مقتل جمال عبد الناصر وبيع «الأهرام»!
ورد، خلال الاحتجاجات المستمرة للمتظاهرين السودانيين على الانقلاب العسكري، اسم لافت ضمن قائمة ضحايا القمع، حيث ذكرت لجنة الأطباء المركزية السودانية في بيان لها السبت الماضي إن مصادرها تأكدت «من ارتقاء روح الشهيد جمال عبد الناصر (22 عاما) إثر تعرضه لطلق ناري في الرأس من قبل ميليشيات المجلس العسكري الانقلابي».
يحمل الشاب اسم القائد الأشهر في التاريخ العربي الحديث، والذي أدت حركته العسكرية مع زملائه من الضباط الأحرار عام 1952 إلى التأثير على مجمل التطوّرات السياسية العربية اللاحقة، لكن مقتله بهذه الطريقة يستدعي تحليل ما تحمله هذه الحادثة من مفارقات خطيرة.
مرّ بين حدثي انقلاب/ثورة «البكباشي» عبد الناصر في مصر، ومقتل الناشط السلمي عبد الناصر في السودان 69 عاما جرت خلالها أحداث عربيّة هائلة أملت خلالها الجماهير العربية، أن تؤدي حركة عبد الناصر العسكرية إلى نهضة عربية كبرى، فاحتفل الملايين بتراجع فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عام 1956، وبظهور حركة «عدم الانحياز» عام 1955، وبوحدة مصر وسوريا عام 1958، لكنها شهدت تعثّر التدخل المصري في اليمن عام 1962، وهزيمة 1967، وأحداث أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن، ومع وفاة عبد الناصر بعد مشاركته في قمة عربية لبحث تلك الأحداث انتهت مرحلة كبرى في التاريخ الحديث، وبدأت أخرى مع تولّي نائبه، محمد أنور السادات الرئاسة، حيث بدأت فصول الحرب الأهلية اللبنانية وخطوات التطبيع مع إسرائيل.
ضمن هذا السياق، يمكن اعتبار مقتل عبد الناصر السوداني حدثا رمزيا يؤشر لإحدى المحاولات العربية لتأسيس حكم مدني ديمقراطي ولوقف المسلسل الطويل لتدخّل الجيوش في السياسة بعد أن آلت كل التجارب العسكرية في مشارق الأرض العربية ومغاربها إلى تكريس نظم دكتاتورية مطلقة، وأعلنت فشلها الذريع في تحقيق الأهداف الكبرى التي وعدت بها، إضافة إلى كونها أعاقت، بشكل هائل، إمكانيات التطوّر السياسي والاقتصادي والاجتماعي لبلدانها.
تزامن الدلالات الرمزيّة المهمة للحدث الآنف مع خبر يواكبه في المعاني ويؤكد الآثار البائسة التي آلت إليها أوضاع مصر، وذلك بعد إعلان تدشين «المكتبة الوطنية الإسرائيلية» أرشيفا رقميا لصحيفة «الأهرام» الحكومية المصرية، وهو ما اثار غضبا واسعا في أوساط الإعلاميين والصحافيين المصريين.
إلى المفارقة التي يحملها الخبر، فإن ما يبعث على الأسى ليس مبادرة مؤسسة إسرائيلية لعرض أرشيف أهم صحيفة مصرية، ولكن لكشفه تفاصيل مخزية، عرضها موقع «القاهرة 24» أمس الأحد، عن طريقة حصول تلك المؤسسة على الأرشيف من خلال منصة أمريكية تدعى «إيست فيو» التي حصلت عليه، كما أشار الخبر، عن مصادر من «الأهرام» نفسها، أن «قيمة الصفقة المشبوهة» لبيع الأرشيف «لم تدخل إلى خزينة الأهرام حتى الآن».
أحد الصحافيين المصريين طالب المجلس الأعلى للإعلام المصري بالتحقيق و«الكشف عن أي فساد كان له دور في ذلك» معتبرا أن «الصهاينة استباحوا أرشيف الأهرام كما استباحوا أرضنا وأقصانا» وهو ما يعيدنا، مجددا، إلى مساءلة مشاريع الحكم الدكتاتوري، والتي آلت نسخها الأخيرة صراحة إلى التحالف المكشوف مع إسرائيل، والاستعانة بها ضد شعوبها، أما سرقة التاريخ والأرشيف، فتصبح تفاصيل في مشهد الاستباحة الأكبر.
وسوم: العدد 953