تحويل الأقصى إلى كنيس
قرار محكمة الصّلح الإسرائيلية في القدس يوم السابع من أكتوبر 2021 الذي يعتبر صلاة اليهود في المسجد الأقصى "عملا مشروعا لا يمكن تجريمه" ما دامت تلك الصّلوات صامتة" ليس وليد السّاعة، فالمسجد الأقصى مستهدف منذ وقوعه تحت الاحتلال، فقبل أن يسكت هدير المدافع في حرب حزيران 1967 تمّ رفع العلم الإسرائيلي على قبّة الصّخرة المشرّفة، والإستيلاء على حائط البراق وتحويله إلى "حائط مبكى" لآداء الصلوات اليهوديّة أمامه بعد هدم حارتي الشّرف والمغاربة المحاذيتين له وتشريد سكّانه الفلسطينيين، وبناء حيّ استيطانيّ مكانهما، وبوشر بالحفريّات تحت المسجد الأقصى والتي لا زالت مستمرّة حتّى يومنا هذا بحثا عن الهيكل المزعوم. لكنّ موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي وقتذاك وافق على إنزال العلم بناء على طلب من رئيس الهيئة العلميّة الإسلامية المرحوم الشّيخ سعد الدّين العلمي.
وفي 21 أغسطس أشعل سيء الذّكر مايكل روهان النّيران في المسجد المبارك، وأتت النّيران على أجزاء من المسجد بما فيها منبر صلاح الدّين التّاريخي، وكانت تلك الليلة أطول ليلة في حياة جولدة مائير رئيسة الحكومة الإسرائيليّة وقتذاك، خوفا من ردّة فعل العرب والمسلمين كما صرّحت بذلك. وتمّت تبرئة المجرم بحجّة أنّه مختلّ عقليّا!
وتوالت الإعتداءات الإسرائيليّة على المسجد الأقصى، ففي أكتوبر 1990 عندما قتلت وجرحت قوّات الاحتلال عشرات المصلّين داخل المسجد. وفي أواخر سبتمبر من العام 2000 اقتحم أريئيل شارون وزير الحرب الإسرائيلي المسجد ممّا أدّى إلى اندلاع الانتفاضة الثّانية، والتي حصدت أرواح المئات.
ثمّ سمح للجماعات الدّينيّة المتطرّفة منذ العام 2007، وبعد انتهاء بناء جدار التّوسّع الاحتلالي، وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي بانتهاك حرمات المسجد الأقصى بشكل شبه يوميّ وتحت حراسة قوى الأمن الاحتلاليّة، وبهذا بدأوا خطّة التقسيم الزّماني للمسجد.
واتّخذت بلدية القدس قرارا باعتبار ساحات وباحات المسجد أماكن سياحيّة عامّة، وتقصد بذلك رفع القداسة الدّينيّة على المسجد.
ثمّ أغلقوا مسجد باب الرّحمة داخل المسجد الأقصى أمام المصلين المسلمين، وفي الوقت الذي كانت جماعات يهوديّة تقف خلفها جهات رسميّة تدعو إلى هدم مسجد الصّخرة المشرّفة لبناء الهيكل مكانه، في محاولة لتقسيم المسجد على غرار تقسيم المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل، كانت جماعات أخرى تدعو إلى هدم المسجد كاملا لبناء الهيكل المزعوم مكانه.
وفي العام 2017 جرى تركيب بوّابات إلكترونيّة عند مدخل المسجد الأقصى، لكنّهم أزالوها لأنّ القدس بقضّها وقضيضها خرج مواطنوها، يسانهدهم الآلاف من إخوتهم في الدّاخل الفلسطينيّ دفاعا عن مسجدهم.
ومعروف أنّ المشروع الصّهيونيّ طويل المدى، وينفّذ بخطوات حسب التّوقيت المناسب لهم، وكما يبدو فإنّ اسرائيل وبعد تهافت الأنظمة العربيّة المتصهينة المعلن إلى تطبيع العلاقات المجّانيّة مع اسرائيل وبناء تحالفات أمنيّة وعسكرية معها في العام 2020، فإنّ القيادة الإسرائيليّة قد ارتأت أنّ الوقت مناسب لتنفيذ التقسيم المكاني للمسجد، قد يبدأ "بالصّلوات الصّامتة"! كما جاء في قرار محكمة الصلح الإسرائيليّة في القدس، وهم على قناعة بأنّ ردّات الفعل العربيّة لن تتعدّى الجعجة الكلاميّة ثمّ لا يلبثون "أن يتكيّفوا مع الواقع الجديد" على رأي نتنياهو. والصلوات اليهودية في المسجد مجرّد خطوة على الطّريق ستتبعها خطوات بناء الهيكل عندما تحين الفرصة لذلك، وهم ليسوا على عجلة من أمرهم، فكلّ خطواتهم مخطّطة ومدروسة، ويخطئ من يعتقد أنّ القضاء الإسرائيلي غير خاضع للسّلطة السّياسيّة خصوصا فيما يتعلّق بالأراضي المحتلة. وما قرار محكمة الصلح الإسرائيلية آنف الذذكر إلا تعزيز لتوجه حكومة الاحتلال لفرض أداء الطقوس اليهودية في داخل المسجد الأقصى المبارك ضمن أجندة "التأسيس المعنوي للهيكل".
وهنا لا بدّ من الإشادة بالموقف الأردنيّ الرّسميّ بخصوص الأماكن المقدّسة في القدس والتي هي تحت "الحماية الهاشميّة" حسب ما نصّت عليه اتّفاقيّة وادي عربة الموقّعة عام 1994.
ويبقى المسجد الأقصى في خطر حقيقيّ، فجعجعوا وناموا ولا تستيقظوا أيّها العرب. والحديث يطول.
وسوم: العدد 950