لماذا تنفي إسرائيل أسر حركة " حرية " اثنين من ضباط الموساد ؟!
وقبل الإجابة عن السؤال ، ما صحة خبر الأسر ؟! في رأينا أن الخبر صحيح ، وقناة مثل " الجزيرة " ذات المصداقية المهنية العالية عالميا لا مجال لأن تبثه إلا بعد التحقق والتوثق من صحته ، وفي الفيديو صورة للضابطين وأوراق ثبوتية تبين اسميهما . وعادت حركة " حرية " فبثت أمس ، الثلاثاء ، مقطع فيديو جديد لتوكيد أسرها الضابطين ، وللرد على نفي إسرائيل لصحة الخبر . وجاء نفيها ، بعد صمت ، على لسان عوفير جندلمان المتحدث الرسمي باسم رئيس الوزراء للإعلام العربي الذي قال إن الشخصين اللذين عرضا في برنامج " ما خفي أعظم " الذي يقدمه تامر المسحال ليسا إسرائيليين ، ولا علاقة لهما بإسرائيل . الخبر إذن صحيح ، ومادام صحيحا وفق رأينا بناء على الشواهد المصاحبة له ، ونوعية القناة التي بثته بالصوت والصورة ، فالسؤال المتوجب هو : لماذا تنفي إسرائيل أسر ضابطيها اللذين سمع أحدهما في مقطع فيديو حركة " حرية " الجديد يقول : " لم أعد أذكر شيئا . " ؟! الأسباب المفسرة للنفي هي : أولا : سعيها لإطلاق سراحهما بوسائل استخبارية أو عسكرية أو دبلوماسية أو بأي وسيلة أخرى ملائمة ، وهذا يعني أنها ربما تعرف مكان أسرهما والحركة التي تأسرهما والتي لا تزال حتى الآن مجهولة الهوية إعلاميا . وقد يدل الهدف الذي حددته لإطلاق سراحهما ، وهو تحرير أسرى فلسطينيين ، على أنها فلسطينية خارج الأراضي المحتلة ، أو حركة عربية أو دولية مؤازرة للفلسطينيين . ثانيا : تخشى أن يفجر اعترافها بأسرهما شعورا بالصدمة بين الجمهور الإسرائيلي المفتون بإنجازات الموساد ، وابتهاجا وسخرية بين أعدائها ، ومنهم من يرى أن أسطورة الموساد مغالى فيها كثيرا ، وأنها مثل أسطورة جيشها الذي تزعم أنه لا يقهره أحد . ثالثا : يجيء هذا الإخفاق الاستخباري القاسي في جو توسع تطبيع الدول العربية معها والتي ينبهر حكامها الرديئو النوعية بإنجازات إسرائيل العسكرية والاستخبارية والتكنولوجية ، ويأملون أن تعينهم إسرائيل بهذه الإنجازات على ديمومة سلطاتهم التي يتخوفون عليها من شعوبهم الكارهة لهم والمعادية لإسرائيل ، وهي ، إسرائيل ، تهتم اهتماما قويا بأن يدوم انبهار هؤلاء الحكام بإنجازاتها ، واعترافها بأسر جندييها سيجرح شيئا من هذا الانبهار الأحمق الأعمى . رابعا : سيحرك الاعتراف ذوي الأسيرين للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتحريرهما الذي سيقتضيها ثمنا ثقيلا بتحرير أسرى فلسطينيين كثيرين ، وسيكون الاعتراف بأسرهما قوة مضافة لورقة الأسرى الإسرائيليين الأربعة لدى حماس في غزة . وإسرائيل لم تشفَ من مرارة ذكرى أسر شاليط في يونيو 2006 ، وما حركته أسرته وأصدقاؤه من مظاهرات وضغوط هائلة متنوعة على الحكومة الإسرائيلية ، فاضطرت في النهاية إلى تحريره مقابل تحرير 1027 أسيرا فلسطينيا في صفقة سمتها المقاومة الفلسطينية صفقة وفاء الأحرار في 2011 . وسيفجر الاعتراف بأسر الضابطين معركة سياسية حزبية بين نتنياهو وبين بينيت أساسُها في عهد مَن منهما أُسِر الضابطان ، وقرأت خبرا مؤداه أنهما أسرا في يوليو 2020 ، ما يبين أنهما أسرا في عهد تنياهو . وسترافق هذه المعركة حملات إعلامية بعضها يلوم نتنياهو لوقوع الأسر في عهده ، وبعضها يلوم بينيت لوقوع الأسر في عهده القصير في حال عدم صحة الخبر الذي قرأته ، وعلى كل حال سيجد أعداؤه ما يلومونه عليه ، وقد يمتد اللوم إلى الموساد . ويبدو من اسم أحد الضابطين ، ديفيد بيري ، أته قريب لرئيس الشاباك الأسبق يعقوب بيري البولندي الأصل . إسرائيل في مشكلة معقدة لأسر ضابطيها ، وقدرت أن نفي خبر أسرهما أسلم الوسائل لمواجهة هذه المشكلة مرحليا ، والانصراف للسعي بصمت لتحريرهما . وهي تطيل النفَس وتتلكأ في تحرير أسراها الأربعة في غزة الذين تعترف بهم ، فكيف لا تفعل ما هو أبعد من إطالة النفس والتلكؤ الحرون في قضية أسيرين لا يقين قاطعا حول أسرهما .هنا مجال متسع للمناورة ، وإذا نجحت في تحريرهما بأي وسيلة فعندها لا قيمة لاتهامها بالنفي الكاذب لأسرهما ؛ لأنه سيعد حينئذ خطة ذكية مدروسة لتحريرهما بلا ثمن ، وستكون تجنبت ضجة وسلبيات الاعتراف المبكر بأسرهما ، والنجاح دائما يجب ما سبقه من عيوب .
وسوم: العدد 954