لمجزرة الغوطة بالسلاح الكيميائي من قبل نظام الأسد، مع الانسحاب المخزي للقوات الأمريكية من أفغانستان بما يذكر الانسحاب المخزي السابق أيضا لقواتها من فيتنام، لكن هذه المرة كان انسحابا بدون تخطيط محكم، مع فوضى ” منظمة”.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن القوة الأعظم في العالم فشلت أمام إرادة الطالبان الصلبة بعد عشرين عاما من القتال، وثبت أن سياسية جورج بوش الابن في شن الحرب على الطالبان كان قصيرة النظر، ولم تستفد من الدرس السوفييتي الذي انهزم قبلها في أفغانستان نفسها فالأفغانستان لعنة تلاحق كل الغزاة.
وقوات القوة الأعظم قامت أيضا بالانسحاب من العراق بعد أن دمرته وصنعت منه دولة ميليشيات طائفية بحجة أن العراق في عهد صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل، أي الأسلحة الكيميائية. واتضح أن الحجة التي استندت عليها واهية، فالعراق لم يكن يملك أسلحة كيميائية في ذلك الوقت، لكنه قبلا كان يمتلكها وارتكب جريمة شنعاء في حق أكراد حلبجة في آذار/ مارس 1988، ولم يحاسب عليها حينها مع أن العالم أجمع استنكرها وأدانها.
الغوطة: الأولى في السلسلة الكيميائية
لم يكن في الحسبان داخليا، ودوليا أن يقوم نظام الأسد في مواجهة الشعب السوري الثائر باستخدام سلاح كيميائي (غاز السارين) المحرم دوليا منذ الحرب العالمية الثانية.
في ليل الواحد والعشرين من آب/ أغسطس 2013 والناس نيام قصف النظام أربع قرى في محيط دمشق في الغوطة ( زملكا، وعربين، وعين ترما، والمعضمية) كي يوقع أكبر عدد من القتلى.
وكان للأطفال النصيب الأكبر من القتل، فمات منهم المئات خنقا بالغاز. وكذلك من الرجال والنساء.
منظمة هيومن رايتس ووتش وبعد اتهام المعارضة أنها وراء الضربة، أكدت بعد جمع الأدلة أن النظام وراء الضربة التي لم تكن الأخيرة.
الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعتبر أن استخدام السلاح الكيميائي خط أحمر، وعم اعتقاد أن واشنطن ستشن حربا على النظام كما فعلت في العراق على نظام صدام حسين. ولكن سرعان ما تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فأوباما الذي كان في الوقت نفسه يخطط لإبرام اتفاق نووي مع إيران خشي إذا قام بهجوم على حليفها السوري أن يبطل هذا الاتفاق، ففضل الاتفاق على الخط الأحمر الذي تحول إلى قرارين أمميين (2118، 2235) يتم بموجبهما نزع السلاح الكيميائي من سوريا، ومنع استخدامه.
النظام يستمر في ارتكاب المجازر
رغم أن فريق المفتشين الأممي الذي قام بعملية تدمير الأسلحة الكيميائية في سوريا قد قدم تقريرا يؤكد فيه خلو سوريا من الأسلحة الكيميائية، إلا أن النظام قد خدع المفتشين بإخفاء كميات كبيرة من الأسلحة الكيميائية، أو أنه قام بتصنيعها مجددا فور مغادرة المفتشين ليستكمل مخطط برنامجه الكيميائي في هجمات لاحقة، رغم أن وحسب الاتفاق الروسي ـ الأمريكي بإرغام النظام السوري بالانضمام إلى معاهدة الأسلحة الكيميائية بهدف إلزام النظام باحترام بنود الاتفاقية بعدم استخدام هذا السلاح مستقبلا. لكن النظام الذي يحظى بدعم روسيا والصين في مجلس الأمن اللتين استخدمتا حق النقض في كل مرة يطالب مجلس الأمن بعقوبات على النظام، لم يتعظ من المرة الأولى، ولم يحترم قوانين الأمم المتحدة ولا بنود معاهدة الأسلحة الكيميائية.
الهجوم على مدينة سراقب
في 24 و 30 آذار/ مارس 2017 قام النظام بهجوم على اللطامنة بغاز السارين، وفي شباط/ فبراير 2018 تم الهجوم على مدينة سراقب بغاز الكلور، وقد أكد فريق التحقيق من منظمة الأسلحة الكيميائية مسؤولية النظام على الهجمات في تقرير في نيسان/ أبريل 2020 والذي دفع فرنسا للتقدم بمشروع قرار لمعاقبة النظام يقضي بتعليق حقوقه في المنظمة (عدم الترشح وتولي أي منصب داخل المنظمة).
في الرابع من نيسان/ أبريل ارتكب النظام مجزرة خان شيخون بالسلاح الكيميائي، صور عشرات الأطفال ضحايا هذا الهجوم هزت العالم، وقد وصف الرئيس الأمريكي بشار الأسد ” بالحيوان” ووعد بتوجيه أقصى العقوبات التي ترجمت على أرض الواقع بعدة صواريخ توما هوك على مطار الشعيرات حيث انطلقت الطائرة التي ارتكبت المجزرة، لكن الضربات لم تحدث سوى أضرار طفيفة، ونسي العالم وقع المجزرة، وترامب أيضا، في السابع من نيسان/ أبريل 2018 هجوم كيميائي أخر على مدينة دوما أودى بحياة أكثر من سبعين شخصا. لم يحرك أحد ساكنا. وهذه الهجمات كانت الأبرز بين عشرات الهجمات بالكلور على معظم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، دون أي رد فعل من قبل المجتمع الدولي الذي بدأ يتأقلم مع فكرة بقاء الأسد في الحكم، وهذا ما تسعى إليه بعض الدول العربية أيضا.
وسوم: العدد 943