تونس: هل الرئيس قيس سعيد على ما يرام؟
هذا السؤال أعلاه بات يتكرر على نطاق واسع هذه الأيام في مواقع التواصل وعلى صفحات آلاف التونسيين. حتى إن بعض الإعلاميين المرموقين أخذوا يناقشون فيما بينهم الحالة النفسية لقيس سعيد. وقد سمعتها قبل أيام من بعض الإعلاميين التونسيين الذين صاروا يخشون فعلياً على مستقبل بلدهم في ظل رئيس تبدو ملامحه وانفعالاته وطريقة كلامه وصوره المتشنجة أبعد ما تكون عن التوازن النفسي والعقلي.
وأكثر ما يميز سعيد هذه الأيام عناده المرضي، فهو ليس مستعداً أن يسمع رأياً آخر من أحد، يتحدث عن الديمقراطية بينما تبدو كل أحاديثه وتصرفاته شديدة الديكتاتورية، وقد كشفت مراسلة صحيفة نيويورك تايمز قبل فترة عن تجربتها المريرة مع الرئيس التونسي عندما التقته بعد محاولات عصيبة تعرضت خلالها للاحتجاز والاستجواب قبل أن تقابل الرئيس. وتقول المراسلة إن سعيد أمطرها بوابل من المواعظ الديمقراطية، لكنه لم يسمح لها بأن تطرح عليه سؤالاً واحداً، لأنه لا يحب سماع سوى صوته الجهوري ولغته العربية التي باتت مثاراً للسخرية والتهكم في مواقع التواصل التونسية والعربية بشكل عام.
ويقول بعض كبار الساسة التونسيين «إن الوضع في البلاد أخطر مما تتصور بكثير…نحن أمام مستبد متربص مصاب بمرض البارانويا…إنه أخطر أنواع المستبدين». هكذا بات كثيرون في تونس ينظرون إلى رئيسهم المأزوم نفسياً وسياسياً. حتى لطفي العماري يفيق من السكرة ليصيح: «قيس سعيد قاعد يعيش فينا في أجواء ليبيا مع معمر القذافي». ويضيف معلق تونسي آخر في موقع «تونس ضد الانقلاب»: «تعليقي على خطاب قيس في سيدي بوزيد بكل جدية: هل من حق الشعب التونسي طلب عرض قيس سعيد على طبيب نفسي؟».
ولو عدنا إلى توصيف المفكر عبد الرحمن الكواكبي للديكتاتور في كتابه «طبائع الاستبداد» لوجدناها تنطبق حرفياً على صفات الرئيس التونسي الذي بات يتلاعب بالبلاد والعباد كما لو كانت ملكه الخاص بعيداً عن قبول أي آراء معارضة، فكل من يعارضه هو عبارة عن خائن وعميل ومرتزق ومرتش وما شابهها من مفردات رديئة قميئة رددها من قبل كل الطغاة المهووسين بالسلطة كالقذافي الذي وصف معارضيه بالكلاب الضالة، وكبشار الأسد الذي وصف الثوار بأنهم جراثيم وجرذان. وقد وصف الكواكبي هذا الصنف من الحكام بأنهم أشبه بمرضى نفسيين شديدي الخوف من كل ما يحيط بهم. ويعترف الكواكبي أن معظم هذا الصنف الخطير من الطغاة مات مجنوناً أو مبتلياً بمرض نفسي عضال كمرض البارانويا، أي جنون الاضطهاد والخوف. وهذا الوصف أطلقه رئيس تونسي سابق على الرئيس الحالي قيس سعيد.
لو عدنا إلى توصيف المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي للديكتاتور في كتابه العظيم «طبائع الاستبداد» لوجدناها تنطبق حرفياً على صفات الرئيس التونسي الذي بات يتلاعب بالبلاد والعباد كما لو كانت ملكه الخاص بعيداً عن قبول أي آراء معارضة
وككل الطواغيت لا يأتمن سعيد جانب أي مسؤول يعمل تحت أمرته، لهذا تأخر وماطل كثيراً في تشكيل حكومة تعالج الأزمة الوجودية التي تمر بها تونس، فالرئيس لا يقبل برئيس وزراء مستقل يستطيع أن يتخذ القرارات، بل يريد طرطوراً يأتمر بأوامره في كل صغيرة وكبيرة حسبما يبوح الكثير من التونسيين المتابعين للوضع الكارثي في البلاد. لهذا تواجه تونس أزمة غير مسبوقة، فالرئيس يريد الجميع حوله مجرد إمعات يتحكم بها كيفما يشاء، بينما يحجم معظم التونسيين عن تولي أي منصب تحت قيادة سعيد، لأنهم يعرفون أنه يريد الاستحواذ على كل مفاصل السلطة، ولا يمكن أن يقبل بأي مشورة من أحد.
وتواجه تونس أزمة خطيرة في ظل هذا الرئيس الذي يبدو أنه مجرد واجهة لقوى خارجية وداخلية تعبث بمصير تونس وشعبها. ويقول أحد الباحثين في معهد كارنيغي إن قيس سعيد لا يستطيع التراجع ولا يعرف كيف يتقدم. ويبدو أيضاً أن الذين يخططون لتدمير البلاد وتهجير العباد وجدوا ضالتهم المنشودة في هذا الرئيس الميلودرامي المضطرب، فراحوا يلعبون به كرة قدم ويستخدمونه كمعول هدم فقط، ثم يطيحون به بعد إنجاز المهمة.
وقد كشف النائب التونسي الصافي سعيد قبل أيام عن فضيحة مدوية، إذا حاول أن يسلم الرئيس رسالة موقعة من سبعين نائباً تونسياً لحماية الديمقراطية وإنقاذ البلاد، فتوجه إلى قصر قرطاج، فإذ به يواجه عشرات الحواجز ونقاط التفتيش التابعة لأجهزة أمنية مختلفة على طول أكثر من اثني كيلومتر قبل الوصول إلى القصر. والمضحك في الأمر حسب الصافي سعيد أن كل حاجز كان يأخذ الرسالة التي كان يود إيصالها للرئيس ثم يقرأها ويعيدها لصافي، مع أنها رسالة سرية. لكن كل الحواجز التابعة لأجهزة المخابرات التونسية المختلفة قرأتها قبل أن يصل بها الصافي إلى باب القصر بعد رحلة دامت أكثر من ساعتين. وحتى على باب القصر رفض الأمن الرئاسي المضطرب أن يسمح بوصول الرسالة للرئيس قبل أن يقرأها. حتى إن البعض يعتقد أن الرسالة لم تصل لقيس سعيد بعد كل هذا العناء. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الرئيس أشبه بسجين مضطرب لدى الأجهزة حسب المحللين التونسيين، وهو مجرد واجهة تدار بالريموت كونترول ولا يملك من أمره شيئاً لهذا تأخر كثيراً في تشكيل الحكومة لأنه مجرد عبد مأمور. وهذا يذكرنا بآخر سنتين من حكم بورقيبة حيث كان خارج التغطية وكانت الأجهزة تدير كل شيء وهو طريح الفراش.
وسوم: العدد 948