توالي الانقلابات على ثورات الشعوب العربية التواقة إلى العيش الكريم
توالي الانقلابات على ثورات الشعوب العربية التواقة إلى العيش الكريم في ظل ديمقراطيات حقيقية أمام صمت الدول الغربية واكتفائها بالتعبير عن قلقها
بالأمس حدث ثاني انقلاب عسكري في السودان بعد الانقلاب السابق الذي أنهى حكم دكتاتور وصل هو الآخر إلى الحكم عن طريق انقلاب عسكري سابق على الدكتاتور الأسبق ، وكأن قدر السودان هو حكم العسكر يطيح قادته بعضهم ببعض عن طريق انقلابات متتالية ، وكلما حكم أحدهم لعن سابقه وخوّنه ووعد الشعب السوداني المسكين التواق إلى حياة كريمة في ظل ديمقراطية حقيقية بتحقيق آماله ثم ينقض بعد ذلك عهده ويخونه ، ويستبد بالسلطة ، فيخلع بذلته العسكرية ، ويلبس بذلة مدنية أو عباءة وعمامة ،ويحمل في يده عصى يلوح بها في الجموع المخدوعة بوعوده الكاذبة ، ويجري بعد ذلك انتخابات صورية يكون هو الفائز الوحيد فيها إلى أن ينقلب عليه عسكري آخر يمضي قدما في استبداده من جديد .
إن الانقلاب العسكري يوم أمس في السودان هو انقلاب طبق الأصل للانقلاب العسكري الدموي في مصر، وقبله الانقلاب العسكري الدموي الأول في الجزائر والثاني أيضا ، وهو لا يختلف عن الانقلاب على الدستور في تونس حيث تحول رئيس مدني منتخب إلى ديكتاتور حل محل دكتاتور سابق انقلب بدوره هو الآخر على دكتاتور أسبق .
ولقد تعددت أنواع وأساليب الانقلابات على ثورات الشعوب العربية في ربيعها في معظم بلاد الوطن العربي، فمنها من اعتمد فيها على أسلوب القمع الوحشي الصارخ كما هو الشأن في سوريا ، أو أسلوب القمع الممنهج والمبطن كما هو الشأن في بعض دول الخليج ، ومنها ما اعتمد فيه أسلوب التصفية الطائفية والانتخابات الصورية المكرسة للدكتاتورية الطائفية والتابعة للنظام الإيراني كما هو الشأن في العراق ، ومنها ما اعتمد فيه على أسلوب الصراع الطائفي والحرب الأهلية كما هو الشأن في اليمن وليبيا ... إلى غير ذلك من الأساليب التي هي في نهابة المطاف كلها انقلابات على ثورات الشعوب العربية أو حراكها التواقة إلى حياة كريمة في ظل ديمقراطيات حقيقية تنهي عهد الديكناتوريات وعهد الديمقراطيات الصورية ا المطبوخة والهزلية .
وتتوالى هذه الانقلابات بكل أشكالها وأساليبها والغرب الذي يدعي الوصاية على الديمقراطية في العالم يقف موقف المتفرج ، ويكتفي بالتعبير عن قلقه ،ولكنه بعد ذلك يطبع علاقاته مع متزعمي الانقلابات ، ويعتبرهم شركاءه ويعتمد عليهم ، ويقدم لهم المساعدات المالية والعسكرية بسخاء لأنهم ضامنو مصالحه ، ولأنه بوجودهم في السلطة يستبيح مقدرات وثروات الوطن العرب ، ويمنع شعوبه من الحياة الكريمة في ظل ديمقراطيات حقيقية من شأنها أن تمنعه من نهب ثرواتها ومقدراتهما والتي عليها تتوقف نهضتها وتطورها ورقيها ككل شعوب العالم التي تعيش حياة كريمة ، وتحكم نفسها بنفسها في ظل ديمقراطيات حقيقية .
وليس من قبيل الصدف ان يحل مبعوث أمريكي في السودان قبل يوم واحد من الإعلان عن الانقلاب العسكري الذي أنهى العمل بوثيقة دستورية وزج بأعضاء الحكومة المدنيين في السجون والمعتقلات ، والمثير للسخرية أن الخارجية الأمريكية لم تزد عن التعبير عن قلقها كعادتها كلما حدث انقلاب عسكري أو غير عسكري في بلد عربي ، مع التلويح بوقف المساعدات المالية للسودان، وهذا يعتبر استخفافا بالشعب السوداني وبغيره من الشعوب العربية التي تحول كل أشكال الانقلابات دون تحقيق هدفها الوحيد ، وهو العيش الكريم في ظل ديمقراطيات حقيقية تخلصها من كل أشكال الاستبداد المسلط عليها والمعرقل لنهضتها وتطورها ورقيها .
ولقد بات من المؤكد أن الغرب هو من يقف وراء منع تحقيق الشعوب العربية ما تصبو إليه ، وأن تحقيق ذلك يتوقف بالضرورة على وعيها بمصدر شقائها الحقيقي الذي هو الغرب المتبجح بالوصاية على الديمقراطية وحرية الشعوب وحقوقها وكرامتها ، وهو في الحقيقة المجهز عليها من خلال دعمه للديكتاتوريات وربط مصالحه بوجودها واستمرارها في السلطة واستبدادها .
وإلى أن يطلع فجر الديمقراطيات الحقيقة في الوطن العربي ، نقول لشعوبه المغلوب على أمرها لك الله يا أشقى وأتعس شعوب المعمور.
وسوم: العدد 952