مؤتمر جوار العراق، أو قمة بغداد الدولية ..
أهداف وتطلعات .. وسحب دعوة الحشد الشعبي لبشار الأسد
ينعقد في الثامن والعشرين من الشهر الجاري مؤتمر في بغداد أطلقت الدعوة إليه تحت عنوانين : الأول " مؤتمر جوار العراق " ثم عدل عن هذا العنوان إلى " قمة بغداد الدولية " بعد أن توسعت الدعوة ، وشملت حتى الآن عددا أكبر من دول الجوار العراقي. تضم دول الجوار العراقي كلا من : العربية السعودية والكويت وسورية وتركية وإيران ..ليضم المؤتمر في عملية التوسعة مصر وفرنسة وقطر والإمارات العربية وربما ما يزال الأفق مفتوحا للمزيد من الدعوات ..
ومع تأكيد بعض الرؤساء الحضور بشخوصهم، ومنهم الرئيس الفرنسي ماكرون والمصري السيسي، إلا أن تأكيدات للحضور على مستوى الرجل الأول في دول مثل السعودية وتركية لم تتأكد بعد ..
ولقد نشأت مشكلة دبلوماسية نتيجة تقدم " فالح الفياض " "رئيس الحشد الشعبي العراقي" وعميل إيران المباشر، بتقديم دعوة شفهية سبقية لبشار الأسد، اضطر رئيس الوزراء العراقي إلى سحبها بشكل دبلوماسي قد لا يكون مهذبا، معتذرا أن الدعوة الرسمية لا تكون دبلوماسيا إلا عبر وزارة الخارجية، فالفياض لم يكن مكلفا بتوجيه دعوة ، وأن العراق لا يريد من تقليل قيمة " الرئيس السوري !!" ولكن اعتذاره - أي الكاظمي - عن توجيه الدعوة ينبع من حرصه على إنجاح المؤتمر !! وإذا كنا قد سمعنا كثيرا من قبل عن العذر أقبح من الذنب فهو هنا في أوضح صوره .
وكالة آر تي الروسية ، وحرصا منها على توظيف الموقف، قالت إن اعتذار العراق جاء بناء على رفض الرئيس الفرنسي ماكرون اللقاء بالأسد!! جميل هذا الموقف من الرئيس الفرنسي على كل سيئاته وسوآته، وخداع الوكالة الروسية سبق خبري يوحي للمتلقين أن الرؤساء الآخرين ومنهم حسب المفترض العاهل السعودي وأمير دولة الكويت وأمير دولة قطر والرئيس التركي أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كل أولئك قد وافقوا على الجلوس مع بشار الأسد ..وهي دعوى عريضة أو إيحاء خبيث يفوح نتنه من قريب ..
في حقيقة الأمر، وفي الرؤية السياسية الأبعد لأهداف المؤتمر وتطلعاته، نستطيع أن نجزم أن المؤتمر محاولة جادة وجريئة من حكومة الكاظمي للانفلات من ربق القبضة الإيرانية ، أو عناق الدب الإيراني، الذي أرهق العراق خلال عقدين من الزمان ...
وهنا نستطيع أن نتعلم من علم السياسة درسين الأول ...
أن حكومة الولي الفقيه الطائفية حتى النخاع، وكما تقتل وتظلم باسم الطائفة في سورية ولبنان واليمن ، فهي تظلم من المواطنين الإيرانيين سوادا عاما من " شيعة إيران " ونراهم يثورون ويعارضون ويقتلون ويسجنون. وكذا فإن تعاطيها الطائفي البشع مع "شيعة العراق" لم يكن أقل بأسا وبؤسا من تعاطيها مع شيعة إيران. وقد أدرك الكثير من شيعة العراق ، الذين كانوا يرون ،من منظور طائفي، في إيران مخلصا ومنجيا منتظرا ، ثم أدركوا أمام عشرين سنة من تجاوزات الواقع، أنهم كانوا فيما يظنون واهمين. ولعلها النتيجة نفسها التي سيصل إليها يوما ، الذين ينصرون بشار الأسد بخلفية طائفية مقيتة.
والدرس الثاني الذي يجب أن نستوعبه، مجتمعات وحكومات، أن التخلي الكامل عن العراق المجتمع والدولة بدوافع مختلطة، أيضا قد جعل العراق أسير الغول الذي اغتاله ..
مفهوم الدعوة إلى مؤتمر جوار العراق يعني أن العراق يحاول أن يخرج من أسر الدولة الوحيدة التي سيطرت عليه، وجعلته قاعدة ومنطلقا لمزيد من العدوان. نعم نحتاج إلى كثير من العقل العملي السياسي لندرك أبعاد هذا في عصر معقد متشابك وعلى جميع المحاور ..
جاءت الدعوة إلى مؤتمر جوار العراق، أو إلى قمة العراق الدولية في محاولة من حكومة الكاظمي للانفلات من ربقة الأسر الإيراني ..وجاء هذا تحت عناوين مساعدة أو مساندة العراق أمنيا وسياسيا وتنمويا وخدماتيا ...
وعلى ضوء كل ما سبق نستطيع أن نتابع موقف إيران الدولة المستعمرة للعراق والمستبدة بأبنائه ومقدراته وموارده ..
ومن هنا جاء موقف " إبراهيم رئيسي " " يبارك المؤتمر !! ويشدد على رفض التدخل الخارجي في قضايا العراق " المنطق نفسه الذي يتكلمون فيه عن سورية، وعن عميلهم بشار الأسد, فهم من أهل العراق ومن حقهم أن يرفضوا تعاون العراق مع أي دولة غيرهم، وهم قد سرقوا مال العراق وقادوه إلى الخراب. وهذا الشطر الأول من موقف " رئيسي" الذي يؤكد لنا كم هي إيران متضايقة من حركة الحكومة العراق في التوجه نحو فك أسرها عن طريق هذا المؤتمر ..
والشطر الثاني من موقف "رئيسي" هو اشتراطه أن يكون " قائد الحشد الشعبي العراقي " فالح الفياض ، وهو قائد ميليشيا طائفية إيرانية صرفة يتلقى أوامره من قائد الحرس الثوري الجديد حسين سلامي . خليفة المجرم قاسم سليماني ..
لنتذكر أن قائد الحشد هو الذي وجه الدعوة إلى بشار الأسد ..
في إطار هذا أتأمل ، ومع أن روسيا أصبحت جارة للعراق بفعل الأمر الواقع ، ومع أنها أصبحت حاضرة في سياسات المنطقة بشدة ، فلا أجد دعوة لها لحضور المؤتمر خطوة ذكية من الكاظمي وأرجو أن يثبت عليها. لعاب بوتين يسيل ...
العمل السياسي شديد التعقيد، ومسطرة الألوان فيه متعددة الدرجات نحن نتكلم عن حكومة العراق ما بعد الاحتلال، حكومة يسيطر عليها شيعة العراق، ويجب أن نتذكر أن نقول أزرق سماوي و أزرق ريشي وأزرق شامي وأزرق نيلي وأزرق كحلي...أعاذكم الله من الكحلي فالنساء في بلدنا يلبسونه للحزن دون الأسود بدرجة ..
ندعو لمؤتمر قمة العراق بتحقيق الخير لمصلحة الشعب العراقي، وسيتمثل الخير في مساعدة العراق على التحرر من ربقة المستعمر الإيراني ولو خطوة..
وأتوقع أن يسألني سائل وهل تؤمل في ماكرون أو في فلان وفلان ..
وأقول كما قالت العرب:
لكل شيء آفة من جنسه ... حتى الحديد سطا عليه المبرد
وسوم: العدد 943